أسدل الستار مساء 20 من شهر أكتوبر الجاري على مجريات الحوار الوطني الشامل في موريتانيا ،والذي شاركت فيه معظم أحزاب الموالاة و بعض أحزاب المعارضة،في حين قاطعه المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة،و حزب تكتل القوى الديمقراطية،بالإضافة إلي مقاطعة اللحظة الأخيرة من طرف حزب التحالف الشعبي التقدمي المعارض بعد أن شارك في افتتاحه وبعض جلساته.
في 20 أكتوبر الجاري أسدل الستار إذا على هذا الحوار الوطني الشامل بخطاب تاريخي ألقاه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز قال فيه إن" ما ورد في الاتفاق السياسي المتوج لهذا الحوار سيعرض في استفتاء عام على الشعب الموريتاني للنظر فيه بعيدا عن المصالح الشخصية والمزايدات السياسية.."،مضيفا"أن هذا الحوار كان ناجحا بكل المقاييس وأنه ثمرة لثلاثة أسابيع من النقاش والتبادل الحر لترسيخ الديمقراطية وتعزيز اللحمة الوطنية وضمان مستقبل أفضل لكل الموريتانيين...".
وأكد الرئيس في خطابه التاريخي أن "مخرجات هذا الحوار واضحة لا غبار عليها ولا لبس فيها،وسيتم تطبيقها لكونها لا تصب في مصلحة شخصية وإنما تروم مصلحة الشعب الموريتاني برمته ومصلحة أجياله القادمة.".
وقال رئيس الجمهورية "إن الهدف الأساسي لهذا الحوار هو ترسيخ الديمقراطية وتقوية الوحدة الوطنية، ولا يفوتني هنا إلا أن أعود قليلا إلى الخطاب الافتتاحي لهذا الحوار قبل ثلاثة أسابيع حين قلت لكم وقتها إن الهدف الأساسي من الحوار هو حماية مصالح الشعب الموريتاني والدولة الموريتانية، إذ لا مجال لطرح أمور شخصية لا تمت بصلة إلى الشأن العام، ولا مجال لطرح أمر يخص شخصا بعينه، وأعود اليوم للتأكيد عليه، فهناك من دأبوا على محاولة التشكيك وإثارة الفتن والمشاكل لهذا البلد الغالي، حاولوا ذلك من خلال ركوب موجة الثورات التي كانت نتيجتها هدامة للأسف على بعض البلدان التي اجتاحتها ، ويحاولون اليوم الترويج لأكاذيب وادعاءات لا أساس لها ولم يسبق لأحد أن تبناها، ولا وجود لها إلا في خيال أولئك، لا لشيء إلا لخلق مشاكل للبلد وربط مصيره بدول غير مستقرة لا أريد تسميتها...".
وأضاف"أن الهدف الأساسي لهذا الحوار هو ترسيخ الديمقراطية لمصلحة من شارك فيه ومن غاب عنه تماما ومن علق مشاركته فيه في آخر المطاف، فتقوية الوحدة الوطنية مهمة لتماسك الشعب الموريتاني الذي عانى في الماضي من مشاكل جمة استهدفت كيانه ووحدته، ويوجد بعض المسؤولين عن تلك المشاكل للأسف الشديد ضمن مقاطعي هذا الحوار ومن تقاعسوا عنه لعدم أهمية الشعب الموريتاني ومصلحته العليا وتقدمه وازدهاره في اعتباراتهم الشخصية ...".
ويضيف الرئيس في خطابه "فعندما أدرك هؤلاء أن الباب مسدود أمام تحقيق مآربهم الشخصية انبروا للترويج للأكاذيب، وما جرى الحديث عنه بشأن المادة 26 من الدستور و المادة 28 المرتبطتين في الفحوى مرده، إلى مطالبة البعض بتغيير سن الترشح للرئاسة لمصلحة أكثر من ثلاثين ألف شخص فقط في موريتانيا حسب الإحصائيات البيومترية ،واعتراض البعض على تعديل هذه الحيثيات بدافع الحرص على تجديد الطبقة السياسية أمر وارد اذ لا ينبغي تعديل الدستور لمصلحة شخص أو فئة بعينها لوجود ثوابت في الدستور لا يمكن تجاوزها ترسيخا للديمقراطية كأساس للتقدم والتنمية..".
وقد كان رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز واضحا بخصوص تغيير الدستور، حيث أشهد الرئيس الحضور الذين ملئت بهم قاعة الخيمة المنصوبة لحفل ختام الحوار أشهدهم بأنه لم يشأ يوما تغيير الدستور، ولم يأمر أحدا بالتلويح بفعل ذلك لأنه ببساطة شديدة ليس بحاجة إلى ذلك ،لاعتبارات بات الجميع يدركها ،ولأنه لا يريد للطامعين في زعزعة أمن البلاد واستقرارها وجود موطئ قدم في إحداث ثقب في السفينة الماخرة في عرض بحر موجه متلاطم ، قائلا" إن تعديل المادة 28 من الدستور يصب في مصلحة شخص واحد هو رئيس الجمهورية، ورغم أن الكثير من المشاركين طالبوا بتعديلها لكنني أنا لم يسبق لي أن طالبت بذلك تعديلا أو تغييرا تحت أي ظرف كان، ولم يسبق لي كذلك أن تحدثت عن رغبتي في مأمورية ثالثة، وبالتالي - يضيف رئيس الجمهورية- فإن دستور الجمهورية لا ينبغي أن يكون موضوعا لتلاعب البعض من خلال التعديل لمصلحة شخص أو فئة وإنما يجب أن يتم ذلك على أساس المصلحة العامة ، سبيلا لترسيخ الديمقراطية وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه ونهدف له..".
وأكد ولد عبد العزيز أنه" لا يجد حرجا في المطالبة بتعديل الدستور لصالحه ولا يخاف من ذلك بدليل أنه قام في السابق بإلغاء الدستور لكنه اعتبر أن ذلك لا يخدم مصلحة الشعب الموريتاني، وأنا مقتنع بالمحافظة على الدستور خصوصا المواد المتعلقة بمصلحة أشخاص بعينهم، فهذه قناعته التامة وهذه القضية ينبغي أن تكون محسومة ومتجاوزة ولا يمكن استخدامها لزعزعة أمن البلد واستقراره ".
وأضاف" يجب أن نكون واضحين في هذا الشأن ليس خوفا ولا طمعا وإنما حرصا على المصلحة العليا للبلد التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا، وكل من تسول له نفسه زعزعة البلد بهذه الذريعة ستتصدى له الدولة وسيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لتوقيفه عند حده..".
وبخصوص المحاور التي تناولها الحوار الوطني الشامل قال رئيس الجمهورية إن الاتفاق السياسي نص على حل مجلس الشيوخ ، وهو أمر موضوعي قد لا يكون البعض موافقا عليه ولكن الشعب الموريتاني لا يمكن إن تفرض عليه مجموعة بعينها رأيها ولا حزب ولا رئيس، وسينظم استفتاء في هذا الشأن لا يستطيع أحد منعه ولا الوقوف في وجهه وسيكون الشعب الموريتاني هو الحكم في هذا الشأن باعتبار الدستور مرجعية للاستفتاء .".
وعاد رئيس الجمهورية إلي التذكير بخطابه في الثالث من شهر مايو المنصرم من مدينة النعمة،حيث أقترح إنشاء مجالس جهوية بديلا عن مجلس الشيوخ الحالي،وهو ما أكده المتحاورين في الحوار الذي أشرف على افتتاحه وختامه 20 من أكتوبر الجاري .
فهذه المجالس الجهوية ستكون يقول رئيس الجمهورية "منتخبة لتعزيز الديمقراطية وتوسيع فرص التنمية وتقريبها من المواطنين وتساوي الفرص بين الولايات في تدخلات الدولة ، والحد من الفوارق وسد النواقص في مجال التعليم والصحة والاقتصاد وتعزيز اللامركزية..".
وختم رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز خطابه بالقول إن الحوار الوطني الشامل نص " على تغيير رموز وشعارات الدولة وتحسين العلم الوطني الذي نعتز به لكن لا ضير في إدخال تعديلات عليه بعد استفتاء الشعب الموريتاني على ذلك وهو أمر بسيط ولم يسبق للشعب الموريتاني ان استفتي على العلم الحالي، ووضع تضحيات الشعب الموريتاني في الاعتبار خصوصا أن ذلك العلم تم اختياره على أساس اعتبارات لا تخلو من ارتجالية ولا يعرف أحد سبب اختيار ألوانه.".
وقد ضجت خيمة ختام الحوار بالتصفيق والهتافات بخطاب الرئيس التاريخي وبتأكيده تطبيق مخرجات الحوار التي استغرقت ميلادها القيصري أكثر من ثلثي الشهر .
وكانت ليلة 20 أكتوبر الجاري ليلة مشهودة بإمتياز كما كانت أحداثها مميزة كذلك ، خرج منها الجميع مسرورين مملوءة أفئدتهم بالأمل فيما ستحمله الأيام القادمة.
ويرى بعض المحليين أن خطاب 20 أكتوبر الذي ألقاه رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز كان القشة التي قصمت ظهر بعير المعارضة وعرى أسباب التمرد و العداء اللذين لا ينقطعان للنظام و رأسه وهي التي أعلنت منذ البداية بأن هذا الحوار عبارة عن التفاف جديد أو انقلاب على الدستور و أنه مناظرة (ماكيافيلية) للوصول إلى تمرير إمكانية قيام مأمورية ثالثة يتمثل الطريق إليها في وضع معالم لجمهورية جديدة على خلفيات مستجدة منها تعديل العلم و النشيد الوطني و إجراء استفتاء عليهما..
و في ختام هذا المقال لي أن أقول بإن الحوار الوطني الشامل ( أكتوبر 2016)- حضره من حضر وغاب عنه من غاب- قد نجح في رسم معالم لجمهورية جديدة،وأن خطاب الرئيس التاريخي هو القشة التي قصمت ظهر بعير المعارضة في موريتانيا.
بقلم: عبد الرزاق سيدي محمد