«لا يوجد في الشرق الأوسط عرب يتمتعون بالمياه والكهرباء على مدار 24 ساعة في اليوم و365 يوما في السنة في كل الظروف مثلما يتمتع بها العرب في إسرائيل!» هذا ما كتبه الصحافي بن كسبيت في معاريف ونشر في «القدس العربي» الغراء يوم الثلاثاء الأول من أمس في زاوية «صحافة عبرية»!
بن كسبيت يعرف الحقائق، ولكنه يضلل قراءه، عشرات آلاف البيوت العربية موصولة بالكهرباء بصورة غير قانونية، لأن وصلة الكهرباء تحتاج إلى ترخيص البناء نفسه، وبما أن عشرات آلاف البيوت غير مرخصة، فهي لا تحصل على الكهرباء مباشرة ولا على الماء ولا على شبكة المجاري ولا على أي خدمات بلدية أخرى، ولكن الناس يمدّون وصلات الكهرباء من بعضهم بعضا، وهكذا فالوصلة المعدّة لبيت واحد قد تُستغل لخمسة بيوت ومقهى مثلا، وعادة ما تنقطع وتحترق أسلاك وأمّانات وتشكل خطرا، إضافة للغرامات.
أدعو بن كسبيت بعد الشتوة الأولى لزيارة الحي الشرقي في مجد الكروم، أن لا ينسى إحضار قارب مطاطي معه احتياطا، ولا تخلو بلدة عربية من حي كهذا، يطلقون عليه عادة اسم «الحي المنسي»، لأنه محروم من الخدمات الأساسية كونه خارج مسطح البناء الرسمي، وهذا يعيدنا إلى السياسة الممنهجة المعروفة حتى لدى دول الاتحاد الأوروبي بعدم توسيع مسطحات البناء عند العرب بشكل مقصود.
أما في النقب فيعيش أكثر من مئة ألف مواطن عربي بدون أي خدمات، إلا أن أهل النقب استغلوا الطاقة الشمسية بشكل عصري إلى جانب بيوت الزنك، كذلك فهم يشترون المياه بالصهاريج، ويجمعون مياه الأمطار للزراعة والماشية، ولهذا قد تصل تكلفة كوب مياه الشرب في النقب عشرة أضعاف ثمنها في أرقى بارات تل أبيب. هناك عشرات القرى العربية غير المعترف بها، محرومة من الخدمات التي تفاخر بها بن كسبيت. وبدلا من الاعتراف بالقرى تسعى الدولة لاجتثاث الناس منها كما لو كانوا قطعان ماشية وترحيلهم وحصرهم في تجمع سكاني واحد أو اثنين، ومصادرة مئات آلاف الدونمات من أراضيهم، وهذا يسمونه في النقب مخطط (برافر) الذي تصدت له الجماهير العربية، ولو كان هؤلاء العرب في دولة تحترم جهود البشر، لمنحتهم أوسمة شرف، لأنهم خضّروا الصحراء بالحّب والزيتون والأعناب. يعرف بن كسبيت أن العرب في إسرائيل مستبعدون من العمل في الشركات الكبرى مثل شركة الكهرباء والهاتف والقطارات والصناعات الدقيقة والموانئ والمطارات ومصافي البترول، إضافة لمصانع السلاح التي تعتبر المشغّل الأكبر في إسرائيل، وآلاف المصانع وورشات العمل الأخرى، بل يوجد موقع إلكتروني يدعو لعدم تشغيل العرب، وفي عضوية هذا النادي الآلاف من أصحاب المصالح اليهودية.
لا أعرف دولة عربية رغم كل العفن الموجود فيها صادرت أرضا أو بيتا أو حتى قرية لمسيحيين أو علويين أو لغيرهم من الطوائف، ولكن الحركة الصهيونية ممثلة بدولة إسرائيل صادرت حتى الآن ملايين الدونمات من الأراضي العربية، بل صادرت قرى ببيوتها وطرقاتها، وليس فقط لمن هُجّروا عام النكبة، بل أيضا لمواطنين يحملون الهوية الإسرائيلية، ممكن أن تبحث في (غوغل) عن «قوانين مصادرة أراضي العرب في إسرائيل» وسوف تحصل على مواد أكثر من المواد عن مايكل جاكسون ومادونا وفيفي عبده وعلي الديك. وبمناسبة المسيحيين «الكاملي الحقوق» في إسرائيل كما تقول، هناك قريتان مسيحيتان في الجليل جميلتان ولكنهما هجّرتا بعد احتلالهما بأشهر، أي طازة بعد النكبة، هما كفر برعم وإقرث، بيد أهليهما قرار من محكمة العدل العليا في إسرائيل بإعادة سكانهما المهجّرين إليهما، هذا القرار منذ منتصف سنة 1951، وردا على قرار «العليا» أمر بن غوريون بقصف إقرث بالطائرات وتسويتها بالأرض، قائلا هذا لقرار محكمة العدل العليا! ورغم نضال وصلوات مستمرة منذ أكثر من نصف قرن وتدخل باباوات الفاتيكان شخصيا في الصلوات، فقد رفضت جميع الحكومات تنفيذ قرار العليا بإعادة مهجّري القريتين. وقبل أيام قليلة فقط طاردت السلطات شبانا من أبناء (إقرث) كانوا يبيتون قرب كنيستهم ومقبرة آبائهم وأجدادهم.
أما بالنسبة لوعد بيبي بمنح العرب 15 مليار شيكل على مدار سنوات لسد الفجوات، فكما توقعنا سابقا انتظر بيبي أول مناسبة للتملص، وجاءت عملية يرجّح أنها جنائية قام بها شاب عربي في تل أبيب، لتكون ذريعة لنتنياهو وليقول «راحت عليكم المليارات».
يكتب بن كسبيت وكأن شعبنا «نؤوم الضحى» ينتظر من السلطة الفطور وهو على فراشه! علما أن كل الشوارع التي شقّت والبنايات التي رفعت بما في ذلك بيت بن كسبيت، بنيت على أكتاف وبعرق وسواعد العرب، وليس صدفة أن أكثر قتلى حوادث العمل هم من العرب، حتى قبر (بيريز) حفره وبناه عرب، ومعروفة نكتة الراب الذي حلل الجنس في السبت فقال «لو كان الجنس عملا لمنحناه للعرب»! وقد تبين في دراسة أجراها مركز «إنجاز» في الناصرة أن العرب يدفعون ضرائب دخل وتأمين وأملاك ومجارِ وصحة وقيمة مضافة وغيرها 36 مليار شيكل سنويا، منها 28 مليارا مباشرة و8 مليارات بصورة غير مباشرة، وهذا يعني أن الدولة لا تعيد لنا سوى فتات مما ندفع. قلت يا بن كسبيت بعقلية فوقية «يجب الاعتراف بأن حضور أبو مازن جنازة بيريز عمل شجاع»! ولكنك لم تكمل شهادتك! كان عليك أن تصف تصرف رئيس حكومتك الذي تجاهل وجود أبو مازن، باللؤم والوضاعة والنذالة والحقارة!
مقالك ينضح عنصرية ونظرة فوقية للعرب، نظرة السيد للعبد، تريدون منا ولاء للصهيونية، وتبنّي روايتها بشهادة زور، أن نتنكر لذواتنا ولما حلّ بنا وبشعبنا على أيديكم، مقابل حقوق منقوصة، وشخصية ولغة مشوهة، 98% من لافتات الطرق بالعربية مكتوبة بصورة خطأ بشكل مقصود! وهذا ما نرفضه وبحزم، أما عضوية الكنيست التي تمنن نواب المشتركة بها وبراتبها، فتلك قضية أخرى، والكنيست ليست سقف نضالنا الأعلى، بل وسيأتي يوم تكون فيه عضوية العرب في الكنيست مجرد ذكرى مثيرة للجدل أو للعجب أو حتى للغضب.
كاتب فلسطيني