من أهم خصوصيات التعاطي الساسي في النظم الديمقراطية أنه لا يستقيم بغير التحاور والتشاور بين الفرقاء السياسيين؛ ولا يوجد اي بديل عن هذا النهج خارج الطرق والوسائل المتعارف على وصفهابأنها "غير دستورية" من قبيل الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح أو اللجوء إلى الغنف وبث الفوضى..
وقد جاءت الخرجة الإعلامية لمنتدى المعارضة الموريتانية، أمس، حاملة في بعض جوانبها، إيحاءات تنذر بأن هذه الكتلة التي تضم غالبية القوى السياسية المعارضة في موريتانيا باتت تميل إلى ذاك السبيل "غير الدستوري" و "اللا ديمقراطي"،من خلال حديث قادة المنتدى عن "خطة إحتياطية بديلة" هددوا باللجوء إليها في حال ما إذا استمرت جلسات الحوار الجاري حاليا بين السلطة وموالاتها السياسية وقوى سياسية أخرى تصنف ضمن دائرة المعارضة "المعتدلة"...!
لا مراء في أن الحوار يبقى الخيار الديمقراطي الأوحد للتعاطي السياسي مع مختلف الأوضاع التي يمكن أن يمر بها أي بلد، وإن تعذر لسبب من الأسباب؛ كتعنت أحد طرفيه مثلا في رفض التعامل مع الطرف الآخر بانفتاح وتقبل لبعض ما يقدمه من آراء ومقترحات؛ يظل الأمر محل اخذ ورد إلى ان يتم فرز النقاط التوافية وتقريب هذا الطرح وذاك سبيلا للخروج بتوافق جدي يعزز النظام الديمقراطي ويضمن استمراريته عبر إرساء الآليات الصحيحة والمستدامة للتاوب السلمي على السلطة بكل شفافية ونزاهة ومصداقية.
بيد أن حديث قادة منتدى الديمقراطية والوحدة عن "خطة بديلة"، بعدما امتنعوا عن تلية كل دعوات السلطة لهم من أجل المشاركة في حوار وطني شامل وجامع، وإصرارها على تأجيله باستمرار، من أجل ضمان تلك المشاركة؛ يصعب إدراجه ضمن النهج الديمقراطي السليم؛ خاصة وأن هذه الخرجة الإعلامية لم تكن موفقة؛ من وجهة نظري الشخصية المتواضعة؛ لسببين رئيسيين؛ أولهما تأخراها من حيث التوقيت، إذ كان وقتها الطبيعي أن تتزامن مع يوم انطلاق "مهزلة الحوار"؛ حسب وصف قادة المنتدى؛ مع التحرك ميدانيا من حلال حشد جماهيري في اعتصام سلمي يتقدمه زعماء المنتدى أمام قصر المؤتمرات تنديدا ورفضا لتلك "المهزلة"..
أما السبب الثاني فهو كون هذه الخرجة الإعلامية صدرت بعد مضي أيام من تواجد بعض أبرز قادة المعارضة (غير المحاورة) في دول يكفي ذكرها لإثارة الريبة وعلامات الاستفهام (الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، قطر، بريطانيا)؛ الآمر الذي أجد صعوبة بالغة في إذراجه ضمن دائرة "محض الصدفة"، كما هو الحال تماما بالنسبة لتطابقها التام مع حديث مرشح الرئاسيات الغابونية الخاسر في الانتخابات الأخيرة، جان بينغ عن "خطة إحتياطية بديلة" أشعل بها ذلك البلد المشهود له بالهدوء واستتباب السلم والاستقرار طيلة ما يزيد على نصف قرن من الزمن...!
حفظ الله موريتانيا وشعبها
السالك ولد عبد الله