أمام ما يتسرب من معلومات عن دخول مصر عسكريا على خط الأزمة السورية من باب الحرب على الإرهاب يمكن تسجيل ما يلي:
قبل التفصيل، يمكن التكهن بأهم الدوافع التي تقف وراء أي خطوة، سياسية كانت أم عسكرية تجاه سورية وهي:
-استعداد مصر للذهاب إلى الحد الأقصي في الدفاع عن حقوقها المائية المهددة في أفريقيا، على مسار مجرى نهر النيل.
-يقظة الوعي القومي-التاريخي للشعب المصري عبرنخبه الفكرية-السياسية المنتج للرفض المتدرج نحو الإكتمال، للإبتزاز المالي-السياسي الذي يحاول حلفاء أميركا و(إسرائيل) مجددا من العرب جرها إليه وتقييد قرارها السياسي حتى لو كان فاعلا لمصلحة الأمن القومي المصري؟!
-حاجتها لاستقاء المعلومات عن الإرهاب شخوصا، وسياسات، ورعاة ، من أهم منابع المعلومات عنه في سورية، مضيا على طريق الإنتصار عليه في “سيناء” خاصرة مصر الشمالية الضعيفة عبر السنين.
التفصيل
خطوات التقارب بين سورية ومصر عبر التاريخ كانت بوجوه مختلفة سياسية وعسكرية، إلا أن الخطوات السياسية كانت غالبا سباقة في وضع الأرضية المناسبة لقيام علاقات عسكرية، ومنذ أيام الفراعنة. لماذا؟
لأن أي خطوة عسكرية، ونحن نتحدث في هذا الوقت، ستكون على مستويات ضيقة، لا يكون لها اتساع يفرض نفسه من غير عقد سياسي مناسب، لأنه يمكن الدخول على خط تلك الخطوة، برغم منافعها الجمة للبلدين، من قبل جهات متضررة، أو يفترض ان تكون كذلك، وبحسب ثقل كل جهة، وهي:
– مصادر التسليح.
– كل جهة معارضة للتدخل الكاسر لحواجز عزل سورية في الإقليم.
– المعارضة الذاهبة إلى أقصى حد في عملية تدمير سورية، والتي يُشوّح بها دوليا وإقليميا في وجه الشرعية السورية.
– تيارات الإسلام السياسي التي على خصومة شديدة مع مصر، وعلى رأسها “الأخوان المسلمون”.
فهل ضمنت مصر ، لأنها المعنية بذلك قبل سورية، موافقة، أم على الأقل،صمت جهات التزويد بالسلاح، ونحن نعلم جيدا أن أميركا هي المعنية رقم واحد بذلك، كما نعلم جيدا أن روسيا الإتحادية حاضرة لتحل محل أميركا في تزويد الجيش المصري بالسلاح؟
وهل ستكون المعارضة الإقليمية في وضع يمكن أن تسمح به، وعلى مستواها فقط، بمثل هذا التدخل. هنا نذكرها ممثلة بتركيا والسعودية، وقطر، وعلى رأسهم(إسرائيل)؟
الخطوات العسكرية تحتاج إلى تحصين سياسي-مجتمعي..على مصر، أولا، أن تضعه في ميزانها بالشكل الذي تراه مناسبا، وذلك تفويتا على الموانع التي يحتمل ظهورها في الداخل المصري، وهذا يحتاج إلى حملة إعلامية منظمة وهادفة، تستطيع أن تجدد وتعمق فكرة”أمن مصر من أمن سورية” كما يقول ويثبت التاريخ، بالفعل، في غالبية الوعي الشعبي المصري، بعد أن كادت أن تقضي على هذه الفكرة اتفاقية(كامب ديفيد) التي جعلت من مصر فرعونية أكثر منها عربية، وتاليا، لتصبح الفكرة معكوسة، عندما ذلّ حكم الأخوان القصير في مصر، وكاد أن يبذر وينمي مقولة( أمن مصر من أمن إسرائيل)- يمكن اشتمام رائحة ذلك من الخطاب الشهير الذي وجهه رئيس مصر الأخواني المسجون”محمد مرسي” في حينه إلى رئيس(إسرائيل) المتوفى حديثا”شيمون بيريز″-
إن المؤشرات الدالة على إمكانية رضا “أميركا” بمثل هكذا خطوة لا تزال شحيحة جدا، ولكن منطق المستجد من الأحداث على الساحة المصرية، يشي بشيء إيجابي في هذا الإتجاه، كالمناورات العسكرية المصرية النادرة بالاشتراك مع “روسيا الإتحادية” على الأرض المصرية، والزيارة المعلنة للواء السوري “علي مملوك” كشخصية أمنية أولى في سورية إلى مصر ، وتصويت مصر في مجلس الأمن لصالح المشروع الروسي ضد المشروع الفرنسي بخصوص سورية، فيما لم يرض السعودية (حليفة مصر) فاعترضت علنا وأسفت عبر مندوبها في مجلس الأمن..وعدم تعليق أميركا السلبي على مثل هذا التصويت…والأهم من ذلك كله عدم تغيّر خطة أميركا المعتمدة في تزويد الجيش المصري بالسلاح، وعلى الأقل لم يظهر دلالات على شيء من ذلك حتى الآن؟! كل تلكم من الأمور التي لا نعرف خفاياها تماما حتى الآن، بالنسبة لملف مساعدة مصر العسكرية لسورية في الحرب على الإرهاب، خصوصا، وأن شيوع ذلك في الإعلام إنما جاء قبل أن يتم الفرز الحقيقي ، بين المعتدل والمتطرف منه، المهمة المتوخى دوليا، إنجازها من قبل أميركا بالذات؟!
في الإقليم: في السياسة ، تعارض تركيا، مثلما تعارض السعودية خطوة مصر العسكرية تجاه سورية، بحسب الحلف غير المقدس ضد سورية. الحلف الذي كانتا قد انخرطتا فيه منذ البداية، وتلتحق بهما إمارة قطر بالتبعية. لكن السؤال: هل تلك الدولتان في وضع يسمح لهما الآن بالتدخل، لمنع الخطوة المصرية؟ أعتقد أن الجواب بالنفي هو الجواب الواقعي، لأن حرب اليمن تستهلك الجهدين المادي والمعنوي معا، باتجاه الإفلاس، بالنسبة للسعودية، وتورط تركيا في شمال سورية،في مواجهة الأكراد و(داعش)، وتعرضها لحملات إعلامية ناقدة، أوروبية في الخارج وشعبية في الداخل، بعد أن تجاوزت حقوق الإنسان وقيدت حرية الصحافة، وراحت تقصف المدنيين والأكراد في شمال سورية، والأكراد في جنوب تركيا وشمالي العراق، وتلقيها إنذارات من قبل الجانب السوري، ومن خلفه الإيراني والروسي، بعدم السماح لطيرانها بدخول الأجواء السورية، إضافة إلى تصعيد العمليات الأمنية ضد مقارها الحكومية في جنوب وجنوب شرق تركيا، امتدادا للعمليات التي عصفت في أكبر مدنها والعاصمة أنقرة سابقا.. وذلك كردات فعل انتقامية على ما تقوم به من أعمال عسكرية في كل اتجاه، إضافة إلى الإحتقان شبه المتفجر مع دولة العراق، إثر تدخلها الجيوسياسي في شؤونه…ثم أخيرا، وربما ليس آخرا، ذلك التهديد الذي وجهه(خليفة المسلمين أبو بكر البغدادي) إليها عبر رسالة مسجلة بصوته، إذ هدر دمها كما يقال؟! فهل بعد هذا كله يمكن لتركيا أن تمتلك قدرة الإعتراض على خطوة مصر العسكرية لصالح سورية؟ اللهم إلا الخطاب السياسي-الإعلامي الذي يبرع فيه الرئيس″أردوغان”؟!
جمهورية إيران الإسلامية، سوف لن تعترض، وسوف تؤيد الخطوة المصرية بشدة، ربما لسببين رئيسين، الأول :
هو مساعدتها في تخفيف العبء العسكري عن كاهلها أو شد أزرها فيه، من حيث كونها منخرطة بشكل أو بآخر في دعم الجيش العربي السوري ميدانيا في الحرب على الإرهاب عبر حلف يمتد إلى مجموعة دول الـ(بريكس).
الثاني:
الأهم بتقديري، وهو نزع ورقة صفة مذهبية الحرب في سورية من خلال دخول مصر العسكري، ذي البعد الإجتماعي السياسي الكبير،على خط مكافحة الإرهاب جنبا إلى جنب مع الجيش العربي السوري وعلى الأرض السورية، وفي مواجهة دعاة(الخلافة الإسلامية) المفترضة.
روسيا الإتحادية، ستكون في أعلى حالات الإنفتاح على مثل تلك الخطوة المصرية، لأنها أيضا تجذب بذلك شيئا من مصر وتحرره من قبضة عدوها الستراتيجي في الغرب، و تستعيد به كذلك شيئا من تحالف مصر التاريخي مع روسيا ،” السوفييتة، الذي يحقق لها الآن مصلحة سياسية كبرى.وأيضا يحررها من تهمة الإعلام، المعادي لها، بأنها تنصر شقا من المسلمين على الشق الآخر.
أما عن (إسرائيل) فإني أجد في قبولها أو، عجزها إن صح القول، عن الإعتراض على التدخل الروسي عسكريا في سورية، يجنبنا مغبة البحث في تداعيات التدخل المصري على نفس المستوى، لأن الضمانات الأمنية ، وفي حدود ذلك، التي تقدمها روسيا الإتحادية لها، سوف تنسحب بالمفهوم الستراتيجي على مصر، ومن غير توسع، لأن ذلك يتصل بتقديري، بالتفاهمات السرية بين كل من أميركا وروسيا الإتحادية بخصوص الأمن الشامل للمنطقة، وقل الأمن الشامل للعالم، ما يشكل خطا أحمر، في تجاوزه، سيكون احتراق العالم بنيران حرب كبرى لا تبقي ولا تذر.
إذن:
الخطوات السياسية المصرية باتجاه سورية مطلوبة، ولو بشكل موارب في مراحلها الأولى ، إن كان في علنيتها ضرر، فعلى أي طريق ستكون تلك الخطوات؟ هل ستكون على طريق قيام اتحاد بين البلدين بإحدي الصيغتين: الـ”فدرالية” أم الـ”كونفدرالية”؟
في الأزمات تولد المعجزات، أليس في صمود سورية حوالي ست سنوات من الحرب العالمية عليها، معجزة! وهل سينتج صمودها الأسطوري بقيادة رئيسها الشاب معجزة أخرى يطرب لها العرب الأحرار، بعد أن يتعمق الإنخراط السياسي-العسكري المشترك في الحرب على الإرهاب من قبل الدولتين؟ الدولتان اللتان أكد تاريخهما على ضرورة توحدهما، سياسيا وعسكريا، دفاعا عن وجودهما الجيو-سياسي عبر التاريخ.؟
علي الدربولي
كاتب سوري