القراءة الروسية للمشهد الليبي راهناً | صحيفة السفير

القراءة الروسية للمشهد الليبي راهناً

أربعاء, 28/12/2016 - 10:20

يري العديد من المراقبون أن وقوف روسيا الاتحادية خلف المشير خليفة حفتر – الذي باتت تصفه التقارير الاستخباراتية الغربية برجل ليبيا القوي- قراءة أكثر عمقا من نظيرتها الاوروبية والأمريكية التي راهنت علي تيارات الاسلام السياسي المعتدل(وتحديدا الاخوان المسلمين)أمام موجة الغلو والتطرف

 الي احكمت سيطرتها علي مناطق عديدة في ليبيا.
يذهب الباحثون والمراقبون والمتتبعون للأزمة الليبية التي نشبت منذ الاطاحة بنظام الراحل معمر القذافي إلي إرجاع سبب إخفاق كافة محاولات التسوية و الوفاق بين الفرقاء الليبيين المتصارعين طيلة السنوات الستة الفائتة الي عوامل جوهرية نوجزها علي النحو التالي:
1. أن كافة تلك اللقاءات والحوارات تمت بين فصائل وأطراف فبراير المتنازعة علي الشرعية والسلطة والنفوذ، وبهذا تم تحييد قرابة نصف الشعب الليبي الذي لا زال علي ولائه للنظام السابق. وإخراجهم من اللعبة السياسية، هذا الأمر الذي حرصت عليه قوي دولية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وأخري إقليمية كتركيا وقطر والإمارات والسعودية،يعد تكراراً للتجربة الفاشلة في العراق لإجتثاث البعث وتحييد رجالات نظام صدام وتكنوقراطيو الدولة العراقية، مما أدخل العراق في نفق مظلم لازالت تتخبط في دياجيره منذ 13 سنة!
2. التركيز علي الواجهات الحزبية والإعلامية الفبرايرية (وبعضها رؤساء احزاب منتسبيهم لا يتعدون المئات وليسوا اعضاء في البرلمان ولا قواعد انتخابية او شعبية لديهم فضلا علي انه لا قوات لديهم علي الارض!).
3. سيطرة تيارات الاسلام السياسي (الاخوان / المقاتلة) علي نصيب الاسد في مخرجات اية تسوية بما فيها حوار الصخيرات(في حين أن آخر إنتخابات في العام 2014 لم تتعدي نسبة الاخوان المسلمين 12,7% من عدد مقاعد البرلمان ورغم قوتهم التنظيمية فلا مليشيات لهم علي الارض،والمقاتلة الليبية عجزت عن الحصول علي مقعد واحد في البرلمان ومع هذا لديها سيطرة كبيرة علي اجزاء عديدة في الغرب الليبي بما فيها العاصمة طرابلس نظرا لامتلاكها مليشيات مسلحة علي الارض)... سيطرة الاسلام السياسي علي مخرجات اي حوار سببه الدعم الغربي وتحديدا الولايات المتحدة وبريطانيا.
4. تجاهل المعطيات علي الأرض، فالذين يحاورون ليسوا هم من يسيطرون علي الارض،لذا لم يتم تنفيذ أي من مخرجات إتفاق الصخيرات حتي الآن وعجزت حكومة الوفاق الوطني (أي أهم مخرجات إتفاق الصخيرات) عن تحقيق أي من المستهدفات المتفق عليها حتي الآن.
5. إسبعاد أهم القوي الفاعلة علي الارض، كقادة جيش الكرامة الذي يسيطر علي نصف ليبيا ويتبعه البرلمان الشرعي والحكومة المؤقتة! فأي تسوية تستبعد المشير خليفة حفتر– الذي أضحي الرقم الأصعب في المعادلة الليبية – لن يكتب لها النجاح.
6. إشراك دول كتركيا والامارات وقطر والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وايطاليا في الحوار وهم جزء من المشكلة وليسوا قطعا جزء من الحل.
7. طبيعة الرعاة والوسطاء: فالكثيرون من الليبيين ولا سيما أنصار النظام السابق لا يثقون في الامم المتحدة ولا الاتحاد الاوروبي ولا حتي الجامعة العربية.
من هنا بات المهتمون بالشأن الليبي علي قناعة بأن أية تسوية أو إتفاق يراد له حل الأزمة الليبية لا بد أن يرتكز علي منطلقات ثلاث:
1. أن يكون بين أطراف الصراع الحقيقية أي أن يكون بين الفبرايريين والسبتمبريين مع مراعاة موازين القوي علي الارض التي حتما تميل لصالح الفبرايريين – هذا منطق السياسة وليس منطق المغالبة – ولإنجاح هذا الامر لا بد من تجسير وإعادة الثقة المفقودة بين الطرفين عبر بوادر حسن نية من الطرفين حسب جدية ومسعي المشاركين.
2. أن يكون اللقاء او الحوار او التسوية داخل ليبيا في إحدي المدن الآمنة في الجنوب الليبي الذي همشته الاحداث وأضحي نهبا للاستقطاب الحاد بين برقة وطرابلس.
3. تجاوز ثنائية سبتمبر/ فبراير: فمعظم الليبيين سبتمبريين كانوا او فبرايريين (بإستثناء فصائل المليشيات المسلحة المستفيدة من الانفلات الامني والوضع المتدهور حاليا ) باتوا علي قناعة بضرورة تجاوزهذه الثنائية المسئولة عن حمام الدم الذي أدخلت فيه ليبيا عنوة ويتطلعون الي بناء ليبيا جديدة لا هي إمتداد لسبتمبر ولا هي وليدة لفبراير،بل دولة مدنية تصون الحقوق ويتساوي فيها الجميع تحت مظلة القانون وتكون صناديق الاقتراع هي الفيصل والحكم.
حاليا تراهن روسيا الاتحادية علي المشير خليفة حفتر كحالة وسطية فرغم كونه إحدي مخرجات فبراير إلا أنه إستطاع أن يكون حالة وسطي بين سبتمبر وفبراير مما مكنه أن يجمع أنصار الفئتين ببراعة ضمن قواته ومناصريه،وتؤكد المصادر القريبة من المشير حفترعلي رفضه القاطع حتي الآن التعاطي السياسي مع الأزمة الليبية ورفضه بشدة تكوين أي جسم سياسي او إعلامي يستثمر المكانة والانتصارات التي حققها المشير علي الارض في حربه ضد الارهاب في المنطقة الشرقية. إلا إنني كمراقب سياسي ومتتبع للشأن الليبي أري في رفضه هذا قصور نظر ستترتب عليه تبعات قد تطيح بالمكاسب التي حققها علي الأرض.
شتاء 2017 في ليبيا سيكون ساخنًا والأحداث ستتلاحق بوتيرة تشي أن تنازع الشرعية بين حكومات ثلاث سيغدو جزءً من الماضي وستتجاوز الاحداث حكومة الوفاق الوطني التي تلفظ أنفاسها الأخيرة وسيتعاظم دور الجنوب في صناعة الاحداث بعد أن ظل حكرا علي برقة وطرابلس.
حفظ الله ليبيا من كل مكروه.

د.الحسين الشيخ العلوي