في ربيع 1991 وبعد أن انتهت واشنطن من غزوتها الأولى مع حلفائها لتدمير العراق، وفي أجواء انهيار الاتحاد السوفياتي، وتفكك المعسكر الاشتراكي، أعلن جورج بوش الأب أنه سيقضي عيد الميلاد القادم في العاصمة الكوبية (هافانا)، معبراً بذلك عن حقد قديم على جزيرة عصية، لا تبعد أكثر من تسعين ميلاً عن الدولة الأكبر والأقوى والأغنى في العالم، خصوصاً بعد غياب القطب العالمي المنافس، وبعد أن كانت كوبا هي العضو الوحيد في مجلس الأمن الدولي الذي اعترض على العدوان الأميركي والأطلسي ضد العراق.
يومها قلت في لقاء تضامني مع كوبا وقائدها فيدل كاسترو عقدناه في مقرنا، في الطريق الجديدة في بيروت: في عيد الميلاد القادم سيعود بوش إلى مزرعته في تكساس، وسيبقى فيدل ورفاقه مع الشعب الكوبي في قلعة الثورة ومعقل الكرامة في هافانا.
لم يكن كلامنا يومها ضرباً من التنجيم أو التمنيات الحالمة، بل كان ناجماً عن معرفتنا الدقيقة بطبيعة العلاقة بين فيدل وحزبه والشعب الكوبي وبالطاقات الثورية الهائلة التي يمتلكها الكوبيون بقيادة فيدل وشقيقه راؤول وايقونة الثورة العالمية الشهيد ارنستو تشي غيفارا الغائب في جسده والحاضر أبدا في ضمير أحرار العالم.
واليوم وبعد تسعين عاماً من عمر أمضاه في الكفاح والنضال والصمود. وبعد ستين عاماً من ثورة دخل رجالها كوبا من المنافي عبر الشاطئ، واستقرت في الجبال، حتى هزمت الطاغية باتيستا (1/1/1958) وبعد عصيان مدني شامل، فرسمت معادلة رائعة بين الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية ينبغي أن يدرسها كل حريص على التغيير والتحرير.
كما ينبغي علينا أن ندرس أيضا كيف صمدت هذه الثورة على بعد 90 ميلاً عن الولايات المتحدة الأميركية، وكيف اختطت لنفسها خطا تصاعديا حتى أطلقت موجات التغيير في محيطها وحتى أجبرت كل أعداء الثورة على التراجع عن مواقفهم منها.
بل ينبغي أن ندرس بدقة شخصية هذا الثائر العظيم الذي بقي ثابتاً على مبادئه، صامداً بوجه العواصف والزلازل والمتغيرات، دون أي تنازل. ولعل مواقفه الرائعة من قضايانا العربية، لاسيّما قضية فلسطين، وهي مواقف كشفت حجم التخاذل والتواطؤ في مواقف أنظمة وقيادات عربية هرولت إلى التنازل عن حقوقنا ومقدساتنا.
الخلود لروح فيدل ورفيقه غيفارا وتلميذه تشافيز وشريكه في الكفاح جمال عبد الناصر وكل أحرار العالم، والنصر للشعوب في نضالها من أجل الكرامة والعدالة والحرية.
معن بشّور