تناذر قوم بتخنيث النشيد الوطني، وتباشر به آخرون وأقيمت سوق عكاظه هذا الموسم، فسامَهُ المفلسون وأقبل إليه المُبْطِلون يزِفُّونْ، مِن كل حدَب ينسلونْ، صادفين عن معالمه الدينية، هازئين بروحه الوطنية.
إن كل مؤمن بالله واليوم الآخر ليقشعرُّ جلده، ويَرجُف فؤاده من الاعتراض على أيّ حرف من حروف هذا النشيد الإيماني الوطني، أو استبدال الأدنى بالذي هو خير.
إن من يدعو لطمس قول العلَم الإمام الفرد ذي الظلال الشيخ سيدي بابه (كن للإله ناصرا ...)، والذي ما جاوز فيه قولَه تعالى وأمرَه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) لَجديرٌ بأن يُكبَّر عليه أربعا.
إن من يدعو لحَجْب قول الجبل الباذخ، والطّوْد الشامخ (... وأنكر المناكرا)، والذي ما تعدّى فيه قولَه تعالى وأمرَه: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون) لحَريٌّ بالتربص في شانه والارتياب في حاله.
إن من يدعو لإحالة قول البحر الزاخر، ذي النسب الفاخر ( وكن مع الحق الذي ... يرضاه منك دائرا ) والذي ما زاغ فيه قِيد أُنملة عن قوله تعالى وحَفْزه المومنين (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) ، وقولهِ جل وعز: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر (3) ،
وقولِه صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبادة في الصحيحين «بَايَعنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَلاّ نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» - لفظ مسلم – ، لنزر النُّجول ، مُتهدِّم الجُول .
إن من يدعو لرجم قول بدر دجاها وسما علاها (ولا تعد نافعا ... سَواءه -بالفتح لمكان المد- أو ضائرا ) والذي لم يَرِمْ فيه ولا زايَل قوله تعالى : (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لخليقٌ بأن يُخمَل ذِكْرُه ، ويُعَفَّى رسمُه .
إن من يدعو لنسف قولِ رائشِ نبلها ، ومُذْكي سُنتها ( واسلك سبيل المصطفى ... ومُت عليه سائرا ) والذي ما مادَ فيه ، ولا حادَ عن قوله تعالى وأمرِه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب)،
وقولِه صلى الله عليه وسلم - كما في حديث العرباض بن سارية وغيره عند أحمد وابن ماجه وغيرهما بسند مقارب حسن- (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك) لتائه ما يَبِضُّ حَجرُه ، وليس يُثْمر شجَرُه .
إن من يدعو لوأد قول واسطة عِقدها ، ومَوئل فضلها (فما كفى أوَّلَنا... أليس يكفي الآخرا ؟) ، والذي ما غادر فيه أمرَه تعالى للمومنين باتباع السلف الماضين :
(وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم) ،
وقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) لمغسوس ممسوس ، قد صُمَّ عن النذير أنْ بدا يلمع بالبشير الهجيرْ .
إن من يدعو لإماطة قول الإمام سادن السنة ، والمُظهر منها الغُنّة ( وكن لقوم أحدثوا ... في أمره مُهاجرا ) ، والذي ألمّ فيه بقوله تعالى (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَه) - ومن أحدث في السُّنة على عِلْم فقد حادَّ الله ورسوله –
وقولِه جل وعز وتبارك: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لبائع الكُبّة بالهُبّة.
وأيمُ الله لقد محض لكم النصحَ الشيخُ سيدي بابه -رحمه الله- ومَخَضه؛ حيث نادى بِوَدْع المبتدعِ الداعية مُعْرِبا عن خُطة ذا في إحياء سُوقه ، وتَنْفيق سلعته ( قد موّهوا بشبه ... واعتذروا معاذرا ) ، واللهُ عز وجل يقول: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب) .
ثم استرسل الشهاب الراجم لأهل البدع في وصف فِعل من أحْدث في أمره صلى الله عليه وسلم ، وكيف احتناكُهم الناسَ ، مُوحيا إلينا من طرف خفِيّ بعدم الاكتراث والانخداع بِوَفْرة أتباعهم ، واللهُ عز وجل يقول : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه).
فقسطاس الحق والهدى: هو اتباع أحمد المصطفى ، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه؛ ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون).
هذا وليس يجوز صرفُ عموم قول الشيخ سيدي بابه (وكن لقوم أحدثوا ... في أمره مهاجرا) إلى خاصّ من الناس إلا بدليل جَلِي سَني ولم نره ، فَعَلى مُثبت تلك الدعوى إبرازُه، وأما نحن فنستصحب الأصل و نَثْبتُ على ظاهر لفظ الإمام الدال على العموم لا الخصوص، فمِن هذا الوجه يُدحَض قولُ كلّ من تَزَنّح علينا بتلك الدعوى، فلا سند بيده بنقل العدل عن العدل متصلا إلى الشيخ سيدي بابه أو من حدثه أو من شهد الواقعة لا من تأوَّل فيها ، وإنما وصف -رحمه الله- قوما وتلى آية ناسٍ ، فكل من صَدَق عليه الوصف، وظهر بالآية فهو داخل في المَأمومين .
بل أزيد فأقول: إن من يدَّعون أن العَلَم قد أمَّهُم – أو غيْرَهم - بقوله ، ورماهم عن قَوْسه ، لا مخرج لهم ولا مناص من إثابتهم على أنفُسهم – أو غيْرهم - الإحداثَ في دينه صلى الله عليه وسلم ، فإن رضوا بذلك واطمأنوا به أَخذَت الحجةُ بمخانقهم ، واستحقوا التّثريب والتّرْعيب .
وإن أنِفوا منه واستنكفوا عنه كانوا عن قيل الشيخ بمعزل ، (قد أصبحت أم الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا كلَّه لم أصنع) .
إن من يهفون لِعَصْب التُّهم بالشيخ سيدي بابه أنْ دعا لتوحيد الله ونصرته وإعلاء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، والتجافي عن البدع والمنكرات ، والاختيار لهذه الأمة في مقام الضرورات ، والإمساك عن حِجاج أهل الشُّبه والضلالات إلا مِراءً ظاهرا- لمُخسرون في الميزان مُرجفون في أهل الإيمان .
وماذا عليهم لو أبرزوا كبراءهم فصدعوا بأدلتهم الشرعية ثم الجدلية والمنطقية على وَهْي مذاهب الإمام في كل تلك الأنجاد والوهاد .
بل إنه يلزمهم فوق ذلك الاستدلالُ على كون اجتهاد فارسِ ميدانها ومُجلِّي صافناتها اجتهادا غير سائغ لا وجه له شرعا ، وماهم بِبَالغي ذلك حتى يلمسوا الأبرص بأيديهم أو يعودَ جونة أو تحالفَه . فليجعلوا بيننا وبينهم موعدا لا نُخلفه نحن ولا هم مكانا سُوى .
ولَشَدَّ ما آسفني -فجمح بي أو كاد- إهطاع من لم تثبت في العلم قدمُه ولا رست على شاطئه يوما سفُنُه ، إلى دعوى تضليل الإمام بمسألة لم يَسبُر غَوْرَها ولا تَربَّص بها فَوْرَها . ثم هو إذا حُوقِقَ ألقى معاذير تتعثّر في أذيالها ، وتنكص على أعقابها ، وتطمس وجوهها على أدبارها ، وترد رؤوسها إلى أذنابها .
ألا فليعلم المغرضون المُجَمْهَرون أن الحِمَى ليس بمستباحْ ، وأن العلقم ليس بِرَاحْ.
فالأقلام لله الحمد مُشرعة، والكؤوس مُترعة ، والأذهان عواصف، والألسن نواطف .
والتاريخ محشور لا يَكذب ، والزَّبور منشور يُعرِب .
وإنْ تُكشفِ الستور ، تبرزْ متبرّجاتٍ رباتُ الخدور .
فيدعو آنها كل باغ بالويل والثُّبور .
إن الإمام الشيخ سيدي بابه من آيات الدهر ، ولآلئ البحر .
لم تأته المحاسن عن كَلالة ، ولا ظَفِر بالهدى عن ضلالة .
وما دعاء من يَصِمُه إلا في تبابْ .
وأيم الله لقد أربى على أعلام عصره ، واجتمع فيه ما تفرَّق في غيره ( علم عزيز وخُلْق وأدب، واتباع سنة وعَقْد صحيح ونسب ) .
وإنه من هذا الدين لبسبيل مقيم .
فلم يزل عُمُرَه -رحمه الله- منحطا في شِعب أحمد -بأبي هو وأمي وولدي صلوات الله وسلامه عليه- يَأوي إليه لا يَلوي على غيره ولا يَريم عن سُنته ، يَرْتُب في الذود عن حياضها رتوب الكعبْ ، ويُسلِّط على هام شانئيها منه كل عضبْ .
وما برِحت حُججه فوالج ، وبروق مناقبه رواعج، إلى أن استحال الزمان فعاد عذبها مِلحا أُجاجا وشايِرُها رَجَاجا ، وتبرقعت الكَزْماء فحسبت شمَّاء ، وتلفَّمت اللَّصّاء فَرِيئت فَلْجاء وما هذا بعجبٍ مع دروس العلم وهيمنة الجهل محفوفيْن بنَفاسة وغِلّ ، نزعهما الله من الصدور بمَنّه وكرمه .
قال الله: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)،
وقال تعالى وتقدّس (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) .
إن تمادي بعضهم في الصمود لثلْب وثلْم النشيد الوطني مع ما أسلفناه مما أجَنّه واشتمل عليه رَحِمُه من الإيحاءات القرآنية المُتدفقة والمعاني الإيمانية المُترقرقة لهو جَبْي الغبْن برِزَمه، والرَّيْن بحُمَمِه وحِمَمِه .
إن الله عز وجل قد أمرنا بنصره وهو غني عنا بل نصْرَنا بنصره أراد (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
فافتتاح النشيد الوطني بهذا المعنى الإيماني يُحيي النفوس و يغشاها بمواقع الرشَد، ولا أُرى لامسه وإن رُكِّب لسانه من لسان ابن بحر وزهير يُقِيمُ مثله أبدا لو أَمَّه فكيف وقد أجَمَه فمَجَّه .
إن هذا النشيد الوطني لهو ترجمة محررة لمعنى الجمهورية الإسلامية .
فهو أُسُّها وأساسُها، وحاديها ونِبراسُها. وإنه لمن الشُكْر لأيادي الله وأيامه فينا معشرَ الموريتانيين وإن كانت لا تعطو أيدي الشاكرين سُحُقَها، ولا تبلغ ألسن الواصفين كُنهها- . فلا تكفروا النعمة فتُبْدلوا نقمة قال الله: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد)
إن هذا النشيد الوطني يعلو ولا يُعلى عليه ،
فهو شعارنا ودثارنا (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِين)
أما ترضون أن يعود الناس بحمية الجاهلية و نَعِير الوطنية وتعودوا ب(كن للإله ناصرا ) إلى رحالكم .
إن هذا النشيد الوطني لا يتعارض و الوطنيةَ البتة ، بل لا وطنية شرعية إلا وقد اشتمل عليها.
أما حمِيّة الجاهلية وهيعات اليَساريَّة فلا لعًا لكل ذلك إن سقط .
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا).
إن هذا النشيد الوطني هو الوحيد الذي يَجْمع الشتات، ويُحْيي الرُّفات، بشهادة الذكر الحكيم و الفرقان المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
ولا يكون نصرُ الله حتى ننصر دينه (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).
إن هذا النشيد الوطني لو أضربنا صفحا عن كل ما تقدم هو أول ما تغنى به الموريتانيون وسَمَدوا بعد الاستقلال لعقود و إلى اليوم ، فهو مَعْلَم من معالمهم وإرث من مواريثهم .
وكل حرف منه ينطقُ بالحرية ويهتفُ بها .
إنه تراث أمة وفاروق بين المرحلتين: الحرية والاستعمار ، فالمساس به عبث بمعالم هذا الشعب وهذه الأمة ومقدساتهما.
والآن فقد آذنت براح بدلوك ولم يبق منها إلا حُشاشةُ نازِع، وقد أتيت على بعض ما في النفس وإن بقي منه فأرجو أن يَكْسَع المغرضون قولَهم هذا في النشيد بالمُحْرِجات بعد أن أتتهم الآيات البيِّنات.
وعزاءً خالصا لكل الموريتانيين في عَلَميْها،
وصبرا آل الشيخ سيدي صبرا فإنكمُ على إرث تليد من إرث أبيكم الشيخ بابه.
وا أسفاه على أيام طابت لكم منها مشارعها، ولانت لكم فيها أخادعها.
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا
لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيم).
كتبه: موسى بن يوسف بن عبد الفتاح الشنقيطي .