الإسلام ليس الإجرام: ضد إيذاء المسيحي | صحيفة السفير

الإسلام ليس الإجرام: ضد إيذاء المسيحي

سبت, 31/12/2016 - 12:54

أنا لا أحد. لست وزيرة ولا مديرة ولا أميرة ولا رئيسة مؤسسة ولا أمثل إلا نفسي كمواطنة عربية وكاتبة، وبالتالي، وبهذه الصفة، أحب أن أعلن غضبي واحتجاجي على التفجير الإرهابي الذي استهدف الكنيسة البطرسية في القاهرة للعرب المصريين المسيحيين وتسبب في قتل عشرات المصلين وجرح آخرين. كان ذلك قبل عيد الميلاد بحوالي أسبوعين، وكنت خائفة من تقديم المتفجرات في الكنائس كهدية مسمومة في «عيد الميلاد» بدلا من تقديم التهاني للعربي القبطي أو الصمت وعدم الأذى في أسوأ الحالات. ما الذي يحدث لنا؟ وكيف يتوهم بعض «المتأسلمين» أن من واجبهم الصعود إلى الجنة قتل مسيحي، ويدفع ببعضنا إلى ذبح كاهن فرنسي في كنيسته في وطنه! ما الذي يشوهنا إلى هذا المدى؟
شاهدت البارحة على شاشة التلفزيون الفرنسي عراقيا مسيحيا يقول إنه اضطر للهجرة بعد إحراق كنيسته وتهديده بالقتل إذا لم يرحل. وتأثرت بلوعته وأكتب اليوم انطلاقا من حزنه، ولأنه يتم (تهجير) المسيحي بالإرغام من أقطار عربية هي وطنه بقدر ما هي وطن المسلم.

الدكتور صباح قباني و(بورتريه) أبي

والدي كان مسلما حقيقيا وفي ظله كبرت. ولهذا يزداد استنكاري لهذا الاعتداء وسواه، المخزي لكل مسلم ما دام قد تم تحت زعم راية (الإسلام). كان والدي يؤذن للفجر في الجامع القريب من بيت جدي في دمشق خلف الجامع الأموي وهو فتى، وذلك قبل ذهابه إلى المدرسة. وفي كتاب مذكراته روى الدكتور صباح قباني (الأخ الأصغر لنزار) في الفصل عن «أصدقاء العمر» حكاية عن أبي لم أكن أعرفها وهي أنه حين كان طالبا للدكتوراه في الجامعة في باريس قام مجانا بتسجيل أسطوانة الأذان لإحدى شركات الأسطوانات الفرنسية بعدما احتال عليهم أحد «المتأسلمين» وتقاضى المكافأة قبل أداء الأذان وهرب بالمال. وخوفا على سمعة المسلمين كما ذكر د. قباني ناب والدي عنه مجانا! ولكن والدي هذا كان يصطحبني في عيد الميلاد المجيد إلى بيوت جيراننا المسيحيين في «الشام» والأصدقاء كآل شباط وشلهوب وعنحوري وزريق وعشي، كما كنا نذهب إلى «القصاع» و»باب توما» حيث الأكثرية المسيحية. وهكذا كانوا في دمشق يربون أولادهم على احترام الآخر. وهذه هي العلاقات الإسلامية المسيحية كما عرفتها.. واتفق بلا تحفظ مع قول د. فايز رشيد: «المسيحيون العرب هم جزء رئيسي من مكونات أمتنا العربية» ويذكّرنا برفض الخليفة عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة القيامة خوفا من استغلال ذلك فيما بعد لإقامة مسجد في مكان صلاته. فمن هم أشباه الأئمة الذين يزرعون هذه الأفكار الجهنمية في عقول الشبان ويدفعون بهم إلى القتل وزرع الخزي في نفوس الكثير من المسلمين وأنا منهم؟ أليس ذلك السلوك هو المسؤول الأول عن «الإسلاموفوبيا» العصرية التي يعاني منها كل مسلم مغترب أو سائح أو طالب والتي كانت مؤخرا وراء إحراق جامع مسلم في فرنسا بعد إشعاله بأوراق القرآن الكريم؟ وها هو صحافي ألماني كبير نيكولاوس فيست يشبه الإسلام بالنازية، مطالبا باغلاق المساجد في ألمانيا!! فيكف نقنعه بأن الإسلام ليس الإجرام؟

الدين لله والوطن للجميع

لم نكن نصنف الناس انطلاقا من دينهم بل من أخلاقهم ومعاملتهم (والدين المعاملة) أيضا. وكانت جدتي الشامية العتيقة تردد مثلا شاميا: كل واحد على دينه، والله يعينه!
ولم نكن (نفتح) حروبا انطلاقا من المذاهب.. بل كان الهاجس تحرير فلسطين.
وكنا نذهب لزيارة «ستي زينب» (سنّة وشيعة) دون أن يأتي مقاتل من لبنان (لحمايتها)! ولي صديقات عديدات منذ أيامي في الجامعة الأمريكية لم يخطر ببالي القيام بترصد بوليسي لدينهم.. فالدين للخالق والوطن العربي لأبنائه كلهم.. وأعرف أن ما تقدم مما كتبته ينتمي إلى فصيلة أبجدية منقرضة في عصرنا لكنني أكتبه دونما حرج.. وأحب تذكير من يتوهم أن كل من ليس مسلما هو بالضرورة كافر بأقوال القرآن الكريم: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله»، وقوله تعالى «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون»..
بل إنه جاء أيضا «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».. و»لا إكراه في الدين» فماذا يحدث لنا اليوم؟ ولماذا يتوهم البعض أن العربي المسيحي كافر ويفجر مكان عبادته بدلا من احترام طقوسه وأماكنه للعبادة أو على الأقل عدم إيذائه؟

الفظاظة والاستكبار و»الاستقواء»

أعترف أنني طوال عمري أنفر من الخطاب الديني المزود بأسلحة الفظاظة والأصابع البوليسية المكهربة ولغة الاستكبار والاستقواء.. وجاء في القرآن الكريم: «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». وكل محايد ينفر من الفظاظة لأنها اعتداء على مربعه الإنساني..
ولكن بعض الذين وظفوا أنفسهم باسمه تعالى يقترفون ذلك كما لو كان حقا مكرسا لهم.. لأنهم يتخذون من الدين ذريعة لتنفيذ مخططات سياسية..
لا أريد أن تصير تحيتنا لجيراننا المسيحيين «الموت لكم» بدلا من «السلام عليكم»… فحصتهم في الوطن كحصتنا تماما. أما الفظاظة وغلظة القلب التي تزرع (بأدوات العصر) المتفجرات في أماكن عبادة الآخر فيرفضها المسلم قبل المسيحي.. لأنها الجاهلية الجديدة.
وجاء في حديث نبوي مدعوم بالسند والنص أن جنازة مرت برسول الله فنهض واقفا فقيل له «إنها جنازة يهودي» فقال «أوليست نفسا؟» هذه هي أخلاق الإسلام كما أعرفها.

 

غادة السمان