سنوات سبع كن الأخطر في تاريخ الجمهورية الإسلامية الموريتانية قدمت فيهن الحكومة الموريتانية حينها جهودا مضنية للخروج بالدولة من عنق الزجاجة الذي كاد أن يعصف بكينونتها ويودي بها في مهب النسيان…
تقلد الدكتور مولاي ولد محمد لغظف منصب الوزير الأول في أحرج ظرفية مر بها البلد منذ استقلاله، فقد كان الوضع الداخلي محتقنا لدرجة الغليان، وكانت المواقف الخارجية المناوئة للانقلاب العسكري تنهال كالسيل الجارف، وكان على الحكومة الوليدة أن تتشبث بأي قشة مقابل البقاء على قيد الحياة، في ظل صراع هي الحلقة الأضعف فيه..
ظرفية خطيرة ومحرجة للغاية دفعت بالنظام إلى القبول بالدخول في مفاوضات هي الأكثر تعقيدا في تاريخ البلد، مفاوضات انتهت بتشكيل حكومة ائتلافية تدير الشأن العام لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المزمعة حينها...
كان المطلوب من الدكتور مولاي ولد محمد لغظف أن يدير حكومة غير متجانسة سياسيا، يصعب التعامل معها بل ويستحيل في ظل التجاذبات والخلافات المتفاقمة بين المعارضة والموالاة...
وهنا أسجل للتاريخ أن مرونة الرجل وابتسامته الدبلوماسية التي لم تفارق محياه كان لهما الدور الأساسي في نجاح مهمته شبه المستحيلة، وأسجل للتاريخ أيضا أن حنكته الإدارية كان لها الفضل في تحويل البلد إلى خلية نحل لا تكف عن الحراك.
انتهت السبع السمان وسلم الدكتور الراية للمهندس، كان علينا أن نتوقع استمرارية المسيرة، وأن يبدأ المهندس من حيث انتهى الدكتور... إلا أن المفاجأة كانت صادمة جدا، فقد تحول الوزير الأول من منفذ لبرنامج التغيير البناء الذي تبناه رئيس الفقراء إلى ملك من ملوك التتار، يصب جام غضبه على من يخيل إليه أنهم غرماؤه، يفصل ويعين على مقاسه دون النظر إلى المعايير المفترضة للتعيينات، يخلق الصراعات بين الفئات والشرائح للنيل ممن يرى في تصرفاتهم عصيانا لأوامره، أو تخلفا عن التزلف له، يكشر عن أنيابه حين يجب عليه أن يبتسم، ويوهم نفسه ومن صنفهم غرماءه بأنه الآمر الناهي في مجموعته ويحاول جاهدا النيل من الزعماء التقليديين لوأد التاريخ...
بعد مرور عامين على وفاة البلد اكلينيكيا، يظهر الوزير الأول بمظهر القس المفزوع من تصرفات القيصر، عبر بوابة وزارة الخارجية متهما وزيرها بمناصبته العداء موهما الشارع الموريتاني بأنه المستهدف من استعادة بعض الدبلوماسيين الذين أمضوا أكثر من الفترة المحددة لهم قانونيا خارج البلد، محاولا طمس حقيقة يدركها الكل بمن فيهم وزير الخارجية نفسه، أن ولد حدمين لا يمثل مجموعته الاجتماعية أولا، وثانيا أن الدبلوماسيين المذكورين لا تربطهم علاقة سياسية بالوزير الأول وأنه تم تعيينهم قبل تعيينه وزيرا للتجهيز أحرى وزيرا أول.
أردت هنا من خلال هذه العجالة أن الفت انتباه رئيس الجمهورية إلى أننا نسير منذ عامين على الطريق الخطأ... وأن كينونة الدولة باتت مهددة في ظل تنامي الكراهية التي يزرع الوزير الأول بذورها بين مكونات وأطياف المجتمع الموريتاني...
سيدي محمد ولد عنقر