يُشكّل دونالد ترامب في هذه الأيام طاقمه لإدارة البيت الأبيض للسنوات الأربع القادمة، أما أوباما فيجول بين حلفاء أميركا يستأذنهم الرحيل. هذه هي طبيعة المرحلة الانتقالية ولكن من الخطأ أن نعتبرها مرحلة إجرائية فقط، بل هي مرحلة مهمة جداًّ تتبلور فيها أسُس سياسة الإدارة الجديدة ونتائجها، وإذا ما رأينا لهذه الإدارة أي دور في التسوية السياسية في الشرق الأوسط، وهذا أمر مفروغ منه، فلا بدّ من أن تتحرّك كل الأطراف للتأثير في نتائج ما يتبلور في هذه المرحلة الحسّاسة. وهذا ما تفعله إسرائيل منذ ما قبل اللحظة الأولى.
تسعى حكومة المستوطنين وعلى رأسها بنيامين نتانياهو للتأثير في نتائج المرحلة الانتقالية الأميركية بثلاث اتجاهات متوازية: الأول، تبذل فيه جهوداً فردية وجماعية كبيرة، ولكنها هادئة أوغير سميّة للتأثير في تركيبة الطاقم الذي يُحيط بالرئيس الأمريكي الجديد، وخاصة فيمن يكون وزير خارجيته أو نائب الرئيس في البيت الأبيض. وتصل هذه الجهود إلى حد أن تتّصل سارة نتانياهو هاتفياً مع زوجة ترامب شخصياً، ليس فقط للتهنئة بالفوز بل لتعبّر لها عن رغبتها الشخصية بتوثيق العلاقة بين العائلتين- نتانياهو وترامب، حسب ما جاء على صفحة بنيامين نتانياهو قبل أيام.
بمعنى آخر أن إسرائيل لن تتردّد في استخدام كل الوسائل للوصول إلى أهدافها. أما الاتجاه الثاني فيتمثّل ببذل جهود دبلوماسية مُكثّفة لمنع أوباما من اتّخاذ خطوة حيادية في مجلس الأمن حيال أي مشروع قرار لصالح الشعب الفلسطيني خلال هذه المرحلة، كما تعمل لدى ترامب لتجديد رسائل بوش شارون، التي تتغاضى بموجبها أمريكا عن استمرار البناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى، والأخذ بعين الاعتبار التزايُد السكاني في المستوطنات بشكل عام. ولكن الأهم في نظر المستوطنين ووفق تصريحاتهم هو ما يفعلونه على الأرض؟ وقد شهدنا في الأيام الأخيرة، فعلاً، تقديم مشاريع قوانين جديدة هدفها فرض أمر واقع جديد لتتعايش معه الإدارة الأميركية الجديدة، من هذه المشاريع سنّ قانون يمنع رفع الآذان في مُكبّرات الصوت في القدس وداخل إسرائيل بحجّة أنه "يُزعج" المستوطنين. وقانون "تنظيم" أو تبييض الاستيطان في المناطق المُحتلّة على أراض فلسطينية خاصة، وليس فقط على أراض ٍعامة. وهذا القانون لا يخصّ مستوطنة "عمونة" فقط، بل ينسحب على 2500 منزل آخر للمستوطنين بُنيت على أراض ٍخاصة يملك أصحابها كل أوراق الطابو الخاصة بها.
ولكن المشروع الأهم هو ما عبّر عنه نفتالي بينيت بعد يوم واحد من انتخاب ترامب، ويتمثّل بضمّ أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المُحتلّة بما في ذلك الأغوار الفلسطينية ومستوطنة معاليه أدوميم بين القدس وأريحا ومستوطنة أريئل إلى السيادة الإسرائيلية. ويُعلّل بينيط مشروعه بشكل صريح فيقول: إن الفرصة مؤاتيةُ جداًّ لتنفيذ هذه الخطوة ولا يجوز تفويتها أبداً، وذلك بسبب انهيار عدد من الدول العربية وعدم قدرتها على مقاومة إسرائيل بالإضافة إلى غياب الضغط الأمريكي الذي تمثّل بشخص باراك أوباما.
يبقى السؤال، ماذا يفعل العرب؟ وبالأخصّ الفلسطينيين للتأثير في المرحلة الانتقالية ونتائجها للسنوات القادمة؟
ليس صحيحاً أنه ليس لدينا فُرَص للعمل، وربما ليست لدينا قيادة قادرة على العمل، وعليه ، إذا ما توافرت القدرة والقادرون. لدينا فرصة من اليوم وحتى مُنتصف كانون الثاني/ يناير 2017، وآمل ألا نفوّتها كما اعتدنا أن نفعل.
لدينا فرصة لدفع أوباما الى الحياد أمام أي مشروع فلسطيني في مجلس الأمن وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل في هذه المرحلة وتعمل جاهدة لمنع حصوله. مشروع يلزم اسرائيل بالانصياع للقرارات الدولية ذات الصلة. إن فعلت ادارة اوباما ذلك، يفترض بالإدارة الجديدة أن تسلّم بالأمر وتعمل بموجبه، وإن لم تفعل تبقى لدينا فرصة أخرى ان نقول لدونالد ترامب: عصر جديد في أمريكا وعصر جديد في الشرق الاوسط، لا نريدكم وسيطا لأنكم منحازون لاسرائيل، أخرجوا من ساحاتنا!!
لدينا فرصة ان نتلاحم، شعبيا وليس رسميا، مع الغضب الشعبي الأميركي المتعاظم ضد سياسة ترامب ونجعل الانحياز لإسرائيل أحد أسباب هذا الغضب الشعبي ضده، وهي فرصة لتعزيز موقفنا في الوعي الشعبي الأميركي. وهذا يتطلب منا أن نتقدم بين قيادات الغضب الشعبي المتعاظم!
لدينا فرصة للاستعانة بميزان القوى الدولي الجديد، وتوثيق العلاقة مع الصين والهند، وروسيا العائدة الى الشرق الاوسط بقوة، قبل ان تتوثق علاقتها بإسرائيل فنخسر أكثر القوى الدولية تأييداً لنا على مدى تاريخ قضيتنا. لا تخسروها اليوم في هذه الأوقات الحرجة! لأنه لن نحقق أهدافنا إلّا بوجود ميزان قوى دولي جديد نكون طرفا فيه، ليس مع أعدائنا التاريخيين بل مع أصدقائنا التاريخيين.
لا يأس مع شعب يريد الحياة! فاليأس لا يحقق أحلاماً صغيرة فكيف بالأحلام الكبيرة؟ عودوا إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما كانت منظمة التحرير طفلاً يحبو ولا يعترف بها أحد، راجعوا تاريخنا، لتجدوا أن رجال أعمال وأكاديميين فلسطينيين، بموازاة للعمل الفدائي، اخترقوا الإدارة الأميركية وفعلوا ما لم يحلم به أحد. وكاد التوازن الدولي أن يؤدي إلى انسحاب إسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران، من خلال مؤتمر جنيف، الذي اتفق بين الأميركان والسوفيات على انعقاده، في بداية العام 1977، لولا خيانة السادات والالتفاف على المؤتمر بزيارة الكنيست، بترتيب وتشجيع من ملك المغرب وشاه إيران، وبالتنسيق مع إسرائيل. أو، عودوا إلى الإنتفاضة الأولى عندما بقينا وحدنا، ولكننا استطعنا أن نتلاحم مع أحرار العالم لنعيد للقضية زخمها وعالميتها.
يتوجب على القيادة الفلسطينية أن تبادر للعمل! الآن وسريعاً، ضمن خطة مدروسة متفائلة ذات أهداف استراتيجية محدّدة. لا أن تنتظر نتائج ما تفعله إسرائيل. لا قيمة للانتظار، بل القيمة للعمل ولا يحق لأحد تفويت الفرص المتاحة.
أليف صباغ