لا ينبغي لمصر أن تتردّد أو تخضع للابتزاز، طبعاً، في مسألة سد النهضة، سواء مَن يبنيه أو مَن يموّله؛ لا أحد يطالبها الآن، "بإعلان الحرب" على الجميع، لكن على الأقل، بناء استراتيجية طويلة النفس متعدّدة الوسائل لإحباط هذه المخطّطات، استراتيجية تبدأ بإعلان "الغضب" والاحتجاج والرّفض، وتوحيد الشعب خلف هذا، وهو مستعد، فقط لتبدأ القيادة ولتتبعها النُخبة . والله المُستعان.
تناقلت أنباء هذا الأسبوع عن قيام مستشار ملك السعودية في الديوان الملكى (أحمد الخطيب) بزيارة موقع سد النهضة الإثيوبى الذي يُهدد مصر بالموت عطشاً (كما سنوضح لاحقاً) برفقة وفد اقتصادي وسياسي عالي المستوى ثم لقائه برئيس وزراء إثيوبيا، وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيانها الذي أزعج الحكومة والإعلام في مصر نصاً: (إن سفير خادم الحرمين الشريفين في إثيوبيا استقبل "الخطيب" والوفد المرافق له قبل لقاء رئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين، ووزير الخارجية الدكتور ورقنة جبيهو وعدد من الوزراء لبحث سبل تعزيز العلاقات بين المملكة وإثيوبيا في كل المجالات، وكان في استقباله مدير إدارة الشرق الأوسط في الخارجية الإثيوبية السفير سليمان ددفو، وعدد من المسؤولين في الحكومة الإثيوبية وأعضاء سفارة المملكة العربية السعودية لدى إثيوبيا"، وتأكيداً لهذا الخبر (17/12/2016) ذكر التلفزيون الإثيوبي أن مستشار العاهل السعودي التقى برئيس الوزراء هيلي ماريام ديسالين، وأشار إلى أنه جرى خلال اللقاء الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة. ودعا ديسالين السعودية إلى دعم سد النهضة مادياً، والاستثمار في إثيوبيا، ووفق وكالة الأنباء الإثيوبية ، أجرى (الخطيب) مشاورات مع وزير الخارجية ورقنة جبيهو، أشار خلالها إلى" أن المستثمرين السعوديين يرغبون في العمل في إثيوبيا في المجالات الاستثمارية المختلفة ".
هذه الزيارة وما جرى فيها أزعجت المسؤولين المصريين وحرّكت آلة الإعلام الرسمي والمستقل، وأيقظت حقيقة الغضب المصري من نظام آل سعود وأثبتت للكثيرين مُجدداً كراهية بعض أنظمة الخليج التاريخية لمصر التي لا يريدون لها خيراً، يريدها – البعض - تابعاً ذليلاً وليس أخاً شقيقاً وهي كراهية تاريخية متأصّلة والإضرار بمصر في ملف المياه وسد النهضة هو أحدث فصولها (وهي كراهية بالمناسبة سبق أن تحدّثنا تفصيلاً عنها في مقالنا عن " عقدة الدرعية " لدى آل سعود تجاه الشعب المصري والمنشور على موقع الميادين في 24/11/2016 وأثار ردود فعل واسعة وحظي على قرابة الـ4 آلاف قراءة).
هذه الزيارة الملتبسة والاتفاقات التي تمت فيها فضلاً عن الدعم المالي (يقال 13 مليار دولار) للإسراع في الانتهاء من بناء السد والاتفاق على مشاريع الطاقة والكهرباء والزراعة من خلاله؛ تزامنت مع زيارات لمسؤولين إسرائيليين اقتصاديين وعسكريين، وتلت الزيارة الشهيرة لنتنياهو في صيف هذا العام (2016) وما نتج منها من اتفاقات سريّة جديدة بين الحلفين التاريخيين (الإثيوبي والإسرائيلي) على حساب الدولة الأكبر والأهم على حوض النيل؛ مصر!!.
ونعود إلى زيارة (مستشار الملك) لنجد أن ردّة الفعل المصرية هذه المرة اتّسمت بالغضب الواضح وليس بالتردّد كما سبق في المرات السابقة، فهذا هو وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام يعتبرها سابقة خطيرة بل ومكيدة سعودية تضرّ بـ92 مليون مصرى (تصريحاته في المصري اليوم 18/12/2016) ويؤكّد أن زيارة المسؤول السعودي لـ(سد النهضة) تأتي استكمالاً للطموحات السعودية بالاستثمار في إثيوبيا لمجموعة من المشروعات الزراعية، يرعاها أحد كبار المستثمرين السعوديين، وهو محمّد العمودي، خصوصاً في منطقة سد النهضة، مشيراً إلى أن الاستثمارات السعودية في إثيوبيا تتجاوز 13 مليار دولار، أغلبها في مشروعات زراعية يتم تصدير منتجاتها إلى السعودية خصوصاً زراعات الأرز.
ولفت الوزير الأسبق إلى " أن السعودية تخطّط للاستفادة من سد النهضة في توصيل الكهرباء إلى السودان واليمن، في إطار دعمها الدولتين على حساب المصالح المصرية، مشيراً إلى أن ما تقوم به المملكة هو تحرّك خاطئ، وستكون له ردود فعل غير إيجابية ولا تصبّ في مصلحة علاقات القاهرة والرياض، وقد تكون سبباً في زيادة التفرقة".
أما الدكتور هاني رسلان نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فيرى "زيارة السد لها بعد سياسى وتعدّ "إشارة" إلى القاهرة بأن المملكة دخلت في مرحلة جديدة من العلاقات، وأنها تجاوزت كل الخطوط الحمراء، وتقف مع أديس أبابا في قضيتها ضدّ القاهرة".
"إن المملكة – وفقاً لرسلان - بهذه الزيارة وصلت إلى مرحلة الانتقام، رداً على تفسير خاطئ من الرياض بأن الرئيس عبدالفتاح السيسي تخلّى عن السعودية في مواقفها ضدّ النظام السوري، وهو تفسير غير عاقل وغير مُتزن ويعكس حالاً من اليأس وفقدان البوصلة".
"وأكد أن الخطوة التي اتخذتها المملكة نحو تعزيز العلاقات مع إثيوبيا في قضية بهذه الخطورة، في إشارة إلى الخلافات حول سد النهضة، لأنه موقف يمسّ كل الشعب المصري – تشير إلى أنهم لا يقدّرون المواقف بشكل صحيح، وأن تحرّكاتهم غير محسوبة وأنهم فقدوا الاتّزان خاصة مع سياسة الأمير محمّد بن سلمان وليّ وليّ العهد السعودي، التي تتّسم بالرعونة في تناول القضايا الخارجية".
وكان الموقف الرسمي المصري غاضباً ولكنه نقل غضبه إلى القنوات السريّة وإلى الفضاء الإعلامي، في محاولة للرد على مخاطر هذه التحرّكات والاتفاقات السعودية التي تستهدف الأمن المائي المصري عمداً، تعطيش مصر شعباً وأرضاً وإظلامها بإنهاء دورها في توليد الكهرباء، حين يساهمون في بناء سد النهضة الذي يهدّد (حصّة مصر المائية) وربطت الخارجية المصرية بين هذه الزيارة وزيارة أخرى سابقة قام بها وزير الموارد المائية السعودي (المهندس عبد الرحمن عبد المحسن الفضلي فى 10/11/2016) واستقبله فيها وزير الزراعة والموارد الطبيعية الإثيوبى (د. إياسو ابراها) ووزير الثروة الحيوانية والسمكية (فقادو بيني)، وعقدوا اتفاقات عدّة جميعها تتصل بشكل مباشر (أو غير مباشر) بالإضرار بحصة مصر من المياه، وتدعم المشاريع المؤديّة إلى ذلك الإضرار وفي مقدمها مشروع سد النهضة.
حول هذه التطوّرات دعونا نسجّل ما يلي:
أولاً : السؤال الذي يلحّ على المراقب، بعد هذه الزيارات والاتفاقات لكل من (السعودية) و(إسرائيل) ناحية هذا السد.. لماذا تغضب مصر من هذه الزيارات والاتفاقات بين الدول حتى لو كانت دولاً عدوة لها ؟ بعبارة أخرى هل ثمة أضرار واضحة تخشاهاا مصر من دعم هذه الدول لبناء سد النهضة ؟ وما هي المخاطر التي تتخوّف منها مصر من هذا السد، ومن عمليات الدعم الواسعة، لبنائه سواء من دول غربية أو من دول خليجية (السعودية) أو إسرائيل، الإجابة تقول وباختصار أن مصر تتضرّر من أن حصتها من المياه والمقدّرة (55.5 مليار متر مكعب) سوف تنخفض مباشرة بمجرّد البدء في ملء خزانات المياه لهذا السد مع يوليو 2017 لتصل إلى ما قيمته 18 مليار متر مكعب الأمر الذي يهدّد قرابة 5 ملايين فدان مصري بالبوار، مع انخفاض في توليد الطاقة والكهرباء من السد العالي بما قيمته (4500 جيجاوات) أي بما يعادل 37% مع حدوث عجز كلّي في توليد الكهرباء ليصل إلى 41 عاماً مع آثار أخرى أشد خطراً .
ثانياً : من الآثار الخطيرة أيضاً والتي تعلمها جيداً السعودية وإسرائيل، وتم إبلاغهما رسمياً من قِبَل وزارتي الخارجية والري المصريتين بهما منذ سنوات، أن هذا السد والذي سيبدأ امتلاؤه وتخزينه بالمياه في يوليو 2017، سوف يكون بمثابة كارثة علىى مصر، ومع ذلك هم ذهبوا ليدعموه ... فلماذا ؟ الإجابة سنؤجّلها قليلاً، لنحاول استجلاء الجوانب الكارثية لهذا السد من واقع دراسة متميّزة للدكتور جمال صيام نشرت في 10/1/2016 وحملت عنوان (الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المُحتملة لسد النهضة الإثيوبي وانعكاساتها على مستقبل الزراعة المصرية) من بين ما جاء فيها أن سيناريوهات عدّة ومن بينها ما تصرّ عليه إثيوبيا غالباً من أنها ترغب في تخزين المياه خلف سد النهضة في أقل من 3 سنوات وليس 6 سنوات كما طالبت الدول المحايدة، وأن قصر هذه المدة يعنى الجفاف لمصر، وأنه سيناريو سيّئ جداً وهنا يقول د. صيام : (إذا ما قرّرت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد في ثلاث سنوات فقط فسترتفع الكمية المحجوزة سنوياً خلف سد النهضة إلى 24.7 مليار م م نصيب مصر منها 18.5 مليار م م سنوياً ترتفع إلى 25.5 مليار م م سنوياً في حال الفيضان الضعيف.
الأمر الذي يعنى تبوير 4.6 ملايين فدان أي أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية. أما بالنسبة للتوزيع الجغرافي للمساحة الزراعية المفقودة فيتوقّف على أي المناطق أكثر تضرّرا من غيرها نتيجة لنقص المياه سواء في الأراضي القديمة أو الجديدة . ومن المتوقّع أنه سيكون لوزارة الموارد المائية المصرية دور فى إعادة توزيع الكميات الواردة على مختلف المناطق آخذة في الاعتبار العجز الإضافي في الموارد . ومن حيث المبدأ قد يحدث الفقد بصورة رئيسية في أراضي محافظات شمال الدلتا . وسوف تتضرّر الأراضي القديمة بشكل أكبر من الأراضي الجديدة ، نظراً لأن الأولى تستخدم طريقة الري بالغمر والثانية تستخدم طرق الري الحديثة . وجدير بالملاحظة أن الضرر الناشىء عن نقص المياه في منطقة معينة إما يأخذ صورة تبوير كامل للأرض الزراعية وهذا يمكن أن يحدث في حال الانقطاع الكامل للمياه ،أو يأخذ صورة تبوير جزئي للأرض الزراعية كأن تزرع شتاء ولا تزرع صيفا.وهناك صورة ثالثة أن تتم زراعة الأرض زراعة كاملة ولكن المحاصيل لا تحصل على كامل احتياجاتها المائية ما يؤثر سلباً على الإنتاجية الفدانية.وفي جميع هذه الصوَر يصبح تجريف الأراضي الزراعية والتغوّل العمرانى عليها أمراً واقعاً.ومن الصعب حينئذ استعادة خصوبة الأراضي إلى ما كانت عليه) .
أما بالنسبة إلى الإنتاجية الزراعية وتأثيرات سد النهضة عليها فيتوقع أن تنخفض لأكثر من سبب ، الأول نتيجة لقصور المياه عن استيفاء الاحتياجات المائية للمحاصيل ، والثاني هو تدهور نوعية المياه بسبب زيادة درجة الملوحة ، وزيادة معدّل تدوير المياه . في المجمل إذا كان الناتج المحلي الإجمالي حالياً يبلغ 250 مليار جنيه مصري ، فإن قيمة الفقد في الإنتاج الزراعى تتراوح بين 42 و 80 مليار جنيه في السيناريوهين الأفضل والأسوأ على الترتيب .أما في ظل السيناريو الأكثر سوءاً على الإطلاق فينخفض الناتج الزراعي إلى النصف. ويتوقّع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجّه إلى الاتّساع بشكل جوهري نظراً لأن محاصيل الحبوب وهي عصب الأمن الغذائي سوف تتأثر سلباً بدرجة أكبر بالمقارنة للزروع البستانية ، وتتركّز محاصيل الحبوب في منطقة الدلتا التي ستضرّر أكثر من غيرها من المناطق الزراعية .
أما عن الآثار الاجتماعية فإن السد سوف ينشئ ظروفاً غاية في الصعوبة لقطاعات عريضة من السكّان الريفيين خاصة في المناطق المتضرّرة بنقص الموارد المائية. وبصفة عامة يمكن تقدير عدد السكّان الزراعيين المضارين بشكل تقريبي .وذلك على أساس أن العدد الكلّي للسكّان الزراعيين 40 مليون نسمة يتعيّشون على المساحة الزراعية الإجمالية البالغة 9 ملايين فدان ، فتكون حمولة الفدان من السكّان 4.4 أفراد ، أي أن كل مليون فدان يعول 4.4 ملايين نسمة.وفي حال السيناريو الأول (أي طول فترة تخزين المياه خلف سد النهضة لأكثر من 6 سنوات والتي سيتم فيها فقد 1.6 مليون فدان) يفقد 7 ملايين نسمة مصدرر دخلهم الرئيسي ، أما في حال السيناريو الثاني (أقل من 6 سنوات تخزين مياه) فيزيد عدد السكّان الزراعيين الذين يفقدون مصدر دخلهم إلى 12.8 مليون نسمة . وفي السيناريو الثالث (3 سنوات) وهو السيناريو الإثيوبي الذي تدعمه السعودية وإسرائيلل مالياً وبوضوح كامل؛ فسوف يقود إلى زيادة عدد السكّان المتضرّرين الفاقدين لدخولهم 20.2 مليون نسمة أي نصف عدد السكّان الزراعيين. وسينشأ عن هذه السيناريوهات – كما تذهب دراسة د. جمال صيام الخبير المائي والزراعي المعروف - مشاكل خطيرة تتعلق بالهجرة الريفية المتزايدة إلى المدن وارتفاع معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة قد تكون سبباً في خلق قلاقل اجتماعية على نطاق واسع) !!.
ثالثاً : أما لماذا تموّل السعودية وإسرائيل – سواء بالتنسيق والقنوات السريّة بينهما وهي موجودة منذ الملك المؤسس عبد العزيز وحتى اليوم وأصبحت الآن مكشوفة أو بشكل غير مباشر، (نرجو مراجعة دراستنا الموسّعة والمعنونة بـ " أولاد العم المطبعون .. التاريخ السريّ للعلاقات السعودية الإسرائيلية 1939 – 2016 " ونشرها العديد من الصحف والمواقع وهي الآن على موقع مركز يافا للدراسات والأبحاث www.yafacenter.com) إن الإجابة عن سؤال لماذا موّلت السعودية وإسرائيل هذاا السد، هي وباختصار، محاولة جديدة لتركيع مصر وإخضاعها للقرار والإرادة السعودية والإسرائيلية في تنفيذ ما يطلبانه فيي المنطقة حتى لو تعارضت مع الأمن القومي المصري.
إن السعودية وبشكل واضح تريد من مصر دوراً أكثر تورطاً في سوريا واليمن وفي مواجهة إيران وتريد لمصر دور التابع وليس الدولة المستقلة ذات القرار السيادي الحر، هي لا تريد مصر الدولة الشريك ولكن الدولة المطيعة، إنها عقلية " الأعراب " لا " العرب "، ولأن مصر، حتى لو أراد حكّامها عبر التاريخ أن يهادنوا (آل سعود)، ويخضعوا لإرادتهم بعض الوقت فهم لا يقدرون على الاستمرار فى ذلك طيلة الوقت، ولا يريد شعبهم ذلك، حتى لو بدا أن هناك نخبة خائبة وخائنة لهذا الإحساس المصري بالكرامة (مثل تلك النخبة التي تجالس السفير السعودي كل شهر في صالونه الوهمي على ضفاف النيل ولم تردعهم فضح وثائق وكيلكس لهم ولدورهم !!)، وعندما فشلت السعودية في ترويض الدور المصري، خاصة بعد ثورة 30/6/2013 بدأت في سياسات الابتزاز والخنق الاقتصادي والتي كانت أولى خطواتها وقف مد مصر بالبترول عبر شركة أرامكو للنفط وفق الاتفاقية الرسمية الموقّعة بين البلدين؛ ثم قيام الرياض بتمويل سد النهضة ومشاريعه بـ13 مليار دولار أخطر حلقاتها، ولكن يبدو أن هذه السياسة سوف تنعكس سلباً على السعودية بسبب قصر نظر مَن يقودها " الأمير محمّد بن سلمان" وليّ وليّ العهد [ شوف الديمقراطية (وليّ وليّ) والتي تصادر على حق أجيال قادمة في اختيار "الولّي" !! ثم بعد ذلك يطالبون بتطبيق الديمقراطية في سوريا .. طيّب طبقّها على نفسك الأول !!].
أما إسرائيل، فهي بحُكم علاقاتها التاريخية مع الدولة الإثيوبية منذ هيلاسلاسي مروراً بقضية يهود الفلاشا، والأساطير التاريخية التي تحكم هذه العلاقة والتي تقول في بعض بنودها أن الدم اليهودي يسري في عروق (منليك) أول حاكم إثيوبي وأنه ينحدر من نسل النبي سليمان عليه السلام، وتتضافر مع هذه الأسطورة لبناء العلاقات التاريخية مع محاولة تطويق مصر بحزام معادٍ لها من الجنوب لتحقيق مصالح لإسرائيل ومن بينها توصيل المياه إلى النقب ومحاصرة المقاومة وشل فاعلية دورها القومي منذ أيام عبدالناصر وحتى اليوم، والمعروف أن هذه السدود التي تبنيها إثيوبيا بدأت بدراسات مشتركة بين إثيوبيا والصهاينة والأمريكان خلال الفترة (1958 – 1964) وكان يشرف عليها مركز الاستصلاح (USBR) التابع للحكومة الأمريكية وهذه الدراسات حدّدت 27 موقعاً لبناء السدود ومنها (سدود كارادوبى – سوباكو – مانديا وسد النهضة) إلا أن قوة عبدالناصر والخوف الإثيوبي من ردّة الفعل للجيش والمخابرات المصرية أوقف مشروع سد النهضة، والذي يتم الآن إحياؤه بالمال والدعم الإسرائيلي والسعودي ، إن الهدف هو تطويع الإدارة والقرار المصريين لصالح كلتا الدولتين، ولمصالحهما وما أغرب ما سنشاهده خلال الأيام القادمة، من تحالفات بين دول في المنطقة، يبدو على السطح أنها متباعدة لكن المصالح جمعتها، ومن هذه الدول إسرائيل والسعودية، ومن بين ما جمعها (وهو كثير بالمناسبة) كراهية مصر، ومحاولة إذلالها وتطويعها للقيام بأدوار تخالف أبسط مبادئ أمنها القومي، وأبسط حقوقها التاريخية ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
أمام هذه التطوّرات، لا ينبغي لمصر أن تتردّد أو تخضع للابتزاز، طبعاً، في مسألة سد النهضة، سواء مَن يبنيه أو مَن يموّله؛ لا أحد يطالبها الآن، "بإعلان الحرب" على الجميع، لكن على الأقل، بناء استراتيجية طويلة النفس متعدّدة الوسائل لإحباط هذه المخطّطات، استراتيجية تبدأ بإعلان "الغضب" والاحتجاج والرّفض، وتوحيد الشعب خلف هذا، وهو مستعد، فقط لتبدأ القيادة ولتتبعها النُخبة . والله المُستعان.
رفعت سيد أحمد