لا يمكن تقديم اي قراءة امنية للاحداث الارهابية الاخيرة في مدينة الكرك بعيداً عن سياق الحوادث السابقة التي شهدها الاردن مؤخراً. كذلك لا يمكن استثناء البعد الاقليمي و انعكاساته على ما يجري اليوم على الساحة الاردنية، من الاوضاع العسكرية في سوريا و العراق الى التحولات السياسية في مواقف بعض الدول.
ان انحسار تواجد تنظيم داعش على الارض السورية و العراقية يدفع –بلاشك- بالتنظيم لانتهاج استراتيجية جديدة تعمل على تعويض الخسائر و تعطي الانطباع بأن التنظيم يحتفظ بقوته و مازال قادراً على الضرب في كل مكان. بالتزامن مع ذلك، لابد ان يسعى التنظيم لخلق مناخات جديدة تشكل نقطة جذب لعناصره الخارجة من سوريا و العراق.
القراءة المنطقية لاحداث الكرك تشير الى احتمالية ارتباط هذه العملية بقرار مركزي، اي ان الخلية من الممكن الا تكون خلية فردية بل خلية تعمل وفقاً لمنهجية و استراتيجية التنظيم، هذا ما توضحه شكل العملية و حيثياتها و ما تم الكشف عنه من معطيات و لوجستيات. مكان العملية يمكن ان يؤكد هذه النظرية أيضاً، فلو اتفقنا ان قوات الامن هي المستهدف الرئيسي من هذه العملية الا انها توضح رغبة التنظيم بضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، اي ضرب اجهزة الامن و ضرب الاماكن السياحية ايضاً، وذلك عادة ما يتم لتحقيق عدة أهداف اهمها :
١ الضربة المعنوية للاجهزة الامنية و الدولة باظهار عدم قدرتها على حماية اماكنها السياحية
٢ استغلال سرعة انتشار الخبر في وسائل الاعلام في حال تم الاعتداء على معلم تاريخي و سياحي
٣ احتمال تواجد السياح الاجانب في هذه الاماكن مما يعطي الاعتداء بعداً عالمياً
٤ توجه هذه الاعتداءات ضربة اقتصادية ايضاً للدولة المستهدفة المعتمدة في اقتصاداتها على الدخل القادم من السياحة و تخلق مناخات غاضبة من ابناء المنطقة المتضررين من انقطاع السياحة او من الاوضاع الاقتصادية السيئة التي تواكب مثل هذه الظروف بحيث يمكن استغلالها مستقبلاً.
لهذا فان استراتيجية ضرب الاماكن السياحية هي استراتيجية تجد التنظيمات فيها اليوم الاستراتيجية الاكثر فعاليةً و نجاحاً.
ان انحسار تنظيم داعش في سوريا و العراق و التحولات الاخيرة بعد معركة حلب تضع الاردن في مواجهة سلسلة من التحديات و الاخطار:
اولاً: انتقال المقاتلين من هذه الجبهات باتجاه جبهات أخرى مما يعني ارتفاع احتماليات تنفيذ عمليات فردية و ازدياد الرغبة لدى التنظيم بخلق نقاط ساخنة جديدة.
ثانياً: التحدي الاهم للاردن هو مسار المعارك في سوريا بعد حلب و الذي قد تشير بوصلته الى الجبهة الجنوبية لسوريا مما يضع ضغطاً متزايداً على الحدود الاردنية و يرفع منسوب خطر استهدافها المتكرر. في هذه الحالة تتكرر عادة محاولات ضرب السلم الاهلي و خلق مناخات للنزاعات الداخلية يسعى عناصر التنظيم لاستغلالها و توظيفها لمصلحتهم.
ثالثاً: من الاخطار البارزة في المرحلة القادمة تمثله عملية “التفريخ” المستمر للخلايا المقاتلة و تفعيل الخلايا النائمة التي كانت تعمل بصمت على مدار السنوات الماضية و استطاعت ان تبني شبكات من المتعاونين معها في المناطق التي تتواجد بها.
رابعاً: وصول هذه الخلايا الى مرحلة العمل الفردي، اي ان تصبح بلا رأس نظراً لتعذر تطبيق النظام المركزي و انتظار تلقي الاوامر يمكن ان تسعى هذه الخلايا للتحرك الفردي و الذي يعتمد على عامل المفاجئة و عادة ما يهدف الى الحاق اكبر ضرر ممكن بأقل التكاليف اي عمليات غير معقدة، كاطلاق الرصاص على رجال الامن او ضرب التجمعات المدنية باساليب بدائية.
ان زيادة الضغط على المقاتلين في سوريا و اغلاق الحدود التركية قد يدفع بهؤلاء للسعي لاستهداف اماكن جديدة و البحث عن خاصرة رخوة يمكن استغلالها للهروب من حالة الضغط هذه.
لهذا فان التحديات امام الاردن هي تحديات كبيرة فالانتقال للتعاطي مع التهديدات المباشرة يعني ان الاردن انتقل الى مرحلة المواجهة المفتوحة و المباشرة مع هذه التنظيمات، لهذا فان الاردن مضطر لتغيير نمط و شكل التعامل مع هذه التنظيمات. فالمنحنى البياني للعمليات التي استهدفت الاردن تشير الى تصاعد واضح في نمط العمليات و شكلها و اهدافها مما يعني ضرورة التعامل معها بحزم شديد و باسلوب نوعي يستبق المواجهات القادمة لتفادي اي تهديدات مستقبلية أكثر خطورةً و عنفاً.
د.عامر السبايلة