ردا على مؤتمر غروزني المنعقد في أواخر اغسطس الماضي بعنوان ” من هم اهل السنة والجماعة” الذي حصر هذا اللقب على الاشاعرة والماتريدية والصوفية واستثني التيارات السلفية عن دائرة اهل السنة، ردا على ذلك عقدت تيارات سلفية في الثاني عشر من هذا الشهر في الكويت مؤتمرا يعتبر جوابا للأول، وهم بدورهم حصروا اهل السنة على الجماعات السلفية واخرجوا منه ما عداهم من الفرق الاسلامية الاخرى.
ان هذه الموتمرات سياسية وليست دينية والهدف منها ايضا سياسي لا ديني خاصة في ظل الاستقطاب السياسي الذي تمر به منطقتنا اليوم. توظيف الدين لمصالح سياسية وأيديولوجية ليس جديدا ولا بمستغرب وانما كان شيئا مألوفا على امتداد التاريخ الاسلامي وذلك اما لاضفاء الشرعية الدينية على السلطات السياسية التي كانت دائما تستشعر غياب او هشاشة شرعيتها السياسية، واما لإقصاء جماعات دينية اخري عن تمثيل الاسلام الصحيح واحتكار المرجعية الدينية لقراءات معينة للنص الديني.
وَمِمَّا يؤسف له أشد الأسف ان ينشغل العلماء بقضايا كلامية تعمق الخلافات والشقاق بين المسلمين ولا تمس لا من قريب ولا من بعيد بقضايا الامة الملحة في وقت احوج ما تكون فيه الى الوحدة والوئام والترفع عن الاصطفافات السياسية المتدثرة بعباءة الدين.
هذا هو حال الامم في عصور الانحطاط والتراجع تنشغل بمناقشة قضايا هامشية. هذه الموتمرات تذكرني بالمجامع المسكونية التي كانت تعقدها الكنيسة في القرون الوسطى برئاسة الإمبراطور لمناقشة ما طرأ على الدين من بدع وحفظ ما سمته ب ” الدين القويم” وذلك بإخراج جميع الفرق المسيحية الآخري التي تخالف قراءة المؤسسة الرسمية للنص من الانتساب للدين القويم ومن ثم تكفيره واتهامه بالزندقة ومن ثم تصفيته واغتياله وربما حرقه.
ففي الوقت الذي كان المسلمون يجهزون الجيوش على أسوار المدينة ويستعدون لفتح القسنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية المسيحية، كانت المجامع الكنسية تناقش طبيعة المسيح هل هي طبيعة لاهوتية او ناسوتية وهل الطبيعتين متحدتان او منفصلتان وما الى ذلك من قضايا كلامية لا تمت الى جوهر الدين بصلة.
وكذلك نحن اليوم منشغلون بنفس القضايا الكلامية ونعقد الموتمرات لمناقشة من هم اهل السنة والجماعة ومن هي الفرقة الناجيةً وهل لله صفات زائدة عن الذات ام ان الصفات عين الذات، وما هي انواع التوحيد وهل الله مستو على العرش حقيقة ام مجازا وغير ذلك من قضايا فرعية لا علاقة لها بأصول الدين ولا يشترط المسلم بمعرفتها لكي يصح إسلامه. وكل ذلك لاضفاء الشرعية الدينية على فرق إسلامية معينة وسحبها من جماعات اخرى كفرق ضالة متهمة بالفسق والبدعة والكفر. ويحصل هذا الجدل البيزنطي فى مرحلة من اصعب واخطر المراحل في تاريخ امتنا حيث النيران مندلعة والحرائق مشتعلة في معظم بلدان المنطقة التي تتعرض دولها للانهيار والتفكك وشعوبها للقهر والتسلط.
اخيراً، لا يهمنا من هم اهل السنة والجماعة ولا من يمثله، فهذا المصطلح مثقل بصراعات تاريخية سياسية ودينية منذ نشأته الى يومنا هذا، ونحن في حاجة الى تجاوزه والرجوع به الى الأصل قبل نشوء الفرق والجماعات، وهو الاسلام الذي يوحدنا ولا يفرقنا الي فرق ومذاهب متناحرة. لا يعنينا من يمثل هذا المصطلح بقدر ما يعنينا من يمثل مصالح المسلمين ويدافع عن قضاياهم العادلة وحقوقهم المسلوبة ويقف معها في نضالها وكفاحها ضد الاستبداد والمستبدين واستعادة حريتها وكرامتها المسلوبة.
عبدالواحد عبدالله شافعي