ان الازمة النفطية الخانقة التي تمر بها الأسواق النفطية العربية ولا اقول العالمية سببها الدول العربية المنتجة بزعامة السعودية وان المتضرر الرئيسي من هبوط الاسعار النفطية هي البلدان والشعوب العربية بشكل خاص , اما باقي دول العالم فهبوط الاسعار يؤثر فقط علي صناعة النفط في تلك الدول وليس علي اقتصادها بل علي العكس , هبوط الاسعار النفطية يساهم في نمو اقتصاد العديد من الدول الغربية وذلك لي انخفاض تكلفة التصنيع للعديد من المنتجات لرخص الطاقة المستخدمة في الانتاج وبالتالي زيادة ارباح هذه الدول نظرا لعدم هبوط اسعار بيع المنتجات والتي يكون فيها النفط هو المادة الخام فيكون هامش الربح اكبر لرخص النفط مع الحفاظ علي سعر البيع كما هو قبل انخفاض اسعار النفط . كنا نعلم ان اسعار النفط سوف تهبط نتيجة اختلال ميزاني العرض والطلب وزيادة النفط المعروض (ليصل الي التخمة) في السوق العالمية وكان السبب هو المناكفات العربية داخل منظمة الاوبك واستعراض العضلات لي اظهار القوة العربية النفطية في التأثير علي الاقتصاديات الدولية , لكن اصبتنا الرصاصة التي اطلقنها.
السقوط المدوي للأسعار النفطية والذي حدث بسبب اغراق السعودية لأسواق النفط الدولية بالنفط الخام وغياب أي بوادر من المنتجين لتصحيح الاسعار. بالعكس ما لحظناه وبشكل مؤسف ان السعودية ومعها مجموعة من دول الخليج زادت من الكمية المعروضة في السوق لتهبط الاسعار الي اكثر من ذي قبل. الهدف المعلن في البداية هو اخراج منتجي النفط والغاز الصخري من السوق لان الأسعار المتدنية يعني لا ارباح لهذه الشركات وتعلن افلاسها. اما السبب الغير معلن و لكنه واضح للكل هو ان دول الخليج وبقيادة السعودية ترغب بشدة في اضعاف روسيا و ايران اقتصاديا , لتدخل تلك الدولتين ودعمهما الكبير لحكومة سوريا و لتجنيبهم الاستفادة من اسعار النفط العالية التي قد تساهم بشكل اكبر في زيادة نفوذ وقوة ايران وروسيا او احتمال لعب دور اقليمي في المنطقة العربية وهو ما يحدث بالفعل بشكل علني و مخيف فحكوماتنا العربية هي من ادخل الدول الاجنبية في شؤوننا. ايران الان لها دور اقليمي اكبر من ذي قبل نرى ذلك في عدد من دول الخليج كا البحرين و العراق الذي اصبح اقليم تابع لإيران عقائديا وسياسيا. اما روسيا فهي دولة عظمى حديثة ومتمدنة ولها نهضة علمية وتقنية وان كانت يحكمها دكتاتوريون كما يسميهم البعض , لكنهم استفادوا من اخطاء الاتحاد السوفيتي السابق والذي لعب الاقتصاد دور كبير في انهياره. ان هبوط اسعار النفط حتما لن يخرج روسيا و ايران من المنطقة لكنه حتما سيضعفنا نحن العرب. كل الدول العربية المنتجة للنفط تضررت اقتصاديا بشكل كبير خاصة دول الخليج والجزائر وليبيا إلا ان الاخيرة تمر بأزمة حادة في الانتاج نتيجة الحرب الاهلية التي تدور للسيطرة علي السلطة بعد القذافي , لكن رب ضارة نافعة لان ليبيا لم تبع نفطها برخص الثمن بل انها لم تبع شيئا للأسباب السابقة , لست مع فكرة زيادة الانتاج لتعويض النقص في الدخل نتيجة هبوط الاسعار بل بالعكس يجب تقليص المعروض الي يحدث اتزان في العرض والطلب و يتم تصحيح اسعار النفط.
الاتفاق الذي تم بين منتجي النفط من داخل منظمة الاوبك ومن خارجها بتقليص المعروض من النفط بحوالي 1,8 مليون برميل يوميا , بحيث تقلص منظمة الاوبك 1,2 مليون برميل منها والباقي تتكفل به الدول المنتجة خارج الاوبك سيساهم بشكل واضح في تعافي اسعار السوق النفطية والذي نرجو ان يستمر هذا التقليص الي ان نصل الي اسعار مناسبة لنمونا الاقتصادي وان نتجنب اتخاذ قرارات غير مدروسة بشكل اقتصادي اولا وسياسي ثانيا. منظمة الاوبك تزود السوق النفطية العالمية بحوالي 30 مليون برميل يوميا و باقي الدول المنتجة خارج المنظمة حوالي 60 مليون برميل فكان الاجدر ان تقوم الدول خارج منظمة الاوبك بخصم الحصة الاكبر من السوق ولكن المتضرر هو من يتنازل اكثر غالبا. لقد تنبئنا بان السعودية و دول الخليج وباقي الدول العربية المنتجة ستكون هي الخاسر الاكبر من هذه الخطوة. ان سياسة العناد العربي الغير مدروس قد يقودنا الي الندم الذي اخد منا سنتان لندرك ان ما قمنا به لا يوصلنا الي اهدافنا و انما الي كوارث اقتصادية لنا. ان حجم الخسائر في الدول العربية المنتجة نتيجة هبوط اسعار النفط في السنتان الماضيتان تقدر 300 مليار دولار , من خسر في هذه الحرب البترولية لا يحتاج كلمات مؤاساة لأنها ما كان يجب ان تحدث وكنا اولي بهذه الاموال التي هي من حق الشعوب العربية. ان الانتصار الحقيقي ليس في محاولة افلاس الدول الاخرى التي لا تتفق معها عقائديا و سياسيا انما في الالتفات الي التعليم و التنمية المستدامة والنهوض بالاقتصاد المحلي لشعوبنا علي اسس علمية وتجنب الصراعات السياسية و لنا في الصين و ماليزيا وكوريا الجنوبية والبرازيل واندونيسيا والعديد من الدول التي لم تدخل في حروب وصراعات و انما صرفت الاموال في تعليم شبابها وتنمية اقتصادياتها و حينما حان وقت القطاف ظهرت الي العيان قوتها ومكانتها الدولية جلية وواضحة و اصبحت تجربة العديد من هذه الدول مثال يحتذي به في كيفية النهوض بالدول الغير نامية الي مصاف الدول النامية.
د. جمال سعد اللافي
استاد مشارك في اقتصاديات هندسة النفط