لا أريد أن أكون متشائما ولا شامتا، ولكنّي أقرأ الواقع الذي يزداد سوءا يوما بعد يوم، فالواقع العربي مُرّ ويزداد مرارة كلّما وقعت مشكلة أو حدث خلاف بين دولة وأخرى في ظل الإرهاب المجنون الذي اكتسح العالم برمّته، وسأكون صريحا معكم، فإن الحذر واجب والحيطة مطلوبة، وليست أيّ دولة عربية كانت أو أجنبية بمعزل عن الأحداث الجارية أو بمنأى أن يمسّها إرهابٌ أو جنونٌ من الشباب الذي لم يعد يفرّق اليوم بين الإسلام دينًا والإسلام عاطفةً، تخبّطٌ لا مثيل له في حياتنا اليومية وفي تعاملنا مع الأحداث الجارية.
فبعد تدمير السودان عبر بوابة دارفور وكوردفان، وتدمير العراق عبر كذبة أسلحة الدمار الشامل ومن خلال إذكاء روح الطائفية المقيتة التي فتّتت العراق إلى أجزاء فصار الكرد لهم دولة والسنة والشيعة تقاتلا كثيرا وربما ما زالا، أحدثوا شرخا كبيرا في وحدة العراق، وحاموا حول سوريا وأرادو بها كيدا من الداخل والخارج بدعوى الحرّية والكرامة وما يسمى بالربيع العربي، وقذفوا في قلوب الآمنين من الناس الرعب والخوف فانهارت سوريا أو تكاد، يأتي اليوم الدور الرئيسي للمعركة ضد الإرهاب ولتحويل المنطقة إلى جحيم من خلال افتعال المشاكل للمملكة العربية السعودية.
ولست ممن يريد السوء لهذه البلاد التي بين جنبيها بيت الحرام والحرم المدني، ولكن المخطّطات العالمية هي التي تُفصح عن وجود مخطط إرهابي مضاد ضد أي دولة تعلن العصيان، بل ضد أي دولة كبرى في المنطقة لها من المخزون والكثير من الثروات، لست متشائما إلى حدّ كبير ولكني أحذّر من هذا المخطط الاستعماري المضادّ، ولعلّ كتاب بروتوكولات حكماء صهيون الذي صدر منذ عقود من الزمان يكشف هذه اللعبة القذرة في منطقتنا وكأنه يحلل استراتيجيات وخططا عمل عليها الأمريكيون والصهاينة منذ زمن لتفتيت الدول العربية التي بدأت ترفع رأسها وتعلن أنها قادرة على المواجهة.
هناك مؤشرات عديدة ومتعدّدة على الساحة توحي بقرب المواجهة مع السعودية، لعل أهمها تورّط السعودية في الحرب على اليمن، كما تورّط صدام حسين حين احتل الكويت مع الفارق، فما أشبه الليلة بالبارحة، فلئن كان تدخّل العراق في الكويت من جانب واحد فإن التدخل السعودي في اليمن جاء بحلف عربي موهن لا قدرة للعرب على المشاركة فيه، فهل حقّا تورّطت السعودية في هذه الحرب؟ نعم لأن اليمنيين لا يسكتون عما حصل لهم ولو بعد حين، وسيشحن الأمريكيون اليمنيين للأخذ بثأرهم كما يفعلون في كل مرة، وسيجوب اليمنيون شوارع السعودية عبر عمليات نوعية تحقق لهم رغباتهم الثأرية، وتصبح السعودية مسرحا للعمليات.
زد على ذلك أظهرت الولايات المتحدة الأمريكة غضبا شديدا على السعودية على لسان رئيسها الجديد دونالد تارمب الذي ما فتئ يكيل لها الاتهامات بأبشع الألفاظ ويعتبرها دولة إرهابية في المقام الأول لأنها تصدّره بل وتموّله وترعاه، وهذه النظرية هي التي تدعم زعزعتها من الداخل عبر فتح قنوات جديدة مثل النغم على الطائفية والمذهبية وتأجيج الصراع بينها وبين إيران، خاصة أن نتنياهو قد يكون اللاعب الرئيسي الذي يلعب هذا الدور بتأييد أمريكي واضح، وإذا نجح في ذلك فإن حربا قد تلوح في الأفق بن إيران والسعودية.
كما أن لها محاولات لدعم المسلحين في سوريا والعراق وربما السودان، ولها تدخلات عنيفة في الشأن العربي كما فعلت مع سوريا على لسان وزير خارجيتها الذي كان دائما يردّد أن بشار الأسد ينبغي أن يرحل بالسياسة أو القوة، هذه اللغة التي كان يتحدث بها عادل الجبير في عهد أوباما لم يعد يستطيع التحدث بها في عهد ترامب الذي لن يفسح له المجال بأن يتجاوز حدوده، إضافة إلى مطالبته لبلده بأن تدفع ضريبة حماية الدولة الأمريكية لها في السنوات الماضية وقانون جاستا الذي يسمح للأمريكيين بمحاسبة السعودية لأنهم يعتقدون أنها متورطة في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
وبعد هذه المؤشرات يبقى على السعودية أن تقرأ جيدا الواقع الذي يسير على غير ما تريد، ويجعلها في مواجهة الأمواج العاتية التي تتوجّه نحوها بقوّة في ظل هذه الأزمات المتتالية، وأن تبحث عن مخارج للخروج من ورطتها القديمة الحديثة خاصة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وتفاقم حالات التذمر داخل المملكة من سوء الأحوال الاجتماعية التي عادة ما تعزف على أوتارها الدول الغربية والأجنبية.
فوزي بن يونس بن حديد