لم تعد هناك نوافذ أمام العربي ليرى مستقبلاً أفضل في ما يخص الصِراع العربي الصهيوني إلا نافذة المقاومة العربية المُسلّحة والمُتمثّلة بحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية في غزّة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي.
تصادف يوم الثلاثاء الموافق 2شرين ثاني/نوفمبر 2016 الذكرى المئوية لوعد بلفور الذي شَغل منصب وزير خارجية بريطانيا في حينه، والذي قضى بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. ومنذ ذلك الحين أيضاً ونحن العرب نُحمّل بريطانيا مسؤولية تشريد الشعب الفلسطيني وإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ونتعهّد في ذات الوقت بأن الحق سيعود إلى أصحابه مهما طال الزمن. على المستوى الفلسطيني، انتهت بنا الأمور إلى الاعتراف بالكيان الصهيوني بعد أن كنا نؤكّد نوايانا الصارِمة في العمل على إزالته، وأصبحنا نُنسّق أمنياً مع الصهاينة ونُسخّر الآلاف من أبنائنا للدفاع عن أمنهم على حساب الأمن الفلسطيني. وتحوّلت القيادات السياسية الفلسطينية إلى استرضاء الصهاينة واستجلاب عطفهم عساهم يعطون الشعب الفلسطيني جزءاً من حقوقهم الوطنية الثابتة.
لم تعد هناك نوافذ أمام العربي ليرى مستقبلاً أفضل في ما يخص الصِراع العربي الصهيوني إلا نافذة المقاومة العربية المُسلّحة والمُتمثّلة بحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية في غزّة وعلى رأسها حماس والجهاد الإسلامي. أوقفت المقاومة انتصارات الكيان الصهيوني، ونقلت الحرب إلى داخل التجمّعات السكانية اليهودية، وفرضت على شعب الكيان وجيشه طقوساً عسكرية وأمنية جديدة اختلفت جذرياً عن قواعد وأسُس النظرية الأمنية الصهيونية. لقد انتصر حزب الله عام 2006، وفشل الصهاينة في ثلاث حروب متتالية على غزّة أعوام 2008/2009، 2012 و 2014. ظهر الجندي العربي الجديد على يد المقاومة العربية التي أخذت تعمل مهنياً وبصورة احترافية وبناء على أسُس علمية وإعداد جيّد ووعي عميق. يُشكّل حزب الله الآن قوة رَدع يهابها الصهاينة، وتُشكّل المقاومة الفلسطينية في غزّة عنصر قلق كبير للصهاينة ويخشون تحوّلها إلى عنصر رَدع جديد يُحاصر إسرائيل من الجنوب. والمُلفت في كل المسألة أن هذه المقاومة التي صنعت للعرب بعض العزّة والكرامة، وأجبرت الصهاينة على إعادة التفكير في كل نهجهم العدواني الإرهابي تعاني حصاراً عربياً خانقاً إلى درجة أن بعض الأنظمة العربية باتت تصنّفها إرهابية.
وهناك نافذة أمل جديدة تكاد تُفتح على المستوى السياسي في بريطانيا نفسها. حيث يقوم الآن عدد من الروّاد الوطنيين الفلسطينيين في أوروبا وبالتحديد في اسكتلاندا منذ أشهرعدّة، على إعداد وثيقة وطنية فلسطينية تهدف إلى حد كبير إلى ملاحقة بريطانيا على جرائمها التي اقترفتها بحق فلسطين وشعبها عند إصدارها تصريح بلفور، وما تبع ذلك من ممارسات بريطانية مؤلمة وظالمة بحق الشعب الفلسطيني تبعاً لصكّ الانتداب الذي أصدرته عصبة الأمم التي لم تتورّع أيضاً عن السير برَكب بريطانيا وإلحاق الأذى المُرعب بحق الشعب الفلسطيني.
وثيقة روادنا الفلسطينيين تضع عدداً من المطالب منها: على بريطانيا التنصّل من تصريح بلفور الصادر عام 1917؛ وعليها أن تعوّض كافة أبناء شعبنا الأحياء منهم والأموات. طبعاً تعويض الأموات يتمّ بدفع التعويضات لورثتهم؛ وعليها أن تعمل بكل قواها على تطبيق حق العودة؛ والتوقّف عن تجريم حركة المقاطعة للكيان الصهيوني؛ وإدراج مادة تدريسية في المدارس حول جرائم بريطانيا بحق شعبنا؛ ومن ثم الاعتذار الرسمي والعلني لشعبنا.
يستثمر روادنا الوطنيون القوانين البريطانية لتحقيق مطالبهم، وقد ينجحون أو لا ينجحون، لكن الحملة سترفع من درجة وعي الأوروبيين بالقضية الفلسطينية، والطلق الذي لا يصيب "بدويش." ومن المُحتمل أن تتضمّن الوثيقة نوعاً من الإدانة للعرب والفلسطينيين الذين يعترفون بالكيان الصهيوني ويُطبّعون معه لأنهم يعطون شرعية لاتفاقية سايكس ــ بيكو وصكّ الانتداب وللصهاينة ولجرائم بريطانيا بحق شعبنا.
الروّاد سيعملون بالتعاون مع بريطانيين على جمع ملايين التواقيع من كافة أبناء شعبنا باستثناء المُعترفين بالكيان الصهيوني والذين هم مُطبّعون تلقائياً.
من المتوقّع أن يتم تشكيل لجان في مختلف أقاليم العالم للإشراف على جمع التواقيع، وفي فلسطين ستتم دعوة الناس الأبرياء من دم الشعب الفلسطيني للتوقيع. أما النفقات، في تقديري فستكون ذاتية، ولن تقبل تبرّعات مشروطة أو مشبوهة. الأفراد المؤمنون بما تتضمنّه الوثيقة سيمّولون المشروع من ميزانيّاتهم الخاصة. وتقديري أن اللجنة العليا للإشراف على المشروع في فلسطين ستكون من المُستقلّين وليس من الفصائل أو الأحزاب أو التنظيمات الفلسطينية.
يبدو لي أن هناك مَن يحاول تخطّي مشروع هؤلاء الشباب بالعمل على محاسبة بريطانيا قضائياً أمام المحاكم الدولية. هذا لا يُسبّب مرارة أو غضباً والروّاد بالتأكيد يُرحّبون بكل الجهود التي من شأنها مُحاصرة بريطانيا وتصحيح أعمالها الشائنة بحق شعب فلسطين. من ناحية أخرى، هناك من البريطانيين بخاصة في اسكتلاندا التي تُبدي دعماً قوياً للقضية الفلسطينية مَن يعملون على استغلال القوانين البريطانية إجراء نقاش في مجلس النواب حول تصريح بلفور وسياسات بريطانية التي سبّبت كل الآلام لشعب فلسطين. وهم يطمحون إلى جمع مائة ألف توقيع لإجبار المؤسّسات السياسية البريطانية على إثارة الأمر وفق القوانين البريطانية.
والأهم في هذه المناسبة هو ماذا بإمكاننا نحن العرب بخاصة أصحاب الفكر والثقافة والمعرفة والوعي أن نعمل من أجل استعادة الحقوق العربية الثابتة في فلسطين؟ تقع على عاتقنا مهمة إعادة إحياء القضية الفلسطينية ولمّ شمل العرب حولها. مطلوب منا مواجهة تنازلات الأنظمة وتنازلات القيادات الفلسطينية والعمل على توحيد الصفوف لكي تتطوّر لدينا قدرة على ردع الصهاينة وجلبهم إلى طاولة "حق العرب". لا يكفي أن نقف مُستائين من سياسات الأنظمة العربية، وعلينا أن نتحمّل مسؤولياتنا وننفذ إلى المجتمع لننشر فيه الوعي والحميّة والشجاعة في مواجهة كل السياسات التي من شأنها أن تُبقي على العرب مُستكينين خانعين مُتنازلين ومُعرّضين للانتكاسات والهزائم.