ا أعتقد أن للحوار معنى سوى التقاء أصحاب الرأي والأفكار المختلفة لبحث خلافاتهم وضبطها وتسييرها بطريقة تجلب المنافع وتُبعد المضار؛ وتُبقي على مساحة للتواصل بين أبناء الوطن الواحد الذي يسع الجميع. وأما غير ذلك من حوار يُقصي الآخر ويُبعده فهو موتور ومبتور. وما نراه اليوم من مسرحية هزيلة إنما يُوحي بأن أصحاب الحُكم صاروا يتصرّفون وكأن الآخرين ليسوا موجودين!
إنما يجري اليوم من حوار وطني – كما يدعون - يقوم على مبدأ تنحية "الأفضل" أو ما يسمى بالكشكول الكبير المعروف بالمنتدى الوطني للديمقراطية وحزب التكتل الأكثر شعبية ورسوخا على المستوى الوطني، وجلب "الأسوأ" أو المدجن وما يمثله هذا التيار من أحزاب الأغلبية وتوابعها والمعاهدة والمواطنة؛ سمها ما شئت من الأسماء والصفات.. وكأنهم هم وحدهم المكون السياسي والاجتماعي الأوحد في البلد، إذا كان الأمر كذلك؛ فلما ذا يتحاورون!؟
خجلت من انتمائي لهذا البلد عندما رأيت أسوء أُناس فيه يتصدرون المشهد العام، وكأننا منحناهم حق الحوار والتحدث نيابة عنا... حق حُكمنا... وحق امتصاص دمائنا!! لا إنكم لا تمثلوننا؛ بل اغتصبتم إرادتنا. فمتى أوكلناكم أمورنا!؟
بعض هؤلاء ممن يتصدرون الفضائيات في هذا البلد لا يملكون الشهادة والخبرة والتجربة ولا القدرة والشجاعة في تسيير أنفسهم وأُسرهم، بل إن بعضهم لا يملك إحساسا بالشأن العام، وبالمحصلة لا يترك أثرا ذي بال... لماذا هذه الاستقالة من القيام بالحد الأدنى من الواجب؟ هل هو العجز؟ ربما هو كذلك!!
أعجب لبعض فقراء الضمائر في بلادنا الذين مازالوا يصطفون خلف تلك الشعارات الكاذبة التي يرفعها مثل هؤلاء، برغم كل المآسي والخراب الماثل بين أيدينا.
وفي واقع الأمر أن أغلبهم سماسرة ومرتزقة ومتسولة وجامعي أموال من هنا وهناك وما الشعارات التي يرفعونها ويتمسحون بها إلا وسيلة للتكسب لا غير، حتى أنك تشعر بالقرف وأنت تسمع لبعضهم يدعو إلى الزيادة في عدد المأموريات الرئاسية، بل إن بعضهم دعا إلى وجوب إقامة ملكية في البلاد! عندما تستحضر أمام عينيك خارطة مواقفه ومخازيه الأخيرة؛ إنه ببساطة يقول لك بلسان حاله مهما كان لسان مقاله إن كنت مازلت مغفلا وأحمقا فاسمعني واجعلني قدوة لك، والكثير من هؤلاء للأسف الشديد ينطبق عليه قول الشاعر:
من تحلّى بغير ما هو فيه ......فضحته شواهد الامتحان.
إلى هؤلاء أقول: لا يغرنكم امتلاء قاعات قصر المؤتمرات بالمتهافتين الجدد؛ طالما كان أصحاب الوعي والتفكير الحر وقادة الرأي الآخر غائبون ومقصيون من المشهد..
إلى أصحاب الضمائر الحية والقلوب الرحيمة والسليمة أناديكم قبل فوات الأوان؛ أريد أن أخاطب عقلكم اليوم أكثر من عاطفتكم. لذلك، أتمنّى أن كل واحد منكم يقرأ ما بين هذه السطور ويشارك ويُدلي برأيه؛ لأنّ الموضوع الأكثر إلحاحا اليوم هو موضوع قناعات يجب أن تمرّ ولا تضيع بالتقادم، فهم يعملون ليلا نهارا لمحو الذاكرة حتى لا يفيق الشعب ويكشف أعمالهم الدنيئة!!.
أخيرا أُذكر بقول أبي العلاء المعرّي:
لقد أسمَعتَ لو ناديت حيّاً ولكن لا حياة لمن تنادي.
د. محمد الأمين ولد أن