هل كان تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية، جون كيري، الذي لوّح بهجمات على مدنٍ روسيّة قد يشنّها إرهابيون سيشغلون فراغ السلطة في سوريا في حال استمرار الحرب فيها، هل كان هذا تحذيراً بقصد لفت الأنظار إلى مخاطر محتملة، أم كان تهديداً ووعيداً للجانب الروسيّ أنه إذا لم يمتثل للإرادة الأميركية في الملفّ السوريّ، فإنّ الولايات المتحدة قادرة على تحريك الإرهاب في روسيا ذاتها؟
إن صيغة التهديد تشي بأنّ هؤلاء الإرهابيين يتحركون بواعز من سيّدهم الذي يدير المفاوضات ويحاول جاهداً أن يضعهم في مواقع القرار. خاصة وأنّ هذا التهديد قد تزامن مع تصريحات قيادي في جبهة النصرة لإحدى الصحف الألمانية؛ إذ قال هذا المتطرّف مباشرة أنّ التنظيم يتلقّى دعماً خارجياً، لكنّه بحاجة إلى أسلحة أكثر حداثة، وشدّد على أنّ جبهة النّصرة ستواصل القتال حتى الانتصار.
في دهاليز السياسة الكثير من اللغط والتشويش والنفاق والمواقف المزدوجة؛ إذ إن الاتفاق الروسي – الأميركي الذي يقضي بفصل «المعارضة المسلّحة المعتدلة» عن الإرهابيين في سوريا، يفتقر إلى الواقعية أولاً، كما يفتقر إلى إرادة الأميركي لتنفيذ مثل هذا الاتفاق.
لقد برهن الميدان، على مدى سنوات، أنّ الإرهابيين والتكفيريين والمسلّحين يتبادلون المواقع والمخطوفين والأسلحة وكلّ ما يخطر ببال. كما برهن الواقع أنّ إطالة أمد الحوار والتعثّر في التوصّل إلى أيّ اتفاق واقعي، ناهيك عن انعدام الرغبة الأميركية في تنفيذ الاتفاق حتى بعد توقيعه، أنّ كلّ هذا يدفع ثمنه الشعب السوري دماءً، وحياةً، وألماً، وأنّ داعمي الإرهاب لا يدفعون شيئاً على الإطلاق لأن ذلك من عمل الداعمين الإقليميين والذين كان اسمهم عرباً في يومٍ ما.
إنّ ما يحدث في حلبَ اليوم، وردود الأفعال الأميركية والغربية على انتصارات جيشنا العربيّ السوريّ في تحرير أجزاء من حلب يحدوني لإعادة قراءة أكثر من مفصل في هذه الحرب الشرسة والظالمة على سوريا. إذ إنّ أهل حلب يعانون، ومنذ سنوات، من مدفع جهنّم، ومن خسائر في الأرواح، ومن تدمير ممنهج لحلب القديمة، ولأجمل معالمها التاريخية، ومن سرقة أوابدها، وهي العاصمة الاقتصادية للبلاد، ومع ذلك لم يرفع الغرب صوتاً لنجدة حلب، ونجدة أهالي حلب. ولكن، وحين بدأ جيشنا، وبالتعاون مع الحلفاء بتهديد الوجود الإرهابي في حلب، اعتبرت سامنثا باور أنّ ما يجري في حلب يشبه يوم القيامة، كما قالت باور في مجلس الأمن: «إنّ ما يفعله الروس والأسد في حلب هو تحطيم للمعنويات».
والسؤال هو معنويات من؟ بالتأكيد هي لا تُشير إلى معنويات السوريين، بل هي تُشير إلى معنويات الإرهابيين الذين بدؤوا يستشعرون خطر إزالة إرهابهم عن صدر حلب الشهباء وأهلها الصابرين الصامدين. ومن هنا يأتي البحث الأميركي اليوم عن خيارات جديدة، ليس لإنهاء الحرب في سوريا، وإنما لمحاولة ضمان عدم هزيمة الإرهابيين على الأرض السورية. والمشكلة أنّ المسؤولين الأميركيين، والذين هم السبب المباشر في إخفاق المساعي الدبلوماسية، هم الذين يتذرّعون بهذا الإخفاق للبحث عن بدائلَ «معظمها يتضمّن استخدام القوّة بشكل أو بآخر، وجرى بحثها من قبل لكن تقرّر تعليقها»، ومن هذه البدائل السماح للحلفاء الخليجيين بتزويد المعارضة بأسلحة أكثر تطوراً.
لا بدّ هنا من وقفة لمراجعة مسار الحرب على سورية منذ آذار 2011 إلى حدّ الآن، حين كانت الأبواق الإعلامية الغربية تتحدّث عن التعدّدية الحزبية، ورفع حالة الطوارئ وتعديل الدستور، وإلى ما هنالك من طلبات قصد منها إعطاء هذه الحرب غطاءً ديمقراطياً، وجهداً من أجل تحسين حقوق الإنسان. ونحن نتذكر اليوم أنه ومنذ 24/3/2011، حين اتخذت القيادة قراراتٍ جريئة وجوهرية للاستجابة لكلّ المطالب الآنفة الذكر، حينها اشتدّت الحملة على سوريا، ولم يذكر الإعلام الغربيّ يومها أو بعدها أيّ جهد تقوم به الحكومة السوريا في محاولة لاستيعاب التحرّك، كما أسموه، وإعادة الأمور إلى السلام والهدوء. وبقي هذا المسار واضحاً طيلة هذه الحرب على سوريا إلى أن بدأ الحوار الروسي – الأميركي.
وقد تابعنا منذ بداية هذا الحوار المطالبة الأميركية الشديدة والحازمة بهدنة لوقف القتال كلّما تمّ تشديد الخناق على الإرهابيين، وأوشك الجيش العربي السوري على تحرير منطقة ما. فقد أتت الهدنة السابقة، منذ قرابة عام، والإصرار الأميركي على تنفيذها فوراً، نتيجة تطويق الجيش العربي السوري لمدينة حلب. والأمر ذاته ينطبق على الهدنة الأخيرة، والتي بعد فشلها ارتفعت الأصوات عالية في الغرب، لأنّ الجيش العربي السوري يحرز انتصاراتٍ على الإرهاب في معظم أنحاء البلاد.
أما حين يستشهد عشرات السوريين في حلب وغيرها من المدن والقرى السورية نتيجة أعمال إرهابية، فنحن لا نسمع إدانة ولا أجراس إنذار بأنّ ما يجري يحطّم المعنويات، أو أنه يشبه يوم القيامة. إنّ مراجعة الأحداث في سوريا مع كلّ ما أطلق من اتهامات وتحريض وأفكار متناقضة في الإدعاء بالسير بطريق الحوار، يبرهن بما لا يقبل الشكّ أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها في قطر والسعودية وتركيا هم خالقوا هذا الإرهاب وداعموه لهدم سوريا وإلحاق أشدّ الأضرار بجيشها وشعبها وبناها التحتية. وهاهم رعاة الإرهاب يتراكضون إلى إسرائيل للمشاركة بجنازة مرتكب صبرا وشاتيلا ومرتكب مئات المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني وعلى مدى عقود.
وها هم بعض العرب يكشفون عن وجههم الحقيقي وأنهم في صفّ أعداء فلسطين وأعداء العرب والعروبة. أما الولايات المتحدة فإنّ دعمها للإرهاب في سوريا يأتي استمراراً لدعمها للإرهاب في فلسطين، واستخدامها حقّ النقض الفيتو عشرات المرات كي تجهض الحقوق الفلسطينية. لا بدّ اليوم من وقفة متأنية وتعريف الإرهاب وداعميه تعريفاً علمياً سليماً يستند إلى الوقائع والأحداث ولا شكّ أن الاحتلال والعدوان هما أبشع أشكال الإرهاب، فكيف إذا اقترنا بكافة أنواع الدعم لأدوات إرهابية يتمّ استخدامها وتحريكها والتهديد بها حتى من قِبل من يدّعي قيادة تحالف لمحاربتها!!!
المصدر: الميادين نت