ضياع المسير.. | صحيفة السفير

ضياع المسير..

اثنين, 07/11/2016 - 11:28

تجمهر المنتسبون والمتعاطفون مع المعارضة في وقفة تلتها مسيرة وصفت بالجماهيرية والحاشدة وذات الدلالة القوية.. 

إن مما لا شك فيه أن هذه المسيرة تتنزل في ردات الفعل والاهتزازات العكسية؛ فصراحة الرئيس بخصوص عدم الترشح لثالث مأمورية أربك الجمع وقطّع في أيديهم الحبال وأرعد منهم الأوصال.!

من المعروف أن الشمولية نسبية كما كل العبارات المجازية؛ لكن التنوع في المشاركة واختلاف المشارب الفكرية و السياسية للمشاركين في الحوار الماضي؛ أمور ذات طابع شمولي؛ حقيقة لا مجازا.

كثيرا ما يلاحظ الاستخدام المفرط والتوظيف المكشوف والاندفاع الانتمائي في قضية النشيد والعلم الوطنيين-كل على حدة- صحيح أنها قضية رموز وطنية وشعارات متعارف عليها؛ لكنها لا تُجابه اليوم من أجل اختفائها أو إحلال بديل مكانها بقدر ما يراد لها التحديث والتحيين وإشراك الأجيال الحالية بالرؤى والأفكار والطرح والإسهام، ومن غير المنصف مصادرة أفكار وإسهام شباب اليوم والحجر عليهم فكريا وعدم الاهتمام بالمتغيرات من حولهم، ثم إنه من غير اللائق منطقيا -على الأقل-  أن نرفض الخوض والتأمل في الطرح المقدم حول النشيد والعلم؛ فقد يكون العلم المقدم أحسن أو أكثر مواءمة مع الذائقة العامة في هذا اليوم والسبيل إلى تحديد ذلك والوقوف على حقيقته لن يكون بمصادرة الأفكار والقفز السياسي وإنما بالرجوع إلى القواعد الشعبية عموما بعيدا عن الاعتبارات الجهوية والحزبية الضيقة؛

من شبه المؤكد أن الجماهير المشاركة في المسيرة الماضية معرضة للخذلان وضياع المسير من طرف قادتها الذين لن يفوت أغلبهم وهم الأكثر فاعلية ونشاط؛ فرصة المشاركة في الاستحقاقات القادمة لاعتبارات براغماتية -على الأقل- إن لم نقل نفعية بامتياز، صحيح أن من الحكمة السياسية البحث عن النتائج الإيجابية وموازنة الحصاد الشريف -إن وجد- بالمجهود وعدم ضياع الجهود في بنيات الطريق و أحلام اليقظة!!

من اللافت المُْثبت بالتجارِب عمل بعض الفاعلين في هذا الحراك؛ بل المشكلين للملامح البارزة للمسيرة على التظاهر والمشاركة والتجمهر في أوقات التراخي السياسي والتموقع حسب زوايا خاصة تصل إلى وضعية الزاوية المنفرجة -غالبا- في أوقات الشدة السياسية، ومعروف أن هؤلاء هم أول من يتجهضم عن الحوارات الوطنية لاعتبارات تخصهم، وهم أول من يذوب في المشاركة والاستفادة من مخرجاتها تحقيقا للانتفاع السياسي وهروبا من الحرمان بِلزوم المبادئ!؛

إن ربط ثبات الهوية الاسلامية للدولة الموريتانية *الراسخة* بمتغيرات؛ منها ما يَكتسِب احترامه ورمزيته باعتماده الذي سيتحول عنه بطريقة ما إلى معتمد آخر؛ أمر يحتاج إلى وضوح في الطرح وبراءة في التفكير وبراعة في التقدير وحسن نية في التعامل مع القضايا الوطنية الجامعة؛

ثم إن النشيد الوطني الذي يتمحور حول التوحيد؛ الذي هو طوق نجاتنا وسر فلاحنا وسيرنا خلف خطى الحبيب- عليه الصلاة والسلام- وتمسكنا بهديه القويم، لا يضر صاحبه ولا ينقص من قدره ولا من قدر إنتاجه أن أضيف إليه ما يعالج أو يتطرق لمستجدات صارت بحكم وجودها بعده بحقب زمنية كثيرة بمثابة نوازل ثقافية و وطنية و فكرية، ولا ينقص من كمال التوحيد الذي تميز به النشيد الوطني ولا من مكانة العلامة المجدد شيئا بقدر ما يُصوِّب نحو أمور بات توضيحها لشباب اليوم وعُمَّار الوطن أمرا ضروريا بل واجبا وطنيا لأن كل هذه الأشياء مترابطة والصالح العام هو القصد والهدف..

إن إعلان الرئيس بكل وضوح وجلاء عدم ترشحه لمأمورية ثالثة وإن كان هو الأصل الصحيح والموقف العادل والمناسب؛ لهو أيضا سابقة في منطقتنا وعرف جوارنا الدولي، و لا يُحتاج لهذا الكلام من أمثالي فكلكم مدرك لما يدور في المنطقة و ما كان يُعمد إليه من طرف صناع القرار فيها، وتعرفون جيدا وسواء أنكر المنكرون لهذه الفضيلة السياسية وكابر المكابرون أو بهت المنافقون والمزمرون للمأمورية؛ فإن هذا القرار الشجاع والعادل سحب البساط من تحت المعارضين الرافضين للحوار الحالفين -حانثين طبعا- بأغلظ الأيمان على ترشح الرئيس!، ولقد كان هذا الإعلان بمثابة الصمصام الذي قطع الحبال في أيدي رموز المعارضة ودفع بهم نحو جدار الموت السياسي؛ حتى صاروا يتلمسون طوقا للنجاة من خلال التجمهر والمسير، حالهم كحال الغريق في بحر متلاطم الأمواج؛ لكنهم ساعتها كانوا يصارعون وهم في مستنقع السياسة الزاخر بالأوهام ومطاردة أشباح التربح والانتفاع على حساب كرامة المواطن المسكين التي استغلت في مسير سيكون المُخطِط له والمنظم هو أول المجهزين عليه من خلال المشاركة في الانتخابات القادمة حتما تربحا ومغنما؛ ولن يُعدم التبرير؛ من قبيل مواصلة الوجود والاتصال بالجماهير وتقوية الروابط والمحافظة على القواعد!؟ 

على المهتمين بشأن المواطن أن يكون قلقهم أكثر على هم المواطن والبحث عن سبل تحسين الأوضاع المعيشية والإسهام في المضي قدما بالبلاد  والسهر على إثارة القضايا التي تخدم ازدهار حياة المواطن اليومية، بعيدا عن اختلاق الأزمات وشحن الأذهان باستجاشة العواطف الانتمائية غير الجامعة والارتهان للخلفيات الضيقة !؟.

 

عثمان جدو