احتضنت مدينة كاشكايش البرتغالية الأسبوع الماضي أعمال المنتدى العالمي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات الذي عقد هذه السنة تحت شعار "متحدون في السلام: استعادة الثقة وإعادة تشكيل المستقبل" وحضر افتتاح المنتدى الرئيس البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا ،والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات ميغيل أنخيل موراتينوس ،وعدد من رؤساء الدول وممثلي المنظمات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في أكثر من 100 دولة من مختلف بقاع العالم . وتناولت المناقشات خلال المنتدى سبل مواجهة التحديات العالمية بشكل جماعي وبطرق مبتكرة من أجل تشجيع ونشر السلام وثقافة التسامح، وتحقيق التنمية المستدامة والتسامح بين الأديان ونبذ الكراهية، كما بحث المنتدى كيفية متابعة نتائج مبادرة "تحالف الحضارات" منذ الإعلان عنها في الدورة التاسعة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2004.
وتضمن برنامج عمل المنتدى عقد جلسات متنوعة حول مواجهة التعصب الديني بكافة أشكاله، وكيفية دحض الكراهية، وتعزيز التعاون من أجل السلام، وتفعيل حوار الأجيال من أجل التنمية المستدامة، ودور الهجرة في بناء مجتمعات شاملة ومتعددة تساهم في التنمية المستدامة. كما عُقدت جلسات فرعية تتعلق بدور الرياضة، والدبلوماسية، والإعلام والمرأة، وكذلك تكنولوجيا المعلومات ومجالات الذكاء الاصطناعي في دعم الحوار وبناء السلام، علاوة على عقد مؤتمر الأمم المتحدة العالمي لحماية المواقع الدينية على هامش فاعليات المنتدى. وقبل الافتتاح الرسمي للمنتدى، تم عقد منتدى الشباب، بمشاركة 150 وفدا من الشباب القادمين من مختلف دول العالم. ومن المقرر أن يعقد المنتدى في دورته المقبلة في المملكة العربية السعودية عام 2026.
ونيابةً عن الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ، شارك في المنتدى مساعد الأمين العام للاتصال المؤسّسي، الاستاذ عبدالوهاب بن محمد الشهري، حيث ألقى كلمةَ الرابطة في جلسة مجموعة الأصدقاء لمنظمة تحالف الحضارات بالأمم المتحدة ، تحدث فيها عن مضامين وثيقة مكة المكرمة ، مبرزا ما تضمنته من مبادئ إسلامية تضع أُسسَ التعاون والتكامل بين الحضارات في نفع البشرية. كما استعرض المبادرات الدولية والأممية لرابطة العالم الإسلامي في هذا المَيدان ، خاصة مبادرة "بناء الجسور بين الشرق والغرب" التي أطلقتْها الرابطة من مقر الأمم المتحدة .
والواقع أن مواظبة مشاركة رابطة العالم الإسلامي في المنتديات الدولية حول السلام والحوار والتعايش والتسامح تنطلق من رؤيتها الاستراتيجية الجديدة الواعية بأهمية التواصل الحضاري ونشر ثقافة الحواروتعزيز التعايش المجتمعي باعتباره أحد أهم أعمدة الوئام الإنساني. لقد أطلقت الرابطة مبادرات متنوعة في هذا الشأن حول العالم انطلاقا من مفهوم متكامل ومتوازن للحوار بين الحضارات و الثقافات و بين أتباع الأديان. وتستند الرابطة في رؤيتها إلى المفهوم الإسلامي لحوار الحضارات والذي يؤكد على حتمية الحوار من جهة، وعلى أن الحضارات ليست متصارعة فيما بينها بل مسالمة ومتكاملة ومتفاعلة . كما تستلهم الرابطة في هذا المجال توجهات وثيقة مكة المكرمة التي صدرت عن المؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة في مايو 2019 حـول (قيم الوسطية والاعتدال في نصوص القرآن والسنة)، والتي أكدت أن المسلمين " جزء من هذا العالم بتفاعله الحضاري، يسعون للتواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية ، وتعزيزقيمها النبيلة ، وبناء جسور المحبة والوئام الإنساني ، والتصدي لممارسات الظلم والصدام الحضاري وسلبيات الكراهية " كما اعتبرت " الحوار الحضاري أفضل السبل إلى التفاهم السوي مع الآخر ، والتعرف على المشتركات معه ، وتجاوز معوقات التعايش ، والتغلب على المشكلات ذوات الصلة " بل أكدت أن " أطروحة الصراع الحضاري والدعوة للصدام والتخويف من الآخر مظهر من مظاهر العزلة ، والاستعلاء المتولد عن النزعة العنصرية ، والهيمنة الثقافية السلبية ، والانغلاق على الذات " ، وأن "الصراع والصدام يعمل على تجذير الكراهية، واستنبات العداء بين الأمم والشعوب، ويحول دون تحقيق مطلب العيش المشترك "
في مناسبات عديدة ، أكد الشيخ الدكتور محمد العيسى ، الأمين العام لرابطة أن أتباع الأديان والثقافات أحوج ما يكونون إلى بناء حوار فعال متحرر من رواسب الماضي ، من أجل تعزيز تواصلهم الإنساني وتلاقيهم وتعاونهم في إطار المشتركات والمصالح . ومن خلال الوثائق المرجعية لرابطة العالم الإسلامي ، وتصريحات أمينها العام معالي الدكتور الشيخ محمد بن عبد الكريم العيسى ، فإن الحوار الفعال هو الأساس القوي للسلام وللتفاعل بين القيم الإنسانية المشتركة وللتعايش بين أتباع الأديان ،والخروج من دائرة الانغلاق الفكري والاحتقان الثقافي والصدام الحضاري. إنه منهج العقلاء وسبيل الحكماء ، وبفضله يتم تعزيز التعاون الدولي والانخراط الفعلي في الجهود الدولية الهادفة إلى نشر ثقافة العدل والسلام ، وترسيخ قيم التعايش والتسامح والحد من سوء الفهم والتفاهم من خلال التركيز على القواسم والمشتركات الفكرية والثقافية والدينية .
لهذه الاعتبارات ، كانت مشاركة رابطة العالم الإسلامي في المنتدى العالمي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات في البرتغال ضرورية ومهمة باعتبارها مناسبة سانحة للتعريف برؤيتها الاستراتيجية المتبصرة في دعم التحالف بين الحضارات الإنسانية.
_________
المحجوب بنسعيد/
الشبكة الدولية للصحافيين العرب والأفارقة