تزدحم الأسابيع الأخيرة من كل عام بالمناسبات الوطنية الفلسطينية العامة والمناسبات الفصائلية الخاصة ، كذكرى الانتفاضة الأولى ووثيقة الاستقلال وليس الاستقلال الحقيقي الذي قتله مدعوه اليوم ، وذكرى انطلاقات كل من الجبهة الشعبية وحركتي فتح وحماس . وفي مناسبات كهذه تكثر التصريحات والبيانات وتزدحم وسائل الإعلام بمواقف ،، وابداعات ،، مسؤولي هذه الفصائل والحركات ، واكثر ما يغيضك ويثير حفيظتك ان أغلب المتحدثين يبكون ويشكون غياب الوحدة الوطنية ويتحسرون على المصير الذي آلت اليه القضية الفلسطينية ، في محاولة لتبرير الذات والفصيل ، وكأني والغلبان والمغيب الفلسطيني من يتحمل المسؤولية !! ، وهم الابرياء الأتقياء الأطهار الذين نزلوا للتو من السماء المباركة ،والانكى من ذلك انهم يقدمون انفسهم كقادة ومبدعين ومجددين ، وعندما تسمع وتقرأ ما يقول كل من هؤلاء لا تعرف ما الذي يصيبك او يصيب التلفاز أو الوسيلة التي تقرأ بها ، لأنك تجد نفسك وبعد عناء المتابعة أما امام هتيف مهرج يرقص عل انغام السلطة وامتيازاتها وهرولاتها او باحث عن دور ، أو مزاحم لتناول لقمة من صحن السلطة المسموم اساسا بالمال والقيم الرذيلة ، وليس أمام قائد يبحث عن الحقيقة والحل المأمول للخروج من المأزق الذي تمر به الثورة والقضية الفلسطينية ، يغلف اقواله بالجملة الثورية الخالية من اي مضامين جديدة ، يعلو بنبرة ووتيرة النقد ولكنه في ذات السياق وعلى نفس الأرضية السياسية والبرنامجية، التي اوصلتنا إلى ما نحن عليه من ذل وهوان يتطلب قلب الطاولة للبحث عن برامج وخطط واطباق شهية توضع على طاولة جديدة نظيفة ومتينه وعلى ارضية صلبة .
تجدهم يحدثونك عن ان الوضع الفلسطيني يتطلب وقفة تقييم وعملية مراجعة شاملة وجذرية لمجمل مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، تطال الفكر والسياسة والتنظيم، لأن الساحة الفلسطينية تعيش في خضم أزمة عامة وشاملة تطال كل هذه المكونات كما يقولون ولكن ::
■ دون أن يقول أي منهم بشكل مباشر او شبه مباشر أين مواطن الضعف والخلل بالتحديد ؟؟، ومن الذي يتحمل المسؤولية ؟؟ ويبقى يلف ويدور في العموميات للتعمية والتضليل على حقيقة مواقفه الداعمة لتلك السياسات التي تؤمن له الامتيازات على ما هي عليه ، بما فيها هذا الظهور الإعلامي كبطل وقائد ناقد . فلم نسمع من هؤلاء ،، القادة ،، أي نقد أو طعن لبرنامجهم جميعا ، برنامج حل الدولتين الذي مضى على إقراره والعمل به قرابة نصف قرن من عمرنا وسقط في سبيله عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى ، عدا الأسرى والمشردين والمعذبين بكل أنواع العذاب دون أي جدوى أو أي تقدم يذكر ، بل إلى المزيد من التراجع والانحطاط الذي لا يختلف عليه اثنان ليس من بينهم ابو مازن أو أي من زلمه القبيضه !! ونادرا ما تسمع ملاحظة هنا واخرى هناك على النظام السياسي الحالي الاعفن والأكثر تخلفا ورجعية بعد الأنظمة الملكية الاستبدادية ، وغالبا ما تطال هذه الملاحظات ما يمس أدوار وحصص فصائلهم ليس الا . فالبعض منهم مثلا ضد المحاصصة الفصائلية بين حركتي فتح وحماس وليس ضد نظام المحاصصة الفصائلية الذي دمر كل شيء، وطارد الكفاءات الفلسطينية وحرم الثورة منها ومن طاقاتها الخلاقة ..انهم يشاركون و يصمتون عن نظام سياسي شكل حاضنة وبيئة عفنة وقذرة لكل مظاهر وتجليات الفساد والخراب السياسي والمالي والمجتمعي …
■ دون ان يحمل أي منهم نفسه أو فصيله أي مسؤولية عما حدث ويحدث ، بل يحمل الآخرين كامل المسؤولية وكأنه من عالم وكوكب آخر ، ونشكر الله على انه تراجعت في السنوات الاخيرة مقولة غالبيتهم الشهيرة من ان الاحداث والمعطيات جاءت لتؤكد صحة وصوابية مواقفهم وسياساتهم . وكان الله معهم ولا يسمع من سواهم ، ونادرا ما تسمع من يعترف بأنه وفصيله ،، لم يتمكن لأسباب موضوعيه وذاتية حتى هذه اللحظة من بلورة البديل ،، لاحظ الحرص على ذكر التبريرات سلفا مع انها ليست طوق نجاة .
■ دون ان يمتلك الجرأة والشجاعة لتقديم وطرح بديل استراتيجي قد يخرجنا من المأزق الفكري البنيوي القاتل الذي نعيشه كل ساعة، الأمر الذي يتطلب سعة أفق ورؤيا وشجاعة وثقة بالنفس والامكانيات والطاقات ، وهذا ما يفتقده قادة فصائل اليوم بعد ان تراجعت وتخلت تلك الفصائل عن قيمها وعنفوانها التاريخي .
إن الفلسطينيين وقضيتهم بأمس الحاجة لمن يصدقهم القول قبل الفعل ، ليحدد لهم المسار والطريق الاقصر ، والاكثر امانا والاقل خسارة وتضحيات ، لتحقيق آمالهم واحلامهم بالعيش في وطنهم بعزة وكرامة ، ولن يتحقق هذا الا بتقديم رؤيا وحل جذري للصراع الدامي الممتد منذ عقود المتمثل بحل الدولة الديمقراطية الواحدة لكل مواطنيها ، الخالية من الحركة الصهيونية وكافة قوانينها العنصرية لتحل محلها قوانين الحرية والديمقراطية والتسامح المستمدة من القوانين والقيم السامية التي أقرتها البشرية .
لا نقدم ولا نطالب بحل الدولة الواحدة لسقوط وفشل حل الدولتين فحسب ، وإنما باعتباره الحل الأخلاقي والتاريخي الوحيد القابل للتحقيق والحياة ، رغم رفض ومعارضة إسرائيل له، القادر على كشف حقيقة الصهيونية العالمية وتفكيكها ، وللنخب السياسية والثقافية التي ترفض هذا الحل بحجة عدم واقعيته وقابليته للتطبيق لأن إسرائيل ترفضه . نقول لهم ، منذ متى تطلب تحديد الأهداف الوطنية موافقة الأعداء ؟؟!! ومن ذا الذي قال بان اللحظة السياسية الراهنة وظروفها سلبا كانت ام إيجابا هي آلتي تحدد الاهداف الاستراتيجية العليا ؟. فهذا شأن البرامج السياسية المتغيرة شرط أن لا تفقد بوصلة الهدف الاستراتيجي المحدد .
بدون تبني هدف نضالي واستراتيجية فلسطينية جديدة كهذه الاستراتيجية وبدون بناء نظام سياسي فلسطيني جديد يقوم على انقاض النظام الحالي المغرق بتخلفه ، ويقوم على تمكين وإحلال الكفاءات الوطنية بدلا من الولاءات الشخصية والفصائلية ، نظام يدمر المحاصصة ايا كانت وخاصة المحاصصة الفصائلية ، ويقضي على الفساد والمفسدين ايا كانوا ، ويفتح الطريق واسعا امام الحرية والإبداع والمبدعين …بدون ان يتحقق هذين الشرطين لن تقوم للشعب الفلسطيني قائمة !! .
صابر عارف