تحظى السيادة الشعبية بمكانة كبيرة في قلب النظام الديموقراطي وفي تطور وترسيخ عملية بناء الديموقراطية عبر الزمن وخلال المراحل المختلفة لعملية الانتقال إلى الديموقراطية بشكلها المعاصر. فالشعب في النظرية الديموقراطية هو صاحب السيادة وإليه يعود القول الفصل في كل قضية أو موضوع
ذي شأن على المستوى الوطني، ويجب أن يكون المواطن كفرد من المجموعة الوطنية شريكا وفاعلا ومستفيدا من كل ما يجري في إطار الوطن. فالديموقراطية في معناها اللغوي تعني حكم الشعب أو سلطة الشعب.
وفي هذا السياق يتنزل موضوع الاستفتاء الشعبي أو الدستوري، فمن حيث الأصل يعد الاستفتاء بالنسبة لتاريخ نشأته منتميا حسب البعض إلى الديموقراطية شبه المباشرة، أما الآن وفي وقتنا الراهن فإن أغلب الفقه يعتبره نمطا من أنماط الديموقراطية المباشرة. ويعني الاستفتاء الدستوري الرجوع إلى الشعب بمعناه السياسي، أي أفراد الشعب المتمتعين بحقوقهم السياسية، لأخذ رأيهم ومعرفة موقفهم الموافق أو الرافض بخصوص موضوع عام يتعلق بالدستور.
وتعود أهمية الاستفتاء الدستوري إلى أنه يشرك المواطن في العملية القانونية والسياسية للدولة، مما يعزز ويرسخ لديه روحا عالية من المسؤولية وإدراكا لأهمية القانون وأهمية طاعة القوانين التي أسهم في وضعها حيث أنه سيصبح أكثر وعيا بها من غيره وأولى بطاعتها من الآخرين، فضلا عنه كما قلنا أعلاه أنه يكرس مبدأ السيادة الشعبية ويعلي من شأن إرادة المواطنين، وهو أيضا يزيد من الثقافة القانونية لدى جموع المواطنين، فالمواطن بأدائه لواجب التصويت على الاستفتاء الدستوري تتاح له الفرصة للاطلاع على بنود القانون ويسهل عليه استيعاب المبادئ القانونية مما يوسع إدراكه ويساعده على تبني الرأي السليم.
وقد جاء في الموسوعة السياسية أن التعديل الدستوري يقصد به: إدخال تغيير على نصوص المواد التي يتألف منها القانوني الأساسي للدولة، ولا يتعارض مبدأ تعديل الدستور مع سمو الدساتير وتحريم المساس بها لأن الشعب هو مصدر السلطات في معظم الدساتير المكتوبة ويحق له بالتالي إجراء تعديلات تجيزها نصوص الدستور ذاته وتتيح له مسايرة تطور الحياة المتصاعد.
ومن أهم الأسباب التي تدعو إلى تعديل الدستور السعي إلى ملاءمة ومواكبة التطورات والأفكار الجديدة في المجتمع، وسد الثغرات التي قد تظهر في الدستور أو إعادة توزيع بعض الاختصاصات والصلاحيات في الدولة و كذلك الرغبة في تطوير النظام السياسي والسعي إلى تحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية لضمان حقوق الفئات مثل حقوق المرأة والطفل والشرائح الاجتماعية الهشة.
وفي موريتانيا نصت المادة 2 من دستورنا المعدل على أن: الشعب هو مصدر كل سلطة.
السيادة الوطنية ملك للشعب الذي يمارسها عن طريق ممثليه المنتخبين وبواسطة الاستفتاء.
لا يحق لبعض الشعب ولا لفرد من افراده ان يستأثر بممارستها. و لا شك أن مشروع تعديل الدستور الذي جرى اقتراحه ضمن الاتفاق السياسي الموقع أخيرا بين الأطراف السياسية الفاعلة في قصر المؤتمرات بنواكشوط لن يكون أقل أهمية من حيث التقنية من عملية وضع الدستور نفسها، فهناك قاعدة قانونية تسمى توازي الأشكال ومفادها أنه وفقا لها يعدل الدستور بنفس الطريقة التي تم على أساسها وضعه، وهي الاستفتاء ، فليس هناك أكثر قيمة من استشارة المواطنين الذين هم أفراد الشعب أصحاب الاختصاص الأصليين في المسألة.
وقد نظمت في بلادنا عدة استفتاءات أولها كان استفتاء نعم ولا الذي جرى قبل استقلال الجمهورية الإسلامية الموريتانية التام وذلك في 28 سبتمبر 1958 للمصادقة على دستور الاستقلال الداخلي آنذاك، وكانت الانتخابات تجري في الستينات والسبيعنات على نحو قريب من الاستفتاء بسبب انعدام التعددية والتنافس واقتصارها على مترشح واحد أو حزب واحد. ومع بداية الانفتاح الديموقراطي في البلاد جرى استفتاء على دستور 20 يوليو 1991، ثم نظم بعده استفتاء دستوري آخر في 25 يونيو 2006 لإقرار دستور 20 يوليو 1991 كدستور للدولة وإجراء التعديل على بعض ترتيباته.
ولا شك أن الاستفتاء الدستوري عموما يشكل سانحة مفيدة للتمرين والتصويت والتوعية حول الدستور ومكانته كوثيقة عليا تنظم العلاقات بين سلطات الدولة وسير عملها وتكفل الحقوق الأساسية والسياسية للمواطنين و يجب أن تكون الوثائق القانونية التشريعية والتنفيذية الأدنى منها مرتبة متوافقة مع ما في الدستور من قواعد ومبادئ تم إرساؤها وتكريسها عن طريق التصويت الشعبي للمواطنين الموريتانيين.
شيخنا محمدي الفقيه