نحو الإمبراطورية الإخوانية في منطقتنا | صحيفة السفير

نحو الإمبراطورية الإخوانية في منطقتنا

خميس, 01/12/2016 - 11:33

قد بدا لنا في وقت من الأوقات في خضم أحداث السنوات الماضية العجاف في منطقتنا أن مشروع الإخوان المسلمين الذي استثمر في حالات الحراك الشعبي والفوضى المسلحة في البلدان العربية،  انه تلقى ضربة موجعة بعد الإطاحة بحكم الرئيس محمد مرسي، وبعد تراجع حركة النهضة في تونس وصمود الرئيس الأسد في سوريا وانتهاء عصر المجلس الوطني الانتقالي بوابة حركة الإخوان لحكم ليبيا وتقدم تحالف القوى الوطنية بزعامة خليفة حفتر، وكتبت دراسات ومقالات حول هذا الصعود وأثره التراجع ، ولكن هل وصل الأمر حد انتهاء المشروع أم مازال يقاوم للنهوض أم أنه يحقق مكاسب  رغم كل الظروف ؟.

اتابع قنوات تلفزيونية عربية مصرية وسورية تنطلق من تركيا وكذلك ليبية تبث من الدوحة . تخاطب الشعب المصري والسوري والليبي  والشعوب العربية والاسلامية وكلها تقف وراءها حركة الإخوان المسلمين  ، ما من شك أن مضمون الخطاب له أنصاره في هذه الدول وغيرها . القواسم المشتركة لهذا الخطاب رغم تعدد البلدان والمجتمعات واحدة ، وأهمها ما يرتكز على تمجيد تركيا وحزب العدالة والتنمية الحاكم فيها وتحديدا الرئيس أردوغان والهجوم على الحكومات القائمة في هذه البلدان وجيوشها .

 أصبحت تركيا هي نقطة الارتكاز التي ينطلق منها هذا المشروع لمخاطبة المجتمعات العربية وتحريك أنصاره والتواصل معهم. الإعلام الموحد هنا الموجه إلى مجتمعات متعددة والممول بشكل ممتاز ، ليس إلا ركن من أركان مشروع ينشأ ويتشكل ويستفيد من أخطائه السابقة ويتكتل ويتمركز بشكل أكبر .الخطاب الديني عبر مشايخ وعلماء باتوا ينافسون نجوم السينما ، يصدرون الفتاوى ويعلقون على كل الأحداث السياسية  هو ركن آخر في هذا المشروع ، الخطاب الديني أثبت بأنه مازال الأكثر فاعلية في المجتمعات العربية بناءا على تجربة السنوات القليلة الماضية  رغم دخول ايديولوجيات على تاريخ المنطقة المعاصر ،فالمشروع الإخواني بهذا الشكل  يمتلك  الإيديولوجيا الاسلامية الأكثر تماسكا وتأثيرا .

 المفصل الافت  الأكثر ذكاءا  ان الجماعة لم تحصر  العمل على بناء المشروع باعضائها والمنتسبين والإسلاميين عموما  بل أدركت بوقت  مبكر للأحداث الراهنة أن عليها أن تخوض معركة النخب وتستقطب مشاركين من كل التوجهات عبر المال من جهة وبناء مؤسسات إعلامية فضائية وورقية ومواقع الكترونية ومراكز بحثية تستقطب الكفاءات من الإسلاميين وغير الإسلاميين على حد سواء ، بل قد تجد على رأس المؤسسة شخصية ليبرالية لكنها تعمل وفق خط مرسوم لها يصب أخيرا في مصلحة مشروع الجماعة.

يعتمد المشروع على دولتين أساسيتين الأولى توفر الخزان المالي الوفير ، وهذا العامل أساسي لنجاح أي مشروع  وهي قطر ، بينما تملك الأخرى جيشا قويا وبلادا غنية وشبكة علاقات واسعة وتوفر المأوى وحرية الاجتماع والاتصال والتجمع لكل اعضاء و انصار الجماعة من مختلف البلدان وهي تركيا.

تقود أنقرة المشروع  الذي يتطابق مع طموح رئيس الدولة باعادة احياء السلطنة العثمانية على خطين متوازيين  ، الأول في الداخل حيث يؤكد العارفين بالشأن التركي أن الرئيس أردوغان ينشأ كيانا موازيا داخل الدولة ويحاكي طبقا وبدرجة أكبر نموذج (فتح الله غولن)  الذي يعمل على اجتثاثه. كيان يكرس الانسجام بين تركيا الدولة والمشروع الإسلامي ومرتكزه الإخوان المسلمين .

يقول الشيخ المصري  وجدي غنيم ( اخوان)  من على قناة مصرية تبث من تركيا ( ان الرئيس أردوغان حاكم إسلامي يحاول أن يغير تركيا نحو الإسلام ونحن علينا أن نساعده وندعو له كي يتم مهمته) .

الخط الثاني بناء علاقة عضوية مباشرة مع أجنحة  الجماعة في البلدان العربية ، حيث يدين أنصار الجماعة في هذه البلدان لتركيا أردوغان وينظرون إليها على أنها الحاضن و النموذج   ، وهذا ما ظهر جليا في الاحتفالات والحماسه التي شهدتها بلدان عربية بعد فشل الانقلاب في تركيا .  يقول مشير مصري ( القيادي في حركة حماس)  في خطاب في غزة بعد فشل الانقلاب في تركيا ( مستعدون لبذل دمائنا على شواطئ تركيا ).

يمكن أن نعتبر هذا المشروع من أكثر المستفيدين من ضرب تنظيم الدولة ، حيث تزيح الحرب على داعش  مشروعا منافسا من الساحة الإسلامية ، وقد يجده البعض في الغرب والمنطقة البديل الإسلامي المقبول  والبديل  لفكر داعش  ، (رغم أنه اقترب كثيرا من فكر وممارسات داعش)  . ويستفيد المشروع كذلك من اضمحلال التيارات الأخرى وعجزها وانفراط نخبها والمنظرين  لها  وعدم  قدرتهم على بناء خطاب متماسك جاذب للشعوب .

 إنه مشروع أعمق مما نتخيل ، وأذكى مما نقدر ونتصور، صحيح أنه مازال في طور التشكل والبناء عائدا إلى فكرة التمكين ، ولكنه يمضي بهدوء نحو الحلم الإستراتيجي . فهل سينجحون؟ ؟

كاتب واعلامي فلسطيني

كمال خلف