واقعة ضرب الاعلاميين في مصر مدانة، ومرفوضة ، وتشكل صدمة وسابقة ، لكنها تعبر في العمق عن خذلان كبير يشعر به الناس تجاه الاعلام ، وهو شعور لم يعبروا عنه، وفي غمرة غضبهم انفجروا تعبيرا عن كل ما يؤلمهم، وهذا لا يبرر ابدا ما فعلوه.
فان يهجم المتجمهرون حول الكنيسة المستهدفة بعد تفجر ارهابي، على اعلاميين حضروا لمناصرتهم، امر يعد مؤشر إنذار ، ان يعتدوا بالضرب على اعلاميين تلفزيونيين مصريين، واقعة خطيرة وتؤكد عمق جرح الناس
فالناس في “مصر، سوريا، واليمن،..” خذلت خلال السنوات الست الاخيرة ، لم تنتظر من ثوراتها الشعبية في ٢٠١١ ان تنقلب الى فوضى دامية، لم تكن تتوقع وهي تخرج لتغير الأنظمة الفاسد والقمعية، انها ستكون ضحية العنف والفوضى التي ستضرب المنطقة
الناس مازالت في حالة صدمة، مصدومة وموجوعة في العمق، املها مات ، حلمها دفن، وهي وحدها دفعت ثمن حلم نقي، ولا احد يشعر بها
شعوبنا العربية العظيمة ، والتي تؤكد كل يوم عظمتها وصبرها وقوتها، لم تتوقع حالة الفوضى هذه، والتي احدثتها هشاشة الأنظمة المترنحة، فلا هي سقطت ، وتحولت لانظمة ديمقراطية عادلة، ولا هي تماسكت وأمسكت بزمام الأمور .
فسمح الوضع المرتبك، بتنامي جماعات العنف، والارهاب والحرب والقمع، ومليشيا الاجرام والطائفية، من كل التيارات الدينية”الاسلامية “
خاصة ان التيار الاسلامي خلال حقبة الخمسين سنة كان هو عدو النظام العربي اللدود، ووسط الحرب الجديدة ” حرب العنف والارهاب في المنطقة ” سقط الناس وحدهم ضحية
لا سقطت الأنظمة، ولا قمعت مليشيات العنف، ووسط الانهيارات الكبرى ، تحمل الناس وحدهم تبعات الانهيار الاقتصادي، وليس فقط الأمني
فشهور والنَّاس لم تستلم رواتبها في اليمن مثلا ، لا حكومة شرعية مدعومة من الخليج قادرة على إيفاء الإلتزامات التي عليها، ولا حكومة انقلابية قادرة على سد النقص والحاجة
ورغم معاناة اليمنيين الاقتصادية ، تخرج المليشيا الحوثية في كل مناسبة دينية باحتفالات باذخة، اخرها احتفالات المولد النبوي الشريف عليه افضل الصلاة والسلام ، في منظر مستفز ومؤلم للملايين الصامتة والتي خذلتها الحكومة والاعلام والتحالف والمليشيا
كذلك في مصر ، دفع الناس وحدهم ضريبة الإصلاحات الاقتصادية ، ولم يهتم لهم الاعلام ، ومهما كانت اهمية الإصلاحات لم يكن جديرا بالحكومة ترك الناس لمصيرها
ومنع اي صوت ينقل أنينهم ” واقعة مقابلة صاحب التوك توك ” في برنامج اسمه “واحد من الناس″ أوقفت البرنامج ومنعت المذيع “الليثي”
اما في سوريا فالناس ماتت في المحيط، وفشلت المعارضة السياسة السورية بان تكون صوت السورين الحقيقي، واثبتت الى جانب المعارضة المسلحة الدموية ، انها وجه النظام الاخر قمعا وفسادا، وخذلانا للناس، معارضة الخمس نجوم كما ينعتها السوريون ليست اكثر من ظهور مصالح
ووسط كل هذا الظلم وبحور الوجع والالم، خذل الاعلام الناس ، القنوات والمؤسسات الكبرى خذلت الناس، الاعلاميين الكبار والصغار خذلوا الناس، الأعلام الخاص والحكومي كلاهما رفض ان ينقل صوت ووجع الناس
وسط المعركة المحتدمة بين النظام والارهاب ، طبيعي ان يتحيز الاعلام مع النظام ضد الاٍرهاب وجماعات العنف، لكنه ايضا تحيز ضد الناس
شعر الناس انهم ضحية مزدوجة للانظمة والحكومات، والسياسات الدولية، وكذلك ضحية لجماعات الاٍرهاب والمليشيا الطائفية والإرهابية
وان صوتهم لا يغطيه الاعلام، وسط هذه الحرب، سواء سقطوا ضحايا الإصلاحات الاقتصادية او افلاس الدولة، او ضحية التفجيرات الإرهابية او الحرب الطائفية، فهم غير مرئيين في الاعلام .
ان الجنود الذين سقطوا في مدينة “عدن” اليمنية قبل ايام ضحية تفجير ارهابي كانوا ايضا ينتظرون رواتبهم التي لم تصرف منذ اشهر، في وجود هادي وحكومته في عدن.
واما الذين سقطوا في تفجير الكنيسة في مصر، كانوا جزء من مجتمع كامل ضد ارهاب الجماعات الاسلامية، واكد غضبهم من الحكومة والاعلام الموالي، انهم ايضا ضد السياسات الحكومية
الناس تموت، هذه هي الحقيقة المجردة، الحقيقة المبسطة والمعقدة، تموت من الجوع ومن الحرب، ومن الإرهاب، ومن الظلم، لكنها تموت وصوتها مخنوق، ومحرمة حتى من الصراخ، لان الاعلام القوي والمسموع …خذلها
كاتبة يمنية