إن التعديلات الدستورية المقترحة ليست مخرجات حوار وطني حقيقي لأنها تقتصر على الاقتراحات التي أعلن عنها ولد عبد العزيز في النعمة وتلك التي أضافها حزبه أثناء حوار أحادي، أصر النظام على إجرائه "بمن حضر" في أجواء كرنفالية لا تمتُّ بأي صلة للنقاش السياسي البنّاء؛إضافة الى ذلك، فهي لا تكتسي أي طابع استعجالي ولا تحمل أي حل للمشاكل العميقة التي تعاني منها البلاد وخاصة الأزمة السياسية المتمثلة في عدم حياد الدولة واختطافها لصالح النظام ضد الفرقاء السياسيين الآخرين. كما أنها لا تقدم أي حل للقضايا المجتمعية المُلحة مثل العبودية ومخلفاتها والوحدة الوطنية ومتطلباتها بدءا بتصفية الإرث الإنساني، وتسكت على سوء الحكامة المتمثل في استشراء الفساد والنهب والرشوة وانهيار الادارة.
تغيير العلم وتمجيد المقاومة مناورة ديماغوجية جديدة يحاول النظام ركوبها بعد أن أفلس شعار "مكافحة الفساد" وتبين للجميع مدى فساد هذا النظام الذي يرفض رأسه التصريح بالثروة التي كدسها منذ استلامه السلطة في خرق سافر للقانون، وبعد سقوط شعار"رئيس الفقراء" حيث أصبح المواطنون يزدادون فقرا ورأس النظام وذووه يزدادون ثراء وبطرا يوما بعد يوم، وبعد أن تعرى شعار "الشباب هوالأمل"وأصبح مئات الآلاف من الشباب فريسة للبطالة وانسداد الآفاق وضياع الأمل.
إنها محاولة جديدة لحجب إخفاقات النظام وإلهاء الشعب من خلال مهاترات وخلافات عقيمة عن مشاكله الحقيقية كالفقر، وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار،وتفشي البطالة، وضياع الشباب، وفساد التعليم، وقصور الصحة، وضعف النفاذ للعدالة والخدمات العامة.
لقد فجر النهج الكارثي لولد عبد العزيز كل النعرات داخل هذا الشعب، وأصبح المجتمع الموريتاني يعاني أكثر من أي وقت مضى العديد من التناقضات الحادة، العرقية والشرائحية والجهوية والقبلية، التي تذكيهايوميا تصرفات وسياسات النظام الحالي، مما يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع في تعايشه وللبلدفي كيانه. إن موريتانيا أحوج اليوم لمن يتلافى وحدتهاويرمم لحمة شعبها ويحل المشاكل التي تعوق انسجامه، بدل طرح قضايا خلافية جديدة تزيده اصطفافا وتنافرا، وذلك بإثارة الفتنة وتفكيك المجتمع عن قصد واصرار.
لا يجوز تعديل الدستور الاّ في ظل وضع سياسي طبيعي ومن أجل حل قضايا أساسية تعوق سير المؤسسات أو تعرقل تقدم الامة؛ بينما التعديل المقترح لا يحمل سوى الخلافات ويتم في غياب تام لحياد الدولة، وفي ظل أزمة سياسية حادة، ومؤسسات دستورية بعضها مُنتهي الصلاحية وبعضها مُنتخبفي ظروف غير توافقية.
لا يمكن تنظيم اي استفتاء أو انتخاباتذات مصداقية في الظروف الراهنةالا بوجود آليات وضمانات حقيقية للشفافية وحياد تام للدولة وهيئات تنظيم وإشراف غير مشكوك في قدرتها ونزاهتها واستقلاليتها. كما لا يمكن إجراء أي استحقاق حر ونزيه قبل مراجعة عميقة للسجل الانتخابي تُمكن من استيفائه للمستوى المطلوب، ورفع العراقيل التي تحرم أعدادا كبيرة من المواطنين من الحصول على أوراقهم المدنية.
لا يوجد أي مبرر لتغيير العلم الوطني الذي أصبح رمزا لموريتانيا منذ استقلالها، عرفت به في كل المحافل الدولية واستشهد العديد من أفراد قواتها المسلحة دفاعا عنه، وتربى الأطفال والجنود والضباط وكل الموريتانيين على تحيته واحترامه، وأصبح جزء من وجدان هذا الشعب وتاريخه وتراثه وذاكرته الجمعية. فقد تعاقب على هذا البلد، منذ الاستقلال، العديد من الأحكام المدنية والعسكرية، كما احتضن العديد من الحركات السياسية التي لا يمكن لأي أحد أن يشكك في وطنيتها، ولم يطالب أي من هذه الأحكام أو الحركات بتغيير رموز الوطن ولم يطعن فيها؛ فلماذا هذا التغيير الآن بالذات، وما هي دوافعه الحقيقية؟
إن اعادة الاعتبار للمقاومة يتطلب قبل كل شيء إعادة الاعتبار للقيم التي قامت عليها والتي من ضمنها صونُحرية المواطن واحترام حقوقه وكرامته، تلكم القيم التي لا تلقى من النظام الحالي سوى الاستهتار والاحتقار، إذ يعمل بشتى الوسائل للقضاء عليها. يجب أن تتم إعادة الاعتبار هذه دون المساس بالثوابت والرموز الأخرى،وذلك عبر كتابتها بعيدا عن الديماغوجية،ودمجها في المناهج الدراسية، وبناء النصب التذكارية، وتسمية الشوارع والثكنات والدفعات العسكرية والجامعية والمدارس وغيرها من المؤسسات بأسماء المقاومين وترميم أضرحتهم وتعهدها، الخ.
ليس من الضروري "دسترة" المجالس الجهوية، رغم أهميتها المبدئيةوقيمتها التنموية، لأن ذلك لن يجعلها أحسن حظا من المؤسسات الدستورية الموجودة والتي أفرغها النظام من محتواها وجردها من كل الصلاحيات التي يمنحها لها القانون والتي تتمتع بها نظيراتها في البلدان الشبيهة.
إنالغاء مجلس الشيوخ لا يستساغ خارج التوافق الغائب في حالة هذا الاستفتاء، خاصة أن هذا المجلس،الذي يُحمل ما لا يحتمل، إذا ما قورن مع غيره من المؤسسات والهيئات،لم يعرقل - طيلة العشرين سنة الماضية - سير الدولة ولا مؤسساتها. أما العلاقة المزعومة بينه وبين المجالس الجهوية حيث تعوضه في حالة إقرارها فتفتقد كل أساس حيث أنها لا تتقاطع ولا تتعارض معه،لا في طبيعتها ولا في وظائفها؛ فمجلس الشيوخ هيئة تشريعية وطنية والمجالس الجهوية أدوات للتنمية الجهوية.
المشكلة لا تكمن في إلغاء مؤسسة أو إضافة أخرى، بل في طريقة تسيير الدولة. ففي ظل النظام الحالي لا يوجد تحديد ولا فصل للسلطات، بل لا توجد سلطات أصلا غير تلك المتمركزة في يد رأس السلطة، يتصرف بها حسب الأهواء والنزعات في خرق سافر للنظم والقوانين. وبالتالي لن تكون هناك فائدة لأي هيئة ما لم تستعد الدولة سيرها الطبيعي والمؤسسات وظائفها التقليدية.
بناء على كل ذلك، فإننا نهيب بالشعب الموريتاني وندعو كافة القوى الوطنية من أحزاب سياسية ومنظمات مدنية وتجمعات ومبادرات شبابية لتنسيق الجهود ووحدة العمل وتصعيد النضال، من أجل الوقوف في وجه مناورات الجنرال محمد ولد عبد العزيز وإفشال مخططاته، الرامية الى إثارة الفتنة، والعبث بالدستور ورموز الوطن، والاستمرار في اختطاف الدولة.
28 صفر 1438 - 29 نوفمبر 2016
المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة تكتل القوى الديمقراطية