لماذا العدوان على اليمن والتآمر على سوريا يُمثلان أكثر السقطات العربية إنحطاطا؟ | صحيفة السفير

لماذا العدوان على اليمن والتآمر على سوريا يُمثلان أكثر السقطات العربية إنحطاطا؟

اثنين, 02/01/2017 - 13:12

المفكرون والمثقفون الأُصلاء هم الذين يحاصرون الكراهية والمذهبية والعنف ويعملون بمختلف الوسائل على مراقبة الأحداث وتوعية المجتمعات والدفاع عن مظلوميتها والمساهمة في تشخيص الأمراض التي تُعاني منها وكشف الرواسب الخسيسة التي دفعت وتدفع ببلداننا إلى هذه الوحشية والسوداوية ومشاعرالاخفاق العميقة.

 كثيرا ما رددنا عبارات إن مجتمعاتنا بحاجة ماسة إلى إنقاذها وإعادة وضعها في المدر الطبيعي وتحصينها من الحروب والتمزُّق والطائفية والنوازع الشريرة وكل ما له صلة بإقتناء وإستعادة آلة الموت كقوة وخيار وحيد نؤمن به كوسيلة مشروعة ومُثلى للتخلص من بعضنا البعض في مجتمعات العربية التي فشلت إلى اليوم في تقديم النموذج الجيد والضمانات والأفكاراللائقة التي ستُحدُّ من هذه الجنائزية والتفتُّت .

وأنا أكتبُ هذا المقال تواصل معي الصديق والمثقف اليمني/ القاضي يحيى الإرياني محافظ إب السابق، ووفاني بمقال مهم جدا للكاتب الفلسطيني القدير/ أكرم طه جزءمن الأفكاره التي تضمنها كانت تجول في خاطري، وقد تحدث فيه بوجدان وفكر الإنسان الشاهد، صاحب الضميرالحي والقلب المكلوم بسبب ما وصلت إليه أمتنا من تفسّخ وإنحطاط وإقتتال وبؤس.

وهنا أقولُ:ماذا صنعت الأمة العربية – بالفعل – للشعوب المذبوحة كالشعبين اليمني والفلسطيني ،كيف واجه  المثقفون والمفكرون والسياسيون ورجال الدين والتجّاروالمتخمون بأموال النفط والغازبراكين الجهل والطائفية والتعصب والتكفير والعجز والتهجير والحصار ؟

ماذا صنع العرب للشعب اليمني أمام رياح الفاشية العاتية التي تُدمره وتُحاصره وتعتدي عليه منذُ عامين ، ماذا قدّموا له وهو يُجوّع ويُذل ويُسحقُ ويفقد تعايشه ومصادر رزقه ومواطنته وتعايشه في بعض أجزائه؟

ماذا صنعت العروبة لشباب وشابات فلسطين الذين يقتلهم الإسرائيليون بمجرد وضع أيدهم في جيبوبهم لتدفئتها من الصقيع؟

لم تعد الذاكرة ملعونة كونها تضعنا أمام جراحاتنا حيثُ تشاء ،كما يرى الروائي الكبير واسيني الأعرج ، وإنما الحاضرهو الملعون والضمائر الميتة والقلوب المقفلة والإحاسيس المتبلدة هي الملعونة.

من يستطيع يجيبنا بشفافية: من الذي يقتل اليمنيين جهارا نهارا ، وأين العرب وقيم الإنسانية والدين مما يجري لأطفاله الذين لم يأبه أحد لجوعهم وأنين قلوبهم وغناء أرواحهم المجروحة وأجسادهم الممزقة ؟

من يستطيع أن يوثّق لنا مسيرة تضامنية واحدة مع الشعب اليمني خرجت في أي عاصمة أومدينة عربية ولو من باب إسقاط الواجب بعد صلاة يوم جمعة خلال (650) يوما ؟

من يستطيع أن يوافينا بنصف دقيقة واحدة لخبر ثانوي بثته إحدى القنوات العربية الرسمية – بإستثناء القنوات السوربة – تنقل فيه الحقيقة وتقول إن السعودية والإمارات والعرب يقتلون اليمنيين هكذا بتلك الطريقة التي حدثت في الـ8 من اكتوبر2016  في القاعة الكبرى؟

 من يُعطينا موعدا لليوم الذي سيلتفت فيه العرب والعالم لما يجري في اليمن، من يقول لنا متى سيأتي اليوم الذي سيزيل فيه العرب عن عيونهم هذه الأغطية ويكشفون أستار وأقنعة العار ؟

وحدتنا الاجتماعية والوطنية والنفسية تمزّقت، مقابرنا أمتلأت بالشهداء ،تراثنا دُمّر، عروبتنا أصبحت شماعة لقتلنا،أصالتنا تحولت إلى مصدر للتآمر علينا ،إيماننا بقضيتنا جريمة،دفاعنا عن النفس عمالة لإيران، بنادقنا اليدوية أسلحة خطيرة ومحرمة تُهدّد مكة المكرمة ،بينما قنابلهم العنقودية والفسفورية السامة التي يقصفوننا بها على مدار الساعة حلال وباقات ورود ومحبة.

الجميع مشارك بقتلنا في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين وغيرها،بهدف خلق مجتمعات محطّمة ،جائعة ،محرومة ،مقهورة ممزقة؟

والسؤال هنا : هل يا تُرى يسعد هذا المثقفين والسياسين والمفكرين وأصحاب شعارات العروبة ، هل يُسعدهم أن أحزاننا أكثر من أفراحنا،وبكاءنا أكثر من ضحكاتنا ، وقتلانا أكثر من مواليدنا ،وليلنا أطول من نهاراتنا، وجوعنا أكثر من شبعنا ، وما يفرقنا أكثر مما يجمعنا بسببهم ؟

وهل يُعجبهم أن كثيرا من المناطق في هذه البلدان تحولت إلى فقاسات للإرهاب والطائفية، وصارت في نظر الآخرلعنة ومصادر للجهل والموت؟

وهل يُشرف عربيا واحدا أن جوازات سفرنا في مطارات العالم  يتعاملون معها كطرود مشبوهة ،وملامحنا ككائنات منبوذة، وفصائل دمائنا مكروهة ووحيدة ولا تنبطق على أي فصائل أخرى في المجتمعات البشرية المتحضرة ؟

وهل تُدرك السعودية بأنها خسرت اليمن وخسرت حربها فيه  وقتلت شعبا عربيا ،عزيزاوسندا لها وحولته إلى أطلال وخراب وفوضى وجغرافيا منسية ؟

وهل يُدرك شركاء الحرب والفوضى في هذه البلدان أنهم ذبحوا وشردوا جيلا كاملا وفرقوا بين الزوج وزوجته والأمهات وأطفالهن والأخ وأخيه والأب وأبنائه  ؟

وهل يُدرك الإخوة في الخليج إن التمزُّق سيطالهم وأن هذه الخطابات والمبررات كلها صارت بائسة،يائسة،لا معنى لها لدى السواد الأعظم في هذه المجتمعات التي تكابد التأرّق والتحرُّق الذي فُرِض عليها؟

وهل يُدرك هوءلاء أننا الذين بقينا نقاوم هذا البؤس والضلال والظُّلم والعدوان والحرمان لم نعد نثق بهم ، وأننا قد صرنا نخشى بشدة على كياننا ووجودنا كأمة عربية،ظلت طوال قرون تحاول إستعادة شيء من مفقوداتها وتتخلص من جهلها وهوانها وعصبيتها وتفككها،وصولا إلى مقاومة الإستعمار بكافة أشكاله وألوانه وصوره ومنظريه؟

الخلاصة:

 لكم نحن بحاجة لِمن يسمعنا ، لكم نحن بحاجة إلى آلية وصيغ جديدة ،إلى مثقف ملتزم ، مخلص لأمته، إلى سياسي حر،شريف منتمي للحقيقة والمستقبل، إلى نُخب تُدرك معنى الوحدة والعدالة الاجتماعية  وإحترام الآخر والقبول به وبمبدأ التعدُّد والتنوّع الخصب في إطار القُطر الواحد والأقطارمجتمعة .

لا مزيد من تساؤلات الوجع .

فقط، بقي أن أهنئكم بمناسبة العام الميلادي الجديد ..كل عام وأنتم بألف خير.

عبدالكريم المدي