التحول اللافت في شكل العملية الارهابية التي نفذها داعش في اسطنبول خصوصاً من الجانب التقني و التكتيتي يشير الى انتقال تنظيم داعش لتبني اسلوب متقدم أكثر تعقيدا و يمكن تصنيفها على انها احدى نماذج العمليات الاستخبارية في شكل و اداء العملية، خصوصاً في قدرة منفذ العملية على تنفيذ العملية في توقيت مهم “احتفالية راس السنة” بالرغم من التحذيرات التي تم اطلاقها و من الاجراءات الامنية التي تم اتخاذها لمواجهة هذا الخطر. اما النقطة الاخطر و التي تشكل سابقة جديدة هي ان منفذ العملية لم ينتهج نهجاً سابقاً كتفجير نفسه او القتال في المكان حتى تتم تصفيته بل استطاع الانسحاب و التواري عن الانظار الى اليوم.
هذه المعطيات تفتح باب الاسئلة على مصراعيه، بالتحديد حول التحديات الامنية التي تواجه و ستواجه تركيا و دول أخرى مستقبلاً. خصوصاً ان فرضية تنفيذ عملية بهذا الحجم في مكان سياحي معروف بالرغم من اتخاذ كافة الاجراءات الامنية يشير الى قدرة اختراق عالية سواء للمنظومة الامنية او المجتمعية. ان قدرة شخص على تنفيذ مثل هذه العملية لابد ان تشير الى وجود عوامل مساعدة و حواضن داخلية تعمل على تسهيل كافة مراحل العملية: الوصول و تنفيذ المهمة باسقاط الهدف و الانسحاب و الاختفاء.
الضربة التي توجه الى تركيا اليوم تأتي في وقت تعيد تركيا فيه صياغة مواقفها السياسية و تبدأ معه عهداً من التحولات ظهرت بوادرها بانهاء معركة حلب و الانتقال الى مرحلة الهدنة في سوريا و الدور التركي عن جلب كافة الفصائل الى طاولة الحوار.
الضربات الامنية المتوالية تأتي أيضاً في فترة تمر فيها المنظومة الامنية التركية بمرحلة اعادة الصياغة و الترتيب بعد عملية الانقلاب الفاشل و التي تزيد من مهمة و قدرة مواجهة الارهاب صعوبةً و تعقيداً، عداك عن الصراع السياسي و المناخات السلبية التي شكلتها السياسة التركية في السنوات الاخيرة بحيث زاد عدد الاعداء و قل عدد الاصدقاء و الحلفاء.
تركيا التي كانت تحاول جاهدة ان تتعافى من مسألة انقطاع السياحة التي بدأت مع سقوط الطائرة الروسية و انقطاع الوجود السياحي الروسي، و النتائج السلبية لعدد من الهجمات الارهابية التي استهدفت سياحاً اوروبيين و من ثم تفجير مطار اسطنبول، كلها محطات عززت مسألة انقطاع السياحة لتأتي هجمات اسطنبول الاخيرة لتوجه ضربة حقيقية للسياحة و الاقتصاد التركي المستنزف مؤخراً بشكل كبير. هذه التطورات لابد ان تؤثر ايضاً على مشاريع استراتيجية تركية كبيرة خصوصاً في قطاع المواصلات و المطارات و التي كانت تسعى لتحويل تركيا الى نقطة الجذب الاكبر في اوروبا ذلك ان مسألة غياب الامن التي يتم تجذيرها الان ستخلق واقع جديد من العزلة يصعب تجاوزها مستقبلاً، فالامن الذي يتم بناءه عبر سنين طويلة يمكن خسارته في شهور قليلة خصوصاً عندما يتحول المدنيون -و ليس فقط الاجهزة الامنية- الى الهدف الرئيسي للعمليات الارهابية.
القراءة الامنية لعملية اسطنبول تشير الى تحول لافت في طبيعة العمليات التي ينفذها تنظيم داعش و التي مازالت تدور في فلك العمليات التقليدية لكن ببعد تقني اكثر تعقيداً و تخطيطاً، مما يعني ان العالم قد يكون على موعد مع عمليات اكثر تعقيداً و تطوراً في الايام القادمة.
د.عامر السبايلة