مالَ الحريري كل المَيلْ أخيراً إلى مرشح حزب الله ميشيل عون معلناً إياه رئيساً توافقياً هو الأنسب للمرحلة , ومضى في إقراره بأن إقدامه على هذه الخطوة قد يجلب له مخاطر سياسية كُبرى وأنه على أهُبّة الاستعداد بأن يفدي لبنان وشعبه بنفسه ومستقبله السياسي ألف مرة , وبدا الحريري متجمد الوجه تبدو على ملامحه شيء من الصرامة يكسوه شيء من مرارة الخُذلان.
تجدر الإفادة بأن عرش الحريري الذي كان يتسع من الرياض إلى بيروت تعرض للاهتزاز يوم أن تحدث الحريري في عام 2011 أمام أحد محققي اللجنة الدولية في قضية اغتيال والده واصفاً مساعد وزير الداخلية محمد بن نايف بأنه سفاح، دون أن يدرك الحريري أن آذان الأمير في لبنان تسترق السمع وتتنصت على هواتف الكبار في لبنان، كما هو الحال مع هواتف قصور الأمراء في الرياض , فأذاعت قناة الجديد اللبنانية تسجيلاً لإفادته وما إن بلغ حديثه إلى صاحب الشأن إلا ورمى الأمير بعقاله عن رأسه وهي عادة بدوية تعبيراً عن الوعد بالثأر قائلاً (الله لا يخليني إذا بخليه).
بدأت الحرب على وريث العرش الحريري يوم سُحب البساط من تحت قدمي رفيقه الأمير عبد العزيز بن فهد في الديوان الملكي الذي كان عظيم التأثير في الأوساط اللبنانية كما السعودية فهو الذي نصب سعد الحريري في عام 2005 وريثاً لزعامة والده سياسياً بدلاً من بهاء الحريري متخطياً بذلك الأعراف في هذا الشأن بأن يتولى الابن الأكبر خلافة والده.
سعى الأمير الغاضب إلى إغلاق الأبواب السعودية في (وش السعد) على حد الأوصاف الدارجة التي كان من بينها قول الأمير محمد بن نايف عن سعد الحريري (هذا مجرد صبي عندنا وسيدفع ثمن وقاحته غالياً) , وأصدر مكتب الحريري بياناً اعتذارياً عن التصريح الذي جاء في ظروف نفسية عصيبة كان يمر بها سعد الحريري وأنه يتوجّه بالاعتذار لكل الشخصيات التي يعتز بها وبصداقتها وبعلاقته المتينة معها وطاولها حديثه بعثرة لسان , إلا أن هذا البيان لم يجد نفعاً للمُعتذر وكان قراراً بتحجيمه أو تحطيمه قد أتُخذ من ذلك الحين.
وساطة ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة وقت ذاك لم تُثمر عن رضىً أو مسامحة من مساعد وزير الداخلية محمد بن نايف , بل أن الأول سيزاح قريباً من ولاية العهد لصالح محمد بن نايف الذي تبوءَ المنصب علاوة على تسلُّمه لوزارة الداخلية ليشغل موضع القوة والسُلطان ويُمعن في الثأر من غريمه حيث جرة اتخاذ قرار بعزل شركة (سعودي اوجيه) التي يملكها الحريري من العمل والتضييق عليها مالياً لدفعها نحو الإفلاس ثم إحالة ملف شركة إلى إمارة منطقة الرياض وفرض العقوبات عليها بقرار من وزارة العمل السعودية لعدم دفعها لرواتب منتسبيها وموظفيها وقد يؤخذ قرار في المستقبل القريب بأن تضع مؤسسة النقد السعودية يدها على شركة الحريري أو تخصيصها وطرح أسهمها أمام المواطنين أو لتحل محلها شركة (المباني) المملوكة للنائب اللبناني نعمة طعمة عقاباً للحريري كما يُقال على (تطاوله على أسياده) ,ثم أصدر الأمير بصفته وزيراً للداخلية قراراً بسحب الجنسية السعودية وجواز السفر السعوديين من السيد سعد الحريري إلا أن أطرافاً توسطت لديه لإرجاع جواز السفر لصاحبه فوافقت وزارة الداخلية على إرجاعه دون إعادة الجنسية إليه ثم جاء قرار سحب الهبة السنوية للجيش اللبناني الأمر الذي أثار الموجدة في نفس الحريري الذي أدرك ضرورة عودته إلى البيت اللبناني وأن يسلك درب التقارب مع الفرقاء اللبنانيين.
في شهر رمضان الماضي أقامت السفارة السعودية في بيروت مأدبة إفطار دعت إليها فريق 14 آذار اللبناني وتيار المستقبل وحضر الجميع وتغيب سعد الحريري عن الحضور , ولا تزال الأموال السعودية تُدفع لحلفاء الحريري البارزين في ظل الأزمة المالية في تيار المستقبل و انقطاع صرف الرواتب , وثمة مسعى للسنيورة وأشرف ريفي، وربما نهاد المشنوق أيضاً لتنفيذ انقلاب مضاد لانقلاب الحريري على الوصاية السعودية على التيار, وليس بمجهول أن أشرف ريفي قد زار المملكة في إبريل 2016 بدعوة تلقاها من الأمير محمد بن نايف لحضور المؤتمر الذي تنظمه جامعة الأمير نايف بن عبد العزيز للعلوم الأمنية.
ليس من يسير الشأن إقصاء وريث رفيق الحريري من التيار والفريق , فوالده الذي قد صنع أسطورته بمشروع الإعمار بعد الحرب وبمرونته مع كل الأطراف وبالكاريزما التي كان مصبوغاً بها , فمن المشقة بمكان إقصاء من كانت شعبيته الحالية في لبنان امتدادا لذلك التأريخ.