كلما اقترب مولد المصطفى الهادي-صلى الله عليه وسلم-خرج مُنكِرون منا؛ بدعوى رفض البدع وحماية السنة والثبات عليها، وهي ادعاءات يتقاسم أصحابها غالبا حداثة السن، والتأثر بمناهج وفتاوى ذات بعد حركي فكري موجه خدمة لمنابع فكرية معينة؛
صحيح أن الإسلام يجمعنا،
لكن المُتأثِر والمتأثَر به يدعي كلاهما ذودا عن السنة المطهرة وثباتا عليها،وحصر ذلك في نفسه ومنهجه دون مسالك واتجاهات غيره، ومع أن الخلاف الذي نشأ وينشأ على هامش هذه السجالات والاحتكاكات التي تصل في الغالب إلى صدامات فكرية وعقدية، مما يستوجب إحضار الدليل والاستئناس بالشواهد والرجوع إلى أصحاب الأقدم الراسخة في العلم من العلماء الربانيين، ومعروف بداهة أن حصول الخلاف نافٍ للاجماع، وماكان الاجماع ليطلب بوجود النص الصريح كتابا أو سنة.
إن اختلاف الفقهاء في القضايا الفرعية هِبة ربانية ورحمة بالأمة المحمدية، فعلماء الإسلام متفقون على الأصول مختلفون في الفروع؛ ومؤدى ذلك إلى التأويل والترجيح، واتجاه مفردات اللغة ومدارك الشريعة ومقاصد الأحكام ومناط الأوامر الشرعية؛
ومما لا شك فيه أن متغيرات الزمن تؤثر بشكل تفاعلي إيجابا أو سلبا مع الأحكام الشرعية المترتبة على تغير الأحوال ومعروف أن فقه الحال نصف الفقه.
لم يكن في عهد أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم- ولا تابعيهم ولا تابعي تابعيهم من يخامره أدنى شك في استحالة ظهور من ينتسب إلى المسلمين ويتربى في كنفهم ثم يعمد إلى سب شفيعهم وهاديهم وناشر العدالة فيهم، ولم يكن نشء المسلمين بالذي يتفنن في معرفة أنساب لاعبي كرة القدم والممثلين والفنانين الغربيين وتتبع أخبارهم وملابسهم ووجباتهم المفضلة؛ على حساب معرفة أخبار رسول الله-صلى الله عليه وسلم- وحياته وحياة أصحابه الأطهار وآل بيته.
أما وقد ظهرت اليوم أجيال المسلمين على أبعد ما يمكن مما كان عليه سلفها الصالح من حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث ظهر فيهم سابُّوه بل وسابِّي ربه ومولاه -جل في علاه- ونما فيهم هجران القيم والمثل الإسلامية والجهل الكبير بأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يستدعي أكثر من أي وقت مضى التعريف برسول الله -صلى الله عليه وسلم-وبأخلاقه وشمائله؛ ولا زمان أنسب لذلك من شهر مولده-صلى الله عليه وسلم-الذي ينبغي أن يكون عيدا كله بمفهوم الاستشعار والاستحضار لا على سبيل الإلزام الشرعي كالذي يحصل في التعامل مع العيدين الملزمين شرعا (الفطر والأضحى) واللذين سن الله فيهما صلاة العيدين على يد نبيه-صلى الله عليه وسلم- على سبيل التأكيد، ثم إن الإكثار من الحديث عن مآثر النبي-صلى الله عليه وسلم- و أصحابه في يوم مولده بل في الشهر كله؛ لا ينكره عارف بمقاصد الشرع وسواء عمدنا إلى الاقتداء بمن يذهبون إلى تجزئة البدعة إلى حسنة وسيئة بحسب الطبيعة والمقصد واستقرار المآل أو بدعة واحدة غير مجزءة؛ فإن تعظيم المصطفى -صلى الله عليه وسلم عندما يقع بإخلاص دون ارتكاب للمعاصي؛ لا يمكن لكائن من كان أن يجعله في كفة الشر ؛
زيادة على ما تقدم نذكر أن شيخنا الورع المحبوب العلامة الفهامة محمد ولد سيدي يحي ذكر وزكى أن الاحتفال بالعيد في هذا الزمن الذي يتم فيه الاعتداء على جناب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أصبح مطلوبا أكثر من ذي قبل وتعريف الصبيان به أمر ضروري جدا، وفي الوقت الذي ينكر فيه المنكرون الاحتفال والاحتفاء بمولده-صلى الله عليه وسلم- لا ينكرون الاحتفال بأعياد الأشجار والحجارة وتعظيم شيوخهم وتخليد خصوصياتهم وتحولاتهم والتمظهر بمظاهرهم وتعهد زيهم وطبيعة جلوسهم!؟
وإذا رجعنا إلى العصور المزكاة؛ نجد أن شيخ الشيوخ ونجم نجوم العلم والورع *الإمام مالك* كان يختص حديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- بمالم يثبت عن غيره من أهل العلم؛ كالتطيب والاغتسال ولبس حسن الثياب للحديث الشريف تعظيما لصاحب الحديث-عليه الصلاة والسلام- وهل العيد إلا اغتسال وطيب ولبس حسن الثياب؟؟؟
ثم إن مالكا لم يكن يركب الدابة في المدينة احتراما للنبي-صلى الله عليه وسلم- وتأدبا مع روضته الشريفة؛ كي لا يقع حافر الدابة على موضع فيه أثر رسول الله-عليه الصلاة والسلام-
هذا غيض من فيض وتعلمون أن أجلاء العلماء في أرض شنقيط كانوا يحتفلون بعيد المولد النبوي الشريف ويظهرون الفرح والسرور ويتبادلون الزيارات، وعلى رأس هؤلاء على سبيل الذكر والاستئناس لا الحصر العلامة:سيدي عبد الله ولد الحاج ابراهيم- والعلامة: لمرابط يحظيه ولد عبد الودود- ، ولمن أراد الاستزادة في موضوع الاحتفال أن يرجع إلى ما أفتى به العلامة(أباه) في هذا المجال وكذلك العلامة ولد أحمد مسكة ومن قبل ذلك ما سجل في محاضرات العلامة ولد سيدي يحي عن العيد وما ذكر عن ابن تيمية الذي يستتر كثير من المنكرين للعيد خلف فتاويه وفتاوى تلامذته، وهو الذي ذكر بعد بعد أن أكثر من التشديد على المحتفلين بالعيد في كتابه *اقتضاء الصراط المستقيم*أن الذين يحتفلون بعيد المولد مع أنهم أتوا ببدعة فلعلهم مثابون على نياتهم ومقصدهم في إظهار حبه -صلى الله عليه وسلم- وذكر أن من أحيا ليلة العيد استحضار لما أحدث الله فيها من النعم فلا إثم عليه ولا لوم، ترى هل هناك نعمة أكبر من نعمة مولده -صلى الله عليه وسلم-؟!.
عثمان جدو