رغم شخصيته المستفزة والناقدة في معظم الأحيان، يبدو أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، تمكن من تحويل نفسه إلى شخص يؤمن بالولايات المتحدة ككل وليس بمجموعات معينة.
ترامب الذي انتقد سياسات بلاده مع قضية المهاجرين وتوفيرالحماية الأميركية لحلفاء بلاده مثل اليابان ودول الخليج بدون مقابل في مقابلات تلفزيونية سابقة وصولاً إلى ما أدلى به من تصريحات شتى خلال حملته الانتخابية عكس نهج رجل أعمال يسعى إلى تغير اتجاه التنمية و أيضاً يمثل رأي شريحة ليست بصغيرة في الولايات المتحدة.
لن يقف الأمر عند هذا الحد بل أيضاً الحاجة التي تولّدت لدى الشعب الأميركي للهروب مما أسماه أحد الخبراء الاستراتيجيين بـ “الآلة السياسية الجامدة”. بمعنى أن هيلاري كلينتون ليست قابلة للانتخاب، فقد قادت حملة وصلت تكلفتها مليار دولار أميركي مصممة لخدمة مختلف المجموعات ذات المصالح الخاصة. بينما كان متابعو ترامب في تزايد كبير على موقع “تويتر”.
لقد نشرت عدة صحف أميركية، منها “نيويورك تايمز″، صفحات وصفحات من الحقائق التي توضح كيف أن ترامب استهان بكل ما هو متعارف عليه على أنه مقبول سياسياً ومع ذلك استمر في تصدّراستطلاعات الرأي.
ويرى مراقبون أن نتيجة الانتخابات الأميركية 2016 تشكل الخطوة الأولى في الانسلاخ من آلية سياسية معطلة وجامدة، بينما الشيء الجديد في هذه الانتخابات هو التخلص من النموذج القديم الجامد وليس من الأفكار السياسية التي جاء بها ترامب. ومع ذلك، لا يزال الركود يلوح في أفق الولايات المتحدة على الرغم من التوقعات بوفرة مالية. فالعوائد الأعلى (التي كانت النتيجة الفعلية لانتخاب ترامب) ستقضي على ما سيتبقى من التنمية في الولايات المتحدة لأن الاقتصاد الأميركي لن يكون وحده من يعمل بدون أي دعم، بل ستكون معه العديد من الشركات الأميركية.
لقد كتب معلقاً رئيس الاقتصاديين ورئيس شئون المعلومات لدى “ساكسو بنك” ستين جاكوبسن عن تغطية الانتخابات بوصف قناة (CNN) على أنها “قناة أخبار كلينتون” وكانت مشينة للغاية على – حد كلامه- في مقارنة مع محطة “روسيا اليوم” القائمة في موسكو والمخصصة للدعاية الحكومية تبدو وكأنها مؤسسة إعلامية معتدلة، وهي مقارنة مسيئة للغاية بالنسبة للصحف والشبكات الإعلامية الأميركية المحترمة.
و أضاف جاكوبسن معلقاً: “ربما يكون الوقت قد حان كي يلتفت الجميع عن الصحف والمذيعين، والعودة إلى واحدة من أجمل ما كُتب من وثائق ألا وهو الدستور الأميركي. ربما يكون الوقت قد حان كي يستمع الأميركيون إلى كلمات فرانسيس سكوت كي، الذي كتب كلمات النشيد الوطني الأميركي المؤثر وأن يقوموا فعلاً بجعل الولايات المتحدة “أرض الأحرار ووطن الشجعان”.
الرئيس الصاعقة كما حلا للبعض أن يصفه في الصحافة الأميركية وحتى المتذمرين الذي خرجوا في مظاهرات حاشدة كما في لوس أنجليس لايتكلم واقعاً إلا عن ثورة أميركية داخلية منهم من رأى في ذلك انتصاراً لترامب الذي كسر قاعدة النهج القديم والبعض الآخر رأى بداية للتغيير الذي سيرمي بظلاله داخلياً وخارجياً على أداء الإدارة الأميركية.
ويرى استراتيجيون أن التركيز على السياسات الشاملة اليوم على موضوع العولمة كهدف بحد ذاته هو خطأ، إذ أنها تتجاهل التكنولوجيا، والإنتاجية. و -بحسب جاكوبسن- “الأميركان اليوم بحاجة إلى إيجاد فرص متساوية للجميع كحق دستوري والتركيز على متوسط مستويات التعليم والجمع ما بين النواحي الإيجابية في العولمة وبين المحور العمودي الرئيسي وهو التكنولوجيا”.
ولذا فإن الخسارة التي مُنيت بها هيلاري كلينتون قد تكون هي الأخرى ناقوساً ينذر بالتغيير لأكثر من أي صوت ثقة في المخططات السياسية التي دعا إليها دونالد ترامب. بينما أصبحت نتيجة الانتخابات الأميركية 2016 تاريخية لأنها قلبت الكثير من الأمور التي جعلت اليمين الشعبوي في أوروبا يهنئ بفوز ترامب والروس يرحبون بتوطيد العلاقات لكون العلاقات القوية التي يمتاز بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ترامب قبل أن يصبح رئيساً تحولت اليوم محل خشية وتحفظ لدول الغرب في أوروبا.
الحقيقة في جميع ما تم ذكره هو أن نتيجة الانتخابات الأميركية 2016 تبعث على الكثير من التفاؤل وهي أن إنفاق المزيد من الأموال لا يشتري لك المزيد من الأصوات، كما أنه لا يشتري لك المصداقية وهذا بالضبط ما حدث لأنها بداية لتذمر والتغيير على الآلة السياسة الجامدة… ففوز ترامب ما هو إلا ثورة على الطريقة الأميركية.
ريم خليفه
كاتبة وإعلامية بحرينية