رى أنّ ثباتَ هذا النوع من الرموز الوطنية واستقرارَه على حالته الأصلية، يُعَدُّ ظاهرةً صحيةً.
وبناءً على هذا التصور، فإنّ اقتراح تغيير العلم والنشيد الموريتانيين ضمن الموضوعات المطروحة للنقاش حاليا في "الحوار الوطني الشامل"، اقتراح غيرُ موفَّق وغيرُ مقنِعٍ-من وجهة نظري المتواضعة- لأنه يدخل في مجال ما يُعرَف بالتغيير من أجل التغيير (بدون فائدة)، فهو بذلك عَبَثٌ، وتصرُّفات العُقلاءِ مُنزَّهَة عن العَبَثِ.
لِهذا التغيير أيضًا تَبِعاتٌ مادّيّة لا يُستهانُ بها، على المستوَيَيْنِ: الوطنيِّ والدوليِّ.
إذا كان أصحاب الاقتراح لا يقيمون وزنًا لتكاليف إعداد النشيد والعلم الجديدين وتلحين النشيد، فليرحموا البلدان والمؤسسات الخارجية التي تربطنا بها علاقات رسمية من هذه الأعباء التي لا مُسوِّغ لها.
أرجو من المشاركين في "الحوار الوطنيّ الشامل" أن يُركِّزوا على القضايا الجوهريّة المتعلقة بهُوِية البلد (ويترتب على ذلك اعتماد العربية لغة رسمية في التعليم والإدارة وسائر المرافق الحيوية للدولة)، وتنميته (في جميع المجالات)، وترسيخ الديمقراطية (بما في ذلك التناوب السلميّ على السلطة)، وبناء دولة المواطَنة التي يعيش مُواطِنوها جميعًا في نظام وانتظام ووئام وانسجام...دولة مؤسسات تضمن فصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، واستقلالية القضاء وعدالته، وتكافؤ الفرص أمام المواطنين، والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون...
وبذلك نقضي على كل أنواع الظلم "الدولة تقوم على الكفر ولا تقوم على الظلم".
وليَعْمَلْ الإخوة والأخوات-المشاركين في هذا اللقاء الوطنيّ-على تمكين المؤسسات المختصة من خلق توازُن بين حرية تعبير المواطن وبين تطواله على مؤسسات الدولة والمس من هَيْبَتها.
أقول هذا الكلام لأنّ فلتات اللسان لدى بعض المواطنين (الحاكمين والمحكومين)، تجاوزت في السنوات الأخيرة كل الحدود المسموح بها في مجتمعنا المسلِم المسالِم. لم تعُدْ للدولة هَيْبَتها المرعية، ولم يَعُدْ لعادات المجتمع وتقاليده الاعتبار اللازم ...لا بد من وضع حد لهذا الانفلات اللسانيّ. ولا يكون ذلك إلّا بالقانون، وبالقانون وحده.
إنّ ضعف الدولة ليس في مصلحة أحد. كما أنّ كبت الحريات ليس في مصلحة أحد، وليس هذا وقته ولا زمانه.
يجب الحرص على حد مقبول من الاحترام المتبادَل بين الدولة والمواطن. هناك خطوط حُمْرٌ لا يجوز تجاوزها.
لا يجوز للمواطن-تحت مظلة حرية التعبير-أن يتطاول-بغير حق- على مؤسسات الدولة أوعلى ثوابت الأمة المتعلقة بعقيدتها أو دينها أو بوحدتها الوطنية وتماسكها الاجتماعيّ. كما لا يجوز للدولة أن تحدّ-بغير حق- من حرية المواطن، مادام لم يتجاوز ما تتيحه له هذه الحرية.
ويبقى القضاءُ المستقلُّ العادِلُ الفَيْصَلَ في كل ذلك، وهنا تكمن أهمية دولة القانون.
أرجو أن تتكلل أعمال الحوار بالنجاح التامّ.
والله وليُّ التوفيق.