نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالة أعدها جون بومفريت الرئيس السابق لمكتب الصحيفة في الصين، استعرض فيها العلاقات الأمريكية-الروسية-الصينية التي شهدتها العقود الماضية.
وجاء في المقالة أنه قبل 45 عاما قام الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون بمحاولة تغيير تشكيلة “المثلث” الاتحاد السوفيتي – الولايات المتحدة – الصين، حيث راهن على القيام باختراق في تطوير العلاقات مع بكين.
وفي يوم 4 فبراير/شباط عام 1972 أجرى نيكسون لقاء مع مستشاره آنذاك لشؤون الأمن القومي هنري كيسنجر، بغية بحث زيارته (نيكسون) المرتقبة إلى الصين.
وقال كيسنجر للرئيس نيكسون خلال هذا اللقاء إن “الصينيين خطيرون مثل الروس على حد سواء، وحتى أنهم في المنظور التاريخي أكثر خطورة من الروس″، وأضاف مخاطبا الرئيس نيكسون أنه بعد 20 سنة فإن “الرئيس الأمريكي القادم، إذا كان حكيما مثلكم، سيعتمد على الروس في سياسته ضد الصينيين”.
كان كيسنجر اقترح على نيكسون استخدام “لعبة توازن القوى” واستغلال التناقضات القائمة بين موسكو وبكين في ذلك الزمان.
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة كانت بحاجة في تلك الأيام إلى الصين من أجل “إجبار السوفييت على تغير نهجهم ومعاقبتهم”.
وذكر بومفريت أن “المثلث” الذي يضم موسكو وواشنطن وبكين ظهر على الصعيد الدولي منذ أيام الحرب الباردة.
وفي خمسينات القرن الماضي حاولت إدارة الرئيس الأمريكي الآخر دوايت أيزنهاور بث الشقاق في علاقات زعيم الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروتشوف والزعيم الصيني ماو تسيدونغ، وذلك عن طريق التقارب مع موسكو.
وبعد مرور 10 سنوات أعاد نيكسون النظر في هذه السياسة والتفت إلى الصين، وبعد 10 سنوات أخرى جازف الرئيس الأمريكي الآخر جيمي كارتر بمحاولة وقف انتشار النفوذ السوفيتي في منطقة جنوب شرق آسيا، حيث أعرب عن دعم واشنطن للتدخل الصيني في فيتنام الذي قامت به بكين بعد زيارة الزعيم الصيني دين سياو بينغ إلى الولايات المتحدة ، وهي أول زيارة لزعيم صيني للولايات المتحدة.
وأشار بومفريت إلى أن سلوك الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب يقول إنه يدرس إمكانية إعادة النظر في السياسة الأمريكية حيال الصين. ودعا ترامب إلى أبداء سياسة قاسية إزاء بكين، وذلك عن طريق تصريحاته ومكالماته الهاتفية.
وكان الرئيس الأمريكي المنتخب قد أجرى اتصالا هاتفيا مع رئيسة تايوان (بمبادرة منها) وذلك للمرة الأولى على مدى عدة عقود. وفي وقت لاحق أعرب ترامب خلال مقابلة مع قناة “فوكس نيوز″ الأمريكية عن شكوكه في صواب تمسك واشنطن بمبادئ سياسة “الصين الواحدة”، التي مارستها الولايات المتحدة منذ الزيارة التاريخية للرئيس نيكسون إلى الصين، فيما اتهم ترامب الصين بارتكابها مكائد تجارية.
وتابع بومفريت أن تصريحات ترامب بشأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تتصف بالإيجابية، وأن موقف ترامب من ضرورة عقد اتصالات مع موسكو تتميز بالإيجابية أيضا.
وذكر بومفريت أن العلاقات الروسية الصينية الحالية تتصف بالطابع العملي، وهما تؤيدان بعضهما البعض في مجلس الأمن الدولي، وتجريان مناورات عسكرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي.
وقد باعت روسيا للصين خلال العقود الماضية كمية كبيرة من الأسلحة تقدر قيمتها بـ30 مليار دولار أمريكي، غير أن الاقتصاد الصيني يتطور بشكل أسرع بالمقارنة مع الاقتصاد الروسي، فيما تسعى موسكو إلى زيادة نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ولافت بومفريت أن “الصين لم تعد حاليا ذلك “المستنقع الفقير” الذي كانت عليه في عام 1872. وردا على مكالمة ترامب مع رئيسة تايوان أرسلت بكين طائرة قاذفة إلى بحر الصين الجنوبي. أما روسيا، فيترأسها الشخص (فلاديمير بوتين) الذي يريد إعادة نفوذ بلاده على المستوى الذي كان ما قبل انهيار الاتحاد السوفيتي”.
واختتم بومفريت بالقول أن رغبة دونالد ترامب في اللعب بـ”لعبة كيسنجر” في ظروف التوازن الحالي تعني أن العالم الراهن لا يمكن التنبؤ به، العالم الذي لا يمكن اعتبار القوة الأمريكية فيه كقوة لا تضاهى ولا يمكن الشك بقدرتها.