من اكثر الامور التي تستفزني وتثير تعجبي استعمال بعض السياسيين ووسائل الاعلام
في لبنان كلمة وصاية او احتلال لدى الحديث عن فترة الوجود العسكري السوري في لبنان
تعريف الاحتلال بحسب القوانيين الدولية هو عملية استيلاء جيش دولة على اراضي دولة اخرى خلال فترة غزو او حرب حيث تكون السلطة الفعلية لجيش العدو.
اما الوصاية فهو مصطلح قانوني دولي يقصد به “خضوع اقليم لادارة دولة اخرى طبقا لاتفاقية تعقد بينهما وتشرف على تنفيذها الامم المتحدة وذلك من اجل نقلها من وضعية الاستعمار الكامل الى وضعية انتقالية يعقبها الاستقلال الكامل”
اذا استعمال المصطلحان للحديث عن فترة وجود الجيش السوري في لبنان ليسا في مكانهما الصحيح. فالدخول السوري الى لبنان جاء بناء على طلب رسمي من رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية عام 1976 ولم يكن غزوا للاراضي اللبنانية بالقوة.وقد تعززت شرعية هذا الوجود مع قرار جامعة الدول العربية انشاء قوات الردع العربية والتي كانت القوات السورية المشارك الاكبر فيها. ومع انتهاء عمل قوات الردع العربية بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 انسحبت القوات السورية من مناطق واسعة من لبنان وبقيت في مناطق البقاع والشمال لظروف متعلقة بمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للبنان. وفي عام 1987 عادت هذه القوات الى بيروت بناء على طلب رسمي من رئيس الحكومة سليم الحص والقيادات الوطنية والاسلامية في بيروت لوضع حد للقتال بين حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي الذي كان يهدد بفتنة مذهبية خطيرة.
وفي 13 تشرين اول 1990 تدخلت القوات السورية ضد قوات العماد ميشال عون بناء لطلب رسمي من حكومة الرئيس سليم الحص والتي انبثقت بعد اتفاق الطائف.
اذا من الناحية القانونية فان الوجود السوري في لبنان لم يكن لاوصاية ولا احتلالا. بل هو كما وصفه رئيس الجمهورية السابق العماد اميل لحود وجود شرعي وضروري ومؤقت.
اما من الناحية السياسية فالبرغم من الكثير من الممارسات الشائنة التي قام بها ضباط وعناصر من الجيش السوري بحق اشخاص لبنانيين وتدخلهم في شؤون الامن والقضاء والادارة والتي جعلت الكثير من اللبنانيين ينفرون من تواجد الجيش السوري على الاراضي اللبنانية ويتمنون رحيله باسرع وقت ممكن. فان هذه االممارسات لايمكن وصفها بممارسات جيش محتل. لانها لم تات بقرار من القيادة المركزية للدولة السورية. وكان معظمها يتم برضى وقبول وطلب من سياسييين لبنانيين وجدوا في النفوذ السوري في لبنان فرصة لهم لتحقيق مارب شخصية.
واذا كان التدخل السوري في شؤون السياسية اللبنانية بنظر البعض وصاية او احتلالا فانه
حري بنا ان نطلق هذا الوصف ايضا على دول كثيرة غربية وعربية كانت ولازالت تتدخل وبشكل يومي في الحياة السياسية والامنية والادارية في لبنان.
انا شخصيا سمعت من رئيس مجلس الانماء والاعمار السابق الوزير الفضل شلق كيف حضر السفير الاميركي الى مكتبه في احد المرات طالبا حضور فض عروض احد المناقصات. لكن شلق رفض طلبه. فما كان من السفير الا ان غادر غاضبا وبعد هذه الحادثة ظل شلق ممنوعا من الحصول على تاشيرة دخول الى الولايات المتحدة الاميركية لفترة من الزمن.
القرار السياسي عند القيادة السورية كان حفظ امن لبنان لان في ذلك مصلحة استراتيجية لسوريا.وهي عملت جاهدة لمنع فريق من اللبنانيين من التعامل مع اسرائيل لانها في رات ذلك ضررا كبيرا على امنها القومي.
في لقاء جمع الوزير السابق جوزف الهاشم بالعميد السوري ابراهيم الحويجي قال له الاخير: اوقفوا رحلاتكم الى اسرائيل نحن لانسطتيع تحمل ذلك وكانت العلاقة في حينها بين الجبهة اللبنانية ودمشق ماتزال جيدة جدا.( كتاب وجوه واسرار من الحرب اللبنانية صفحة 475).
الجيش السوري تصدى للاسرائيليين في اجتياح عام 1982 وتكبد خسائر فادحة في العتاد والارواح ومنع الاسرائيليين من الوصول الى نقطة المديرج والتي كانت السيطرة عليها من قبل اسرائيل ستمسح لها بقطع طريق بيروت – دمشق الدولية.وكان قرار القيادة السورية هو بقاء الجيش السوري في بيروت عندما حاصرتها اسرائيل بالرغم من كل الدعوات الاسرائيلية للجيش السوري للخروج من العاصمة اللبنانية عبر طرق امنة. في هذا الوقت كان هناك فئات لبنانية تقف على الحواجز مع جيش الاحتلال الاسرائيلي على مداخل بيروت وتمنع بامر منه دخول الغذاء والدواء الى الاحياء المحاصرة من قبل جيش العدو.
القيادة السورية وقفت ضد اتفاق السابع عشر ايار الذي حاولت اسرائيل فرضه على لبنان.وعملت على اسقاطه . هذا الاتفاق الذي لو طبق لكان ضربة قاضية لسيادة الحكومة اللبنانية على اراضيها. كما دعمت المقاومة ضد اسرائيل منذ انطلاقتها وقدمت لها السلاح. كما امنت كل السبل الدعم للجيش الللبناني بعد انتهاء الحرب الاهلية. فهل هذه ممارسات جيش احتلال؟
اطلاق فريق من اللبنانيين صفة احتلال او وصاية على فترة الوجود العسكري السوري في لبنان شأن يبقى محصورا بهذا الفريق وحده..وهو لايمثل راي الللبنانيين جميعا.
كل الحروب التي خاضتها جهات سياسية لبنانية ضد الوجود السوري في لبنان والازمات التي افتعلتها مع دمشق خلال فترة الحرب الاهلية وبعدها كان لها علاقة بتضارب المصالح السياسية في في لبنان والمنطقة وخاصة بعد رحلة السادات الى القدس وانعقاد مؤتمر كامب ديفيد.
حتى ان العميد ريمون اده الذي كان اكبر المعارضين للوجود السوري في لبنان بعث برسالة الى الرئيس حافظ الاسد عام 1988 يعرب فيها عن تقديره للدور الذي يقوم به الجيش السوري في حماية المسيحيين في مناطق تواجده في لبنان معلنا استعداده للوقوف الى جانب سوريا في خلافاتها مع الدول العربية والاجنبية في حال انتخابه رئيسا للجمهورية (راجع كتاب وجوه واسرار من الحرب اللبنانية صفحة 105)
العماد ميشال عون نفسه الذي يقدم لنا نفسه بانه بطل التصدي للوجود العسكري في لبنان سارع للاتصال برياض رعد الذي تربطه علاقة وثيقة بالقيادة السورية طالبا لقائه عندما وصله خبر ان السورييين قد يوافقون على فكرة انتخابه رئيسا للجمهورية (كتاب وجوه واسرار من الحرب اللبنانية صفحة 105 ).
وفي السياق نفسه فان معظم القيادات المسيحية في لبنان كانت اعلنت موافقتها على الاتفاق الثلاثي الذي عقد بين القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل لانهاء الحرب الاهلية برعاية سورية وقبل موعد توقيع الاتفاق باربع وعشرين ساعة في دمشق زار الرئيس كميل شمعون ايلي حبيقة وشجعه على المضي في الاتفاق حتى النهاية قبل ان يعود وينقلب على موقفه بعد وصول كلمة السر الاميركية بتعطيل الاتفاق. الانقلاب على الاتفاق لم يكن لانه ينتقص من سيادة لبنان كما راح يشيع سمير جعجع فيما بعد والذي كان موافقا على الاتفاق وهو طلب في احد الاجتماعات مع ممثلي القوات اللبنانية في مفاوضات الاتفاق الثلاثي معرفة حصته من الوزراء المسيحييين في الحكومة التي ستشكل بعد ابرام الاتفاق الثلاثي. تعطيل الاتفاق جاء بعد ان ابلغ الاميركيون ايلي حبيقة انهم لايعارضون الاتفاق ولكن شرط عدم اعطاء سوريا امتيازات عسكرية على الاراضي اللبنانية لان ذلك يضر بامن اسرائيل لكن ايلي حبيقة رفض هذا الطلب فكان اوعز الاميركيون للقيادات السياسية في المنطقة الشرقية وفي طليعتها سمير جعجع بالانقلاب على الاتفاق. (راجع الحوار مع اسعد شفتري في كتاب وجوه واسرار من الحرب اللبنانية)
اما على المقلب الاخر فلم يكن الوضع بافضل حالا فههما وليد جنبلاط وسعد الحريري يسارعان لمصالحة دمشق عام 2010 بعد ان اختلفا معها عام 2005 ووجهها اليها تهمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وذلك بعد انفراج في العلاقات السعودية – السورية. وبعد ان عادت هذه العلاقات للتدهور عاد الحريري وجنبلاط الى تصعيد لهجة العداء ضد دمشق. وذلك بحجة الوقوف مع الشعب السوري في ثورته على النظام.
اذا كل الذين خاضوا حروبا وسياسية وعسكرية في لبنان ضد دمشق خاضوها بلا افق سياسي ورؤية وطنية سليمة والدليل على ذلك انه مع كل خلاف يقع بين فريق سياسي في لبنان وسوريا فان النتيجة تكون انقساما عاموديا حادا بين اللبنانيين انفسهم حول الموقف من دمشق.
هناك الكثير من الملفات لوقام السوريون بنشرها على الملاء لسقطت هالة الكثير من السياسيين في لبنان وانفضحت زيف ادعاء تهم حول ادوار مزعومة قاموا بها في سبيل حرية لبنان وسيادته. في حين ان الحاصل كان هو العكس تماما.
كلامنا هذا لايعني ان دمشق لم تكن مسؤولة بالمرة عن التردي السياسي الذي حصل في لبنان ابان فترة وجود جيشها ومخابراتها على اراضيه. مسؤوليتها تكمن في انها سلمت امورها في لبنان لفريق من ضباطها وسياسييها عاث خرابا وفسادا في العلاقات اللبنانية السورية مع شركاء لهم لبنانيون معظمهم من ادعياء الحرية والسيادة والاستقلال اليوم فكان النتيجة انها خسرت فرصة ذهبية في الارتقاء بالعلاقات اللبنانية السورية الى علاقة تكاملية صحيحة وفقا لمنطق التاريخ والجغرافيا الذي يجمع البلدين.
نبيل المقدم
كاتب وصحافي