معذرة أيها الشيخ، فهدفك مغاير لأهدافنا، وذوقك مباين لأذواقنا، و أوامرك لا تصلح لأمرنا.
إذ لم تكن كلماتك يوما معبرة عن واقع دولتنا، ولا ممتثلة بساحاتنا، فقد استمرت في التغريب على مدار الخمسين سنة الماضية، و إن تفاوتت المراحل صعدا
، حتى بلغت الغاية، وصارت تمجها الذائقة الجمعية، وفي الآذان عنها وقر، ومن بيننا و بينها ألف حجاب، فمن الطبيعي بعد أن حجبت غيوم الهوى شمس الدعوة عن قطرنا، أن يتعالى نعيق بوم التملق والإلحاد، ويجد فيه ضباح ثعالب الضلال سندا يتقوى به لينعق بالمطالبة بتحقيق نزواته، التي لم يكن يجرؤ حتى الأمس على الإعراب عنها، لأنه لم يجد سببا لبقائه يانعا في البلاد.
بالإضافة إلى المستوى المرموق الذي وصلت له المناهج النصية عندنا، فلم يعد للاعتناء بالشكل من مسوغ، تلك المناهج المستوردة من أفق حرية العري و الفجور، فلئن كان الذوق الجمعي لدينا منصبّاً على الشكل خلال العقود الماضية، مما كان سببا في الترنم بكلمات الشيخ المشحونة موسيقيا، فإن تغير الذائقة لدينا – بفضل هذه المناهج- من الاهتمام بالشكل إلى الاهتمام بالمضمون، جعل من الضروري مراجعة القطعة، لبلورة موقف منها يتناسب مع الواقع وإملاءاته، ويعبر عما يختلج فيه من حيثيات، ويكتنفه من ظروف، ولأن تلك الشحنة الموسيقية توازيها أخرى دلالية، لا تقل عنها أهمية، وبما أن للمرحلة ملابساتها، كان من الضروري أن تأخذ المواقف من كلمات الشيخ منحى سلبيا.
فحيث كان لاهتمام بالشكل مقابل الاعتناء بالمضمون هو دافع التشبث بالكلمات، فإنه من البديهي أن يسوق الاعتناء بالمضمون إلى لفظها، واستبدالها بأي شيء مهما كان، واعتبارها غريبة لا تعبر عن الدولة أو واقعها، فمنذ أن أُلقي على القارب حبله، وتولى ملاحة سفيننا العسكر، ونحن نسير نحو المجهول، مازلنا نبحر كما كان آباؤنا يبرحون في موام التيه، حيث السماء مزملة ببجاد من الغيوم و لا علامات.
فكيف يا شيخ تدعونا لنصرة الإله، وتلك تقتضي تحكيم شرعه ، ونحن أعضاء في الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان؟ مما يتطلب منا الوفاء بالاتفاقيات و المعاهدات....
أم كيف تطلب منا إنكار ما صار عرفا لدينا، ومنكِره غريب بيننا، شيخنا لا تطلب منا دورانا على أو إلى حق، فنحن قد تعودنا التملق والنفاق، و التزلف و الشقاق، فهيهات أن تدرك ما أحدث بعدك! ولماذا تضمين القرآن، ولو اطلع علينا الرسول لقال: ((يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)).
نعم لقد تبدل كل شيء بعدك، وصرنا إلى ذل بعد عزة، وغواية بعد هداية، وسفاهة بعد حلم، لم يعد من مبادئ ولا أهداف.
فلماذا التشبث بالكلمات بعد إغفال معانيها، وعدم الامتثال لأوامرها؟