من أقوى وراء الشاشة: ملك الأردن أم ميركل؟ | صحيفة السفير

من أقوى وراء الشاشة: ملك الأردن أم ميركل؟

سبت, 24/12/2016 - 17:14

في الكرك، يختلف الأمر عن الدنيا كلها، فأهل الكرك (ما ينداسلهم طرف، ما يرضوا بالحيف) ولذلك لم يكن غريبا أن تراهم على الشاشات يهرعون للذود عن حياضهم بالأسلحة والشباري والنخوات المتأججة… ليس طمعا بجاهة فيسبوكية إنما هي غريزة وطنية متأصلة في الدم… و(لِدّ عليي) أيها المشاهد، إياك ثم إياك والسواليف الألكترونية، لن ينوبك منها سوى التشبير، والإشاعات، والتحريض المبطن الذي يهيء إليك غلبة سكان المواقع الاجتماعية على القوى الأمنية، فهل حقا غلبوا؟ أم أن «داعش» لم تكن سوى فقاعة اختبار الكترونية للحمة الأردنية؟ أم أن تحديث المعلومات والتحفظ عليها بيد الملك وحده؟

تلولحي يا دالية

أن تكون حرا في التعبير عن رأيك فهذا من حقك، خاصة أنك كعربي، لم يكن مسموحا لك قبل عهد الفيسبوك أن تتحدث بكل هذه البحبوحة الاجتماعية، وأن تخرج من مصباح علاء الدين كمارد الكتروني، لا تمثل بين يدي المخابراتيين على طريقة «شبيك لبيك»، ولكنك تحس بوجودهم على طريقة «إبليس بعرف ربو بس بتخابث عليه» و(قَوّك) أيها المواطن الألكتروني… ليس أمامك بعد الآن سوى أن «تبل رأسك لو حلقوا لغيرك»، أو أن «تحيد عن الراس وتذرب»، فالحرية في هذه الظروف ليست كافية، ولا حتى النخوة، هناك ما هو أهم من حريتك، وأكثر ضرورة من نخوتك، إنه الأمن الوطني، ويثبت قولي هذا المؤتمر الصحافي الذي عقده الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، الذي حذر من مغبة تداول الشائعات وتسريب المعلومات والوقوع في فخاخ اللايكات والبوستات الملغومة، مشددا أن مركز إدارة الأزمات برعاية الملك عبد الله الثاني أرسل أكثر من ستة وخمسين ألف رسالة هاتفية للمواطنين الأردنيين، يحذرهم فيها من التجمهر في أماكن الحدث، وتعطيل العمليات الأمنية حرصا على سلامتهم وانجاز المهمة.
عرض المومني لفيديو مسجل يوضح للصحافيين حجم الصعوبة التي واجهتها قوات الدرك الأردني في وقف سير العمليات لصد تدافع الجماهير، ثم رأينا كيف احتوى أبطال الأمن الأردني أهل الكرك، ولم يهينوا فزعتهم، لكن المشكلة في مواقع التواصل الاجتماعي كانت بتغييب الدور الأمني والانهيال عليه بالنقد والتقصير وإيغار الصدور ضده، فلماذا يصبح التفريغ الألكتروني في هذه الأحداث العصيبة والحساسة «لولحة» على طريقة «تلولحي يا دالية»؟ من الذي يستغل الارتباكات الأمنية للزحف والتمدد عبر الثغرات الألكترونية ليبث سمومه ويتخبط بأحقاده مثل «المدومغ»، الذي أصابه مس؟

حزن الأردنيين المقدس

لم تكن صدفة أن تتفرقع داعش في أكثر من ناحية كلعبة نارية في احتفالات الميلاد، ففي حين يظهر قاتل السفير الروسي كحارس شخصي مخترقا كل الاحتياطات الأمنية، وفي حين يستطيع سائق الشاحنة في برلين أن يفر من الدنيا بأسرها ومن كاميرات برلين وجيشها وأمنها، ينجح الأردنيون وحدهم بالقضاء على خفافيش الظلام، دون أن تكون للتلفزيون الأردني يد في هذا النصر، بل إن قناة الوكيل الإخبارية على الفيسبوك وتلفزيون وسط البلد كان لها الأثر الأكبر في المتابعة الآنية والنزول إلى أرض الحدث وإن كانت تغطياتهم مرتجلة تفتقر إلى التنظيم والروية، ويفترض بهذه الأجهزة أن تكون مستعدة مسبقا لهذا النوع من الحوادث، فالمنطقة ملغومة والأردن يتعرض منذ زمن لمحاولات داعشية باختراق حصنه الأمني المنيع، والعالم كله في حالة طوارئ تأهبا لهكذا مواجهات خاصة في الأعياد، ولكن ورغم ذاك يظل الوكيل جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية الإعلامية، وحارسا أمينا لها في المسرات والشدائد، لم يهنها بغيابه أو تجاهله أو تقاعسه… بل احترم شجاعتها بشجاعته.

سوادة الوجه وتجار الإخص

بدا المشهد عاطفيا حين صعدت أرواح رجال الأمن لباريها، إلى الدرجة التي دفعت البعض لتداول فيديوهات مفبركة لأم شهيد قيل إنه أحد شهداء القوى الأمنية، و«خذلك شطح»، انهالت التعلقات واللايكات والبكاءات بالألوف، قبل أن يصدر بيان بعد دقائق من أهل الشهيد يوضحون فيه أن الفيديو لا يخصهم وأن الشهيد الذي يمد كفه لأمه لتخضبها بالحناء، ليس هو شهيد الكرك… ( يا سوادة الوجه)!
الشراهة التي تنتاب البعض بتلقف المعلومات الخاطئة لمجرد حشد اللايكات، لا يمكن أن تكون أقل خطرا من الاختراقات الأمنية للدواعش، فخطر المعلومة يشوه الحدث ويحرف الفكر ويتلاعب بالوعي والإحساس بما يثير عواطف مجانية ويبتذلها إذ يسخرها لفبركات بعيدة تماما عن الحقيقة، ثم أنه يستهلك الطاقة الوطنية والهمة الوجدانية في تسال الكترونية، تقتات على حزنه المقدس فتحوله إلى فتات على الفيسبوك، فالفبركة الدعائية أحد أساليب الإرهاب الالكتروني الذي يشكل وباء عصريا جديدا: الانتشار والاشتهار ولو على حساب أبناء السماء «الشهداء» ويا عيب الشوم ممن يهينون كرامة المعلومة لـ(تجار الإخص) لتصبح الأكاذيب أهم من الحقائق التي تغدو مثل «صابونة الميت منين ما تمسكها بتمزط»!

يسلم راسكو

تداول الناشطون على «اليوتيوب» فيديو لشقيق أحد شهداء الأمن الأردني ، يعترض فيه على أداء التلفزيون الذي أثبت تفوقه في محضر الغياب، في حين يهرع الغرباء إليك من كل حدب وصوب وهم ينادون عليك باسم محافظتك، كـ «شوفيرية السرفيس»، أو «كونترولية الباصات» في مؤسسة النقل العام، فما الذي يمكننا أن نقدمه لتلفزيون مهترئ شعبيا، ومحنط رسميا، سوى ما يليق بالجنائز، يا أيها الشعب: إكرام الميت دفنه… ويسلم راسكو!

روق يا برقوق

اللعب في الماء العكر يبدو عكرا أكثر من مائه، واستعراض الحميات الوطنية على حساب الاتزان الذهني والمهني في ظروف داعشية كهذه، ليس سوى عبء آخر يضيفه بعض الصحافيين إلى سلة الأعباء الأمنية بعد داعش ومواقع التواصل وحضور التلفزيون الأردني كشاهد «ما شافش حاجة»، ومن يعود للمؤتمر الصحافي الذي عقده المومني ويستمع إلى مداخلة صحافية أردنية تطلب من الأمن أن يراعي النخوة الكركية، ولا يقلل من شأنها، يعرف تماما أن الجهل فن، ففي حين يركز المومني على سلامة المواطن ويدعو إلى اتباع التوجيهات الأمنية، مع تقدير الدولة لنخوة الأردنيين والتفافهم حولها، تأتي بعض الأصوات لتشوش على الفكرة الوطنية بممارسة فصل «أبارتهايد» وطني بين الدولة والمواطنين، وتخلق جوا عدائيا من العبث والفراغ لتبرهن على وطنيتها!
المومني كان هادئا ومتوازنا ولم تستفزه هذه المحاولات التي تجاهل استطراداتها، معطيا المجال لغيرها، وهي حنكة تحسب له، لأنني لو كنت محله لخرجت عن النص الملكي، وغمزت من وراء الشاشة: رووووق يا برقوووووق! وبس.

كلمتان خلاوي وراء الشاشات

عداك عن أن الشعب الأردني صعب المراس ولا يسهل للإرهابيين إخضاعه لفكرهم الظلامي، فإنه عنفواني يقاتل في سبيل كرامته على طريقة «عنب الدروز: كل حبة برصاصة»، فعناده هو يقظته، وجهازه الأمني يشبهه، ويعبر عنه، وقد يكون تحديث المعلومات في جهاز إدارة الأزمات الأردني من أهم الضرورات للتحفظ عليها، رغم إلحاح الصحافيين في المؤتمر للحصول على جديد، إلا أن صرامة الكتمان كموقف وطني عكست نشفان الرؤوس الرسمية وتماهيها مع مواطنيها.
وقد أكد المومني على تولي الملك شخصيا إدارة هذه الأزمة دون أن يضطر لخوض لعبة الكاميرات، كما فعلت ميركل التي كانت ترصف الزهور في مكان الحادث في حين لم تقو كل أجهزتها المخابراتية على القبض على الإرهابي أو قتله أو حتى اقتفاء أثره، واكتفت بمشبوه بريء يدغدغ أحلام الضحايا!
أثبت الملك الأردني، أنه جدير بمسؤولياته، وأن جهازه الأمني وشعبه هما الوجه الإعلامي الحصين له، وأن دولة مثل الأردن ليست في حاجة إلى شاشة وطنية تعكس صورة الوطن إنما إلى متحدثين ومواطنين بإمكانهم أن يجتذبوا كل شاشات الكون لالتقاط صورة سرية للانتصار، كما حدث مع المومني، الذي طالب القنوات بقطع البث لأنه يريد أن ينفرد بالصحافيين «بكلمتين خلاوي» فكانت «العربية الحدث»، أول من استجاب!
حسنا إذن، القوة ليست تلك التي تتخذ من الشاشة مرآة بل تلك التي تختبئ من المرايا لتغزو الشاشات بالظلال وحدها، وهو ما يرفع الحرج عن التلفزيون الأردني الذي يتعامل كمن بها حياء مع المصائب.

 

 

لينا أبو بكر/ كاتبة فلسطينية تقيم في لندن