إذا كنا، وكما الدول العريقة في الديمقراطية، نؤمن بأن الفوز والفشل متلازمان، وهذا لا يعني انتقاصا من كفاءة أو مهنية أو إرادة خيّرة (bonne volonté)، على حد تعبير إيمانويل كانط، ولو كانت هذه الديمقراطية، وكما قال أحدهم، تعني ضرب الشعب من طرف الشعب لصالح الشعب، ولو أن التاريخ يشهد أن بعض الشخصيات التاريخية ربحت حروبا عالمية طاحنة وخسرت انتخابات، مثلا جورج بينجامان كليمانصو (Clemenceau)، رجل الدولة الفرنسي الملقب بالنمر وأبي النصر ومسقط الوزارات، الذي كان أبرز المساهمين في معاهدة فرساي ومنفذ عملية الفصل بين الكنيسة والدولة، إلا أننا نرى أنه ربح الحرب العالمية الأولى وخسر انتخابات 1919 نظرا لاعتباره متساهلا مع الألمان.
كما أن عظماء آخرين، أمثال Winston Churchill، رجل الدولة البريطانية على المدى البعيد والزعيم المباشر للحرب ضد النازيين، وCharles De Gaule، الأب الروحي للجمهورية الفرنسية الخامسة، اللذين لمع نجمهما في الحرب العالمية الثانية وخسرا الانتخابات سنة 1946، وغيرهم من العمالقة الذين لم يستسلموا لمرارة الفشل ولم ينتشوا بلذة الانتصار، على اعتبار أن عدم الفوز في استحقاقات معينة لا يؤثر ولا ينتقص من قيمة من أدى واجبه باستمات وتفان إذا كان الهاجس طبعا هو حب الوطن وحمل شعلة لا تنطفئ ولن تنطفئ إذا توفرت الإرادة القوية والقناعات اللازمة وحمل شعار الوطن أولا، دائماً وأبدا، بدل اللهث والجري وراء المقاعد والكراسي والصمود عليها والتصدي لكل من حاول زحزحة من حصل عليها ولو كلف ذلك استعمال الوسائل الدنيئة، سواء تعلق الأمر باستعمال واستغلال القواسم المشتركة وثوابت الأمة، أو الانتصار للمناورات التدليسية وتوجيه التهم المجانية وتبخيس العملية الانتخابية برمتها.
وإذا كان من الثابت أنه رغم الانتقادات الموجهة إلى العمليات الانتخابية بسبب ما قد يشوبها من اختلالات، فإنه لا بد أن نسجل أيضا أن المساهم في الخروقات أحيانا هو المواطن نفسه الذي قد يبيع صوته رخيصا في سوق النخاسة بسبب الجهل والفقر، وإما بسبب معيقات سوسيو ثقافية، كإقصاء المرأة من الدوائر المحلية رغم كفاءتها وامتدادها الشعبي، أو رفض الأحزاب تزكية نخب مؤهلة تعتبر قيمة مضافة للمؤسسة التشريعية وترشح أشخاصا غير مؤهلين للقيام بالمهام النيابية، خصوصا الصياغة التشريعية والدبلوماسية البرلمانية، أو إقصاء الشباب بسبب عدم توفرهم على نفقات الحملات الانتخابية أو عدم احتمائهم بلوبي العائلة والقبيلة، أو بسبب العزوف والتبجح من طرف الرافض للتوجه إلى صناديق الاقتراع بأنه مقاطع وعدو لدود للانتخابات كيفما كانت لأنه لا يثق في الأحزاب والبرامج على اعتبار أن الحقيقة المرة، حسب العازف، هي أن كل مرشح لا يهدف سوى إلى حماية مصالحه والدفاع عن أطماعه الشخصية والاغتناء عن طريق ربط العلاقات والحصول على منافع مالية.
وفي هذا الخضم، بين من انتصر لشراء الضمائر واستمالة الناخبين، وبين من استهتر بصوته ولم يقدر عواقب منحه لمن لا يستحقه، وبين ظلم وقهر الأحزاب لنخبها، وبين من صوت عقابيا أو عزف عن التصويت، وفي انتظار عرض الطعون على المحكمة الدستورية للنظر في صحتها، نستنتج أن الولاء للوطن، والإيمان الراسخ بعدم تعريضه بسبب التهافت والاستهتار لانعدام الاستقرار، هو القاسم المشترك بين المنتصر والمنهزم، وأن التجربة الديمقراطية والهيكلة الدستورية والانكباب على القضايا الكبرى للبلاد هي هاجس المواطن وانتظاراته.
وبالتالي، فإن الرهان هو تخطي مرارة الهزيمة وعدم الشعور بالزهو والتباهي بنشوة الانتصار ونبذ أساليب القصف الكلامي والعنف اللفظي والتنابز بالألقاب واستعراض العضلات وتصفية الحسابات والمشهد الفرجوي، وعوض ذلك الارتقاء بالخطاب السياسي، واحترام أدبيات الحوار والاستفادة من ثغرات الولاية التأسيسية 2011-2016 لمصالحة البرلمان مع المواطن، لأن البرلمان القوي ينتج الديمقراطية القوية، ولأن الديمقراطية المواطنة، أو التشاركية، ستطغى على الديمقراطية التمثيلية في حالة استمرار مصادرة البرلمانيين حقهم في التشريع، علما بأن مئات مقترحات القوانين بقيت في رفوف اللجان خلال الولاية المنتهية عكس مشاريع القوانين التي حظيت بالدرس والمناقشة والمصادقة، وأن دور المعارضة وتنازلها عن قوتها الاقتراحية وتقديم الحلول البديلة كان ملفتا للأنظار، كما أن سوء الصياغة التشريعية وعدم تجويد النصوص، أو عدم ملاءمتها لاحتياجات المواطن، هي حالات تم تشخيصها وبات من اللازم تجاوزها، لأن العبرة بالكيف وليس بالكم فقط، وفقا لانتظارات مختلف طبقات الشعب المغربي.
سليمة فراجي * محامية - نائبة برلمانية سابقة