طالعت الوثيقة الأخيرة التي أصدرها حزب تكتل القوى الديمقراطية واالتي يشي عنوانها بمضمونها: "التسيير الكارثي لنظام محمد ولد عبد العزيز" وخلاصتها هي : "نحن الآن أمام وضعية متفجرة يمكن أن تؤدي إلى حالة من الفوضى ...... وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى أزمات في السيولة النقدية وتعطل جهاز الدولة وفي هذه الحالة سيتوقف النشاط الاقتصادي ".
من خلال المقال التالي أبدي في هذه الوثيقة جملة من الملاحظات أرجو أن تتسع لها صدور من يتبنون مضمونها :
ــ أولا : ورد في الوثيقة أن موريتانيا حصلت في السنوات الأخيرة (2010ـ2014) على تمويلات بلغت17,24مليارولم توضح لنا ماذا تعني بالتمويلات فإذا كانت تعني بها التمويلات الخارجية فهي معلومة غير صحيحة ,لأن ديون موريتانيا حسب التقرير السنوي الأخير للبنك المركزي الموريتاني لاتتجاوز 3,8مليار دولار,وعلى كل فإن وجوه صرف ما توفرت عليه موريتانيا من تمويلات خارجية ومداخيل وطنية يجيب عنه ما أنجز من طرق وشبكات مياه ,واستصلاح زراعي ومدارس ومرافق صحية ,وما يتعلق بها من تجهيزات مثل اقتناء الأجهزة وتكاليف الرعاية الاجتماعية .كما أن وضعية الميزانية الموريتانية بعيدة عما ورد في الوثيقة من أنها كارثية, فقد صادقت الدولة مؤخرا على تعديل موازنتها لسنة 2016 بزيادة ناهزت 46 مليار أوقية مع التحكم الجيد في التضخم ,ووجود احتياطي من العملة الصعبة يتجاوز 800 مليون دلار وقد عرف هذا الرصيد انخفاضات سابقة لعهد هذا النظام ب حت بلغ هذا الرصشد لغت في بعض الفترات 400 ألف دلار,وقد تحقق كل ذلك رغم الانخفاض الكبير الذي عرفته المواد الأولية ( الحديد , النفط الخام النحاس .. ) .
وعلى صعيد تعبئة الموارد الضرورية وقعت موريتانيا 20 اتفاقية تمويل مع شركاء التنمية بقيمة إجمالية تجاوزت 109 مليار أوقية ,خصصت للتنمية الحيوانية ,والزراعة والأمن الغذائي ,والطاقة والحماية الاجتماعية والحكامة والبيئة , مع وضع برنامج للاستثمار العمومي وإطار للنفقات متوسط المدى (2016 ـــ 2018 ) .
ــ ثانيا فيما يتعلق بمناخ الاستثمار:ورد في وثيقة التكتل مانصه : "لقد حصلت شركة اسنيم في الفترة من 2010ــ 2014 على سبع مليارات دلار آمريكي جراء ارتفاع الأسعار العالمية للحديد إلا أنها لم تقم بأي استثمار لتجديد أدوات إنتاجها "وهذا الكلام غير صحيح للإعتبارين التاليين :
أ ــ أن هذا المبلغ هو قيمة كل مبيعات الشركة ويتضمن تكاليف الإنتاج .
ب ـــ أن الشركة صرفت الكثير منه في تجديد أدوات إنتاجها حيث استحدثت آليات إنتاجها الصناعية في to14 ,وفي الكلب ولمهودات ,كما اقتنت مئآت الآليات التي قد يتجاوز سعر الواحدة منها مليار أوقية ,وتم تحديث القطار بجميع عرباته, وقاطراته وسكته الحديدية ,مع بناء ميناء منجمي جديد ,وتشييد قلاب عربات وتوسعة شبكة اتصالات الشركة ومحطات توليد كهربائها ,إضافة إلى مضاعفة رواتب عمالها ,واكتتاب آلاف العمال بمن فيهم جميع عمال المقاولة من الباطن , فهل بعد الحق إلا الضلال .
ــ ثالثا فيما يخص الطاقة الكهربائية وعكسا لما ورد في الوثيقة فإن موريتانيا في وضع جيد ,فهي تملك فائضا كبيرا من الطاقتين الكهربائية والكهرمائة ,إضافة كم كبير من الطاقات النظيفة ( الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية ) وتزود جمهورية السنغال ب 20 ميكواط من الطاقة الكهربائية عن طريق شبكة omvs وتجني من العملية أرباحا معتبرة ,كما حصلت على تمويل الخط الكهربائي لنقل 180ميكواط للسنغال , صحيح أن مدينة انواكشوط تعرف في بعض الاوقات انقطاعات في التيار الكهربائي لكن ذلك ليس بسبب نقص او أزمة في الطاقة الكهربائية وإنما بسبب ما تحتاجه من تجديد وصيانة وإعادة تأهيل لشبكات التوزيع بسبب التوسع العمراني للمدينة .
ــ رابعا :فيما يتعلق بالأمثلة التي ساقتها الوثيقة في حديثها عما سمته "تدهورمناخ الأعمال "استعرضت جملة من المشاريع الاقتصادية مثل :
ــ شركة كلنكور glencorr متعددة الجنسيات .
ــ الشركة الصينية hong dong.
ــ الشركة السنغالية cse.
ـــ الشركة المغربية stam.
لقد استعرضت الوثيقة الإستثمارات الفاشلة لهذه الشركات حسب تصورها وذلك بسبب ما لخصته في : "سعي النظام إلى خلق طبقة جديدة من رجال الأعمال قريبة من المحيط العائلي للرئيس ,ومضايقة رجال أعمال المعارضة ,والانتهاكات المستمرة في خرق قوانين وأنظمة الحكامة "
ولأن الأمور تعرف من بعضها فسأعلق على هذه النقطة من خلال استعراض مثالين يكذبان ماذهبت إليه الوثيقة والمثالان هما :
ــ 1ــ شركة كلنكورمتعددة الجنسيات إن تخلي شركة كلنكور عن مشروع استغلال منجمي العوج ولمتينه لا تتحمل الدولة الموريتانية أي مسؤولية فيه وإنما هو قرار اتخذته الشركة بمفردها بسبب الانخفاض الدراماتيكي لأسعار الحديد الذي انخفض من 140دلار إلى أقل من 30 دولاراخلال السنة المنصرمة مما جعل الشركة تتوقف عن مشروع تبنته انطلاقا من حسابات أسعار لم تعد قائمة وهو موقف تجاري مفهوم , وخير مثال على ذلك أن شركة MCM تكلفت مئآت الملايين في بناء مصنع للحديد فعدلت عن المشروع وبقي المصنع خاويا على عروشه بسبب ما أشرنا إليه من انخفاض في أسعار تلك المادة الأولية الهامة إن إعطاء المواطن معلومات غير صحيحة مسألة غير مقبولة ولا تخدم الجهة الصادرة عنها
ــ 2ــ شركة هونغ دونغ الصينية : غير صحيح البتة أن شراكة موريتانيا مع هذه الشركة استثمار فاشل كما وردفي الوثيقة وأنها تنصلت من التزامتها فقد استثمرت 100 مليون دلار في المنشآت ولديها مصنع في انواذيبو.
لمعالجة الأسماك وتخزينها هو الأحسن في المنطقة ,كما توظف مئآت العمال .
إن تصدر الدبلوماسية الموريتانية المشهدين العربي والإفريقي ,وما تنعم به من أمن واستقرار,وما تزخر به من موارد اقتصادية هائلة ومتنوعة حقائق لا يمكن نفها ولا المزايدة عليها ,وهي العوامل التي جعلت منا خها الإستثماري يتقدم ب8 درجات في الترتيب العالمي ,كما جعلتها قبلة للمستثمرين .
ـــ خامسا : ذكرت الوثيقة أن السلطة الحاكمة كثيرا ما تتعمد انتهاك الأنظمة الخاصة بالحكامة الاقتصادية ,بغية منح المشاريع لأناس مقربين من السلطة .
وفي رأيي أن هذا الكلام مجرد اتهام حيث توجد لجان خاصة بالصفقات في كل قطاعات الدولة ,يكتتب أعضاؤها عن طريق مسابقات شفافة ,وهم من خيرة أطر البلد ,وهناك دفاتر شروط للمناقصات ,ولم نسمع بشكوى من مؤسسة اتهمت لجنة من لجان الصفقات بإقصائها لسبب سياسي أو عائلي ,ولا يوجد قانون يستثني أو يعطي مزايا خاصة لأقارب الرئيس أو الوزير, أو المدير,أو المواطن العادي فهم ـــ جميعا ـــ مواطنون لهم الحق في المشاركة في كل الأنشطة الاقتصادية ,بما فيها المشاركة في المناقصات والفوز فيها .
ــ سادسا :في مجال الصيد : بلغت واردات قطاع الصيد في النصف الأول من (2015) 11,92مليار أوقية مع العلم بأن العائدات الجمركية مستثناة من هذا المبلغ, وهو ما يمثل زيادة بنسبة 35%مقارنة مع نفس الفترة من 2014مع توفير 43000 فرصة عمل مباشرة و 12000 ألف فرصة عمل غير مباشرة ,وقد وقعت بلادنا مع الإتحاد الأربي اتفاقية هامة لأنها ضمنت للخزينة إيرادات بمبلغ 100 مليون يورو ,وتخصيص نسبة 60%من طواقم الأساطيل الأوربية للبحارة الموريتانيين ,كما ساهم قطاع الصيد في سياسة الأمن الغذائي ,حيث بلغت الكميات الموزعة منه مجانا ( بسعر رمزي بمبلغ 50 أوقية للكيلوغرام ) 3625 طنا شملت كافة ولايات الوطن ,إضافة إلى السياسة التي اتبعت في مجال ترقية بحوث المحيطات والاستصلاح المستدام للمصائد ,وتطوير تربية الأسماك والصيد القاري , وعلى الصعيد المؤسسي صادقت الحكومة الموريتانية في 26 يناير 2015 على استراتيجية جديدة للصيد, تهدف إلى حماية الموارد البحرية وتحقيق اندماج أكبر للقطاع في الاقتصاد الوطني ,كما صادقت على مدونة جديدة للصيد .
سابعا :ورد في الوثيقة أن الاستصلاحات الزراعية التي أنجزت في عهد هذا النظام أنجزت بدون دراسة وبطرق بدائية ,وبأسعار خيالية وتقول الحقائق ولغة الأرقام أن الشيئ الكثير تحقق في المجال الزراعي خلال عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز, فقد تم تأهيل 223هكتارا في بير البركه ,و250 في ومبو, و60%من مزارع انبوريه وبكمون ,وداخلت انتيكان ,و70% من أصل 800 هكتار في فم لكليته ,وإعادة تأهيل مزرعة مقامه 3(770) هكتارا مع توسيع مزارع كري والجاكيلي وإنجاز 40% من الاستصلاح المائي على مساحة 3262هكتارا ,وبخصوص القناة التي انتقد البيان شقها والبالغ طولها 55 كلم فإنها ستمكن موريتانيا من استفادة أكبر من حصتها من نهر السنغال ,لأنها ستروى 16000 هكتارا وتفيد التنوع الإيكولوجي والمنمين .
لقد أعطت هذه السياسة نتائج مرضية ,والدليل على ذلك أن إنتاج موريتانيا خلال حملتي 2014 ــ 2015 من الأرزبلغ 293219 طنا من الأرز الخام وهو مايغطي 80% من حاجات البلد من هذه المادة الهامة .
وخلاصة القول أن هذه الوثيقة أوغلت في السريالية السياسية وعبرت عن رؤية موغلة في المحلية ,ولم تبين لنا مصادرها التي رجعت لها بل إنني أجزم بأن من كتبوها لو رجعوا فيها لرئيس الحز ب المعروف بخبرته الإقتصادية لما أجازها , إن الحقائق الاقتصادية المستندة إلى لغة الأرقام يجب أن تفصل عن الأماني السياسية ,كما أن وثيقة بهذه الدرجة من المغالطات وعدم الدقة العلمية لا تليق بحزب سياسيي مثل حزب التكتل , الذي ينضوي تحت لوائه الكثير من المثقفين والمتخصصين في الشأن الاقتصادي ,ويفترض أنه يحترم نفسه ,ويحترم الرأي العام الوطني والدولي .