لا جدال في أن مجتمعنا يشهد في الآونة الأخيرة مستوى متطورا من انتشار الجرائم بشتى فصائلها وتمثلاتها الجسدية والأخلاقية والمالية والعِرْضية بحيث إن المتابع لما ينشر في الإعلام يخيل إليه أن الأمان والإيمان والأمانة وكل مشتقاتها هي حالة الاستثناء، ومقابلاتها من القتل والنهب والاغتصاب
والانحراف والترويع هي الحالة العادية وهو الوضع الذي يفرض على المجتمع والسلطة تلافي الأمر المنفلت بتحديث الترسانة التشريعية وإحداث الحماية والأقضية للناس بقدر ما أحدثوا من الفجور.
غير أن أي تفكير في ذلك الاتجاه لا ينطلق من القيم والمبادئ الإسلامية التي هي المصدر التشريعي الأول للدولة والمكون الأساسي لمرجعيات المجتمع هو ضرب من الانحلال والجريمة في حد ذاته في حق الأمة والمجتمع المسلم.
يثار الآن الحديث عن مشروع قانون النوع الذي تعتزم الحكومة عرضه على البرلمان، ودون تعمق في خلفياته ومنشئه وسمعته السيئة عند العارفين وما يسعى إليه لو طبق من إعادة صياغة مفهوم الأسرة على أسس مستوردة من بيئات مختلفة تمام الاختلاف ... ستنصب ملاحظاتنا السريعة وقراءتنا لبعض مواده على جانبها الفقهي للوقوف على مدى ابتعادها عن نص الشرع وروحه، وسنتناولها تباعا كما يلي:
المادة 7 :
"الاغتصاب كل فعل أدى إلى اختراق للفرج أو المخرج أو الفم مهما كانت طبيعته، مرتكب كل شخص دون رضاه بعنف أو إكراه أو تهديد أو مفاجأة.
يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من يرتكب جريمة اغتصاب على امرأة، دون المساس عند الاقتضاء بعقوبة الحد والجلد إذا كان المرتكب أعزب، وإذا كان محصنا يتم النطق بالإعدام وحده."
1. لم يقل قائل من المسلمين إن اختراق الفم بالإكراه أو التهديد يدخل بأي معنى في الاغتصاب أو الزنا أو يعاقب عليه بعقوبة محددة فتلك بداية تعطي صورة عما بعدها.
2. عقوبة الاغتصاب التي يمكن أن تنزل إلى الأشغال الشاقة فقط تساهل لا يتناسب وحجم هذه الجريمة وبشاعتها وانتشارها في البلاد كما لا يتناسب مع فكرة القانون نفسه الذي يرفع شعار حماية الطبقات الضعيفة المرأة القصر الموظفات العاملات ذوي الاحتياجات الخاصة وهؤلاء هم حطب هذه الجريمة وضحاياها.
3. لقد كان السبق لأئمة الفقه المالكي في التعرف على تكييف الاغتصاب وإعطائه حده المناسب كما فعل ابن العربي أيام توليته القضاء من إيقاع حكم المحارب على مرتكبي جريمة الاغتصاب قائلا: لو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج .
4. التفريق بين المغتصب البكر (الأعزب بعبارة القانون) والمحصن أمر لا معنى له ما دام النظر الفقهي الإسلامي السديد لا يقتصر على اعتباره حقا شخصيا للمغتصبة وإنما هو حرابة وقطع طريق وتهديد لأمن المجتمع وكيانه فيستوي صدوره من بكر أو محصن.
المادة 9
1. جاءت لنقض المادة 307 من القانون الجنائي لكنها تعثرت بسوء الصياغة الشكلية والمغالطة قبل أن تصل إلى المضمون.
2. عرفت الزنا بأنه: "وطء بمغيب حشفة في فرج الأنثى برضاها خارج إطار الزواج" ، وهذا كذب على الشرع لأنه يخرج الوطء بملك اليمين الذي سوته آية سورة المؤمنون بالنكاح ووصفت ما وراء ذلك بالاعتداء، وحتى إذا سلمنا بعدم الحاجة إلى تقنين أحكام ملك اليمين في عصرنا لعدم توفر شروطه فالخطأ باق لان التعريفات كما هو معروف مبنية على الاستقصاء في جانبي المنع والجمع، كما أن هذا التعريف يخرج الوطء بشبهة ويعتبره زنا معاقبا عليه وقد درأت الشريعة الحدود بالشبهات ورفعت الإثم عن المخطئ.
3. كشفت المادة عن وجهها القبيح حين اخترقت جدار قانون العقوبات الذي كان المجتمع المسلم يتعلل ببقاء الأحكام الشرعية فيه ولو على الورق فقط في انتظار أن تأخذ السلطة قليلا من الشجاعة لتنفيذها، فخيرت المادة القاضي هنا بين أن يحكم على الزاني "بمائة جلدة أو بالحبس لمدة سنة إذا كان أعزبـ(ا)"، (وبالمناسبة الثابت لغةً : العَزَب وهو الرجل الذي لا أهل له، فليس هو بمعنى البكر كما تقول المادة) ، فالمادة إذن تريد أن تكون عقوبة هذه الجريمة المدمرة التي هي حماية لاثنتين من الكليات الخمس تساوي عقوبة من استعمل اسما كاذبا أو صفة غير صحيحة لإثبات وجود مشاريع لا أصل لها في الحقيقة، أو من حاول رفع سعر المواد الغذائية أو الأسمدة ، أو من سمم حيوانات أهلية (المواد 376-390-428 ق ج) وفي ذلك من تسوية المختلفين وتشجيع إشاعة الفاحشة في المؤمنين ما فيه.
4. الفقرة قبل الأخيرة تقول: "غير أن الحكم بالإعدام جلدا حتى الموت سينطق به على مرتكب الزنا سواء متزوجا أو مطلقا"، هل سمعتم بنص قانوني يراد له أن يفصل في النوازل والمعضلات يصل لهذا المستوى من الركاكة وضعف البناء " الإعدام حتى الموت"؟ هل يتصور إعدام بدون موت؟ هذا إذا تجاوزنا الخروج على الحكم الشرعي المنطبق الذي هو الرجم والتعبير الذي التقت عليه الأحاديث الصحيحة بوصفه بالمحصن.
5. ثم إن القوى التي تقف وراء هذه القوانين لم تنقم من الرجم إلا أنه عقوبة غير إنسانية حسب فهمها تطيل مدة إزهاق الروح، فليت شعري كم يستغرق إزهاق روح إنسان عن طريق الجلد بالسوط ؟.
المادة 10 :
"يعاقب بالإعدام كل من ارتكب جريمة زنا المحارم".
وصف الله الزنا بأنه فاحشة وإثم وسبيل سوء ويزداد فحشه إذا كان مع ذي محرم أو زوجة جار او نحو ذلك، لكنه مع ذلك لم يرتب على تفاوت شناعة الفعل تفاوتا في العقوبة وبقي المعيار الوحيد للتفريق هو معيار الإحصان أو عدمه كما هو معروف متفق عليه.
المادة: 11:
يعاقب من شهرين إلى 5 خمس سنوات سجنا كل زوج سبب بإرادته ضربا وجروحا أو مارس العنف على قرينه، سواء كان بدنيا أو معنويا، أو نفسيا.
المادة: 12:
يعاقب من شهرين إلى سنتين حبسا كل من احتجز زوجه أو زوجته.
6. المادتان تؤسسان لرفع السلطة التأديبية التي منحها الشرع للزوج على زوجته وتناقضان بشكل صريح الآية (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا)، ومعلوم أن الشرع ضبط هذه السلطة ومنع من التعسف فيها، فقرر أن تكون ممارستها لدفع الزوجة للإتيان بمعروف أو الامتناع عن منكر مما هو مفصل في الشرع طبقا للحديث المتفق عليه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف".
وفسر الفقهاء الضرب المعني بقول القرطبي: "والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، فإن المقصود منه الصلاح لا غير".
7. لا يمكن الجمع إذن بين حكم الشرع وحكم هاتين المادتين: الضرب تأديب بدني والوعظ والهجران تأديب نفسي ومعنوي.
المادة: 13
يعاقب من شهرين إلى خمس سنوات سجنا، وبغرامة من 500.000 خمسمائة ألف أوقية إلى 800.000 ثمانمائة ألف أوقية كل زوج عرض زوجته لممارسات غير إنسانية.
1. في هذه المادة تتجلى الإحالة إلى المجهول الغامض وغير المفهوم وإذا حاول القاضي إلى تفسيرها فلا يخلو من أمرين:
أ- تفسيرها بالمفاهيم والقيم التي تسود في الأوساط التي تدفع بقانون النوع هذا وتسعى لتعميمه ونشره، والإنسانية في تلك المجتمعات لها خصوصياتها وقيمها التي تبيح اللواط والشذوذ وتعترف بالمثليين وتمنع أكثر من زوجة تحت غطاء قانوني لكنها تبيح المصادقة والمخادنة الخارجة عن القانون والأخلاق وبلا حدود.
ب- تفسيرها بمفهوم الإسلام للإنسانية وللعلاقة الزوجية وفي هذه الحالة لم تضف المادة جديدا على ما تقرر في الشرع من تكريم نوع الإنسان قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) قال المفسرون: المراد ببني آدم جميع النوع من حيث هو كما هو شأن الأحكام التي تسند إلى الجماعات، والتكريم: جعله كريما، أي نفيسا غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته، فإن جميع الحيوان لا يعرف النظافة ولا اللباس ولا ترفيه المضجع والمأكل ولا حسن كيفية تناول الطعام والشراب ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضره ولا شعوره بما في ذاته وعقله من المحاسن فيستزيد منها والقبائح فيسترها ويدفعها، بله الخلو عن المعارف والصنائع وعن قبول التطور في أساليب حياته وحضارته.التحرير والتنوير 15/164
2. وبخصوص معاملة الزوجة لا يمكن ان يوجد أبلغ ولا أجمع من قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ومعناه المختصر:الإنصاف في الفعل والإجمال في القول، ومعناه المفصل: ما تعرفه، وتألفه طباعهن، ولا يستنكر شرعا، ولا عرفا، ولا مروءة، فالتضييق في النفقة، والإيذاء بالقول، أو الفعل، وكثرة عبوس الوجه، وتقطيبه عند اللقاء كل ذلك ينافي العشرة بالمعروف
المادة: 16 :
يعاقب كل من فرض سلوكا أو تصرفا على زوجه أو زوجته من ستة أشهر إلى سنة واحدة حبسا، وبغرامة من 150.000 مائة وخمسين ألف أوقية إلى 300.000 ثلاثمائة ألف أوقية.
النكرة في سياق الشرط من ألفاظ العموم، وأخذا بمقتضى ذلك فإن تطبيق هذه المادة يعني استقالة الرجل من مسؤولية الأسرة وإعفاءه بدون حقوق من القوامة التي منحه الشرع على زوجته وعياله ورئاسته لأسرته بما تعنيه الكلمة من جانبي الحقوق والواجبات وأوله تقويم سلوكها وضبط تصرفاتها ومنعها مما لا يليق دينيا ودنيويا، وهو ما كرسته المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية " الزواج عقد شرعي بين رجل وامرأة على وجه الاستمرار، يقصد منه الإحصان والإنجاب، بإنشاء أسرة تحت قوامة الزوج على أسس ثابتة تضمن للزوجين القيام بواجبات الزوجية في ود واحترام"، فليتهم إذ صيروها أسرة بدون رأس بينوا لنا كيف تدار مؤسسة بدون مدير ، وليتهم إذ جعلوا الزوج هنا "محكن آدرس" أشفقوا عليه فأسقطوا عنه واجبات الزوجية من نفقة وكسوة وسكن وغيرها، حتى لا تكون له عليها منة ويفسحوا الطريق أمامها حقا ! !.
المادة: 18
يعاقب أي زوج منع زوجته من الميراث من سنة إلى 2 سنتين، وبغرامة من 200.000 مائتي ألف أوقية إلى 500.000 خمسمائة ألف أوقية.
1. هذا الكلام مما تفهم مفرداته وعند تركيبها لا يحصل القارئ على معنى وهذه من أقرب تعريفات الهذيان وكلام المجانين، فالميت لا يستطيع منع الورثة من اقتسام متروكه، ولا تُعقل معاقبته في ماله وقد خرِبت ذمته على حد تعبير الفقهاء، ولا في بدنه بالحبس وقد حُبس إلى ما شاء الله.
2. إذا كان المقصود منعه من تفريق ماله في حال حياته فهذا يهدم معنى الملكية الذي هو أهم الحقوق وهو ما يتيح للشخص كامل الحرية في التصرف في ماله، وفوق ذلك فقد أمر الشرع بالإنفاق في اوجه البر والصلة لكل الناس وإن كان خص العيال بمزيد العناية حتى لا يبقوا عالة يتكففون الناس .
3. وإذا كان المقصود منعها عن طريق الوصية فإن الشارع أيضا قد نظمها أحسن تنظيم لا يترك له إمكانية حرمانها وفصلها إلى قسمين:
أ- الوصية في حال المرض، وقد أوضحت المادة 175 من مدونة الاحوال الشخصية أنه "يحجر على المصاب بأحد الأمراض الخطيرة التي يحكم الأطباء بكثرة الموت بها في تبرعه، فإن صح نفذ تصرفه وإن مات كان وصية."
ب- الوصية في حال الصحة وهي محكومة كذلك بالمادة 203 فقرة 2 من نفس القانون التي تقول: لا وصية لوارث ولا فيما زاد على الثلث إلا بإجازة الورثة كاملي الأهلية بعد وفاة الموصي.
وواضح أن الشرع هنا تكفل بصون حقوق الورثة كلهم دون تفريق بين زوجة وغيرها بمنع الزيادة على الثلث كما تكفل بمنع إيثار أحدهم بشيء على حساب الآخرين فمنع الوصية لوارث.
المادة: 19
يعاقب من سنة إلى سنتين حبسا كل زوج يمنع أو يقيد شريكه عن ممارسته لحرياته العامة.
- تفصل المادة 10 من الدستور في أنواع الحريات المكفولة بموجبه ومنها: "حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية، وحرية دخول التراب الوطني، وحرية الخروج منه، وحرية الاجتماع"، ولسنا بحاجة إلى التنبيه إلى ان هذا الإطلاق مقيد تقييدا سابقا ولاحقا فالسابق التصريح بأن الدولة دولة إسلامية، وبأن الإسلام دين الدولة والشعب "المادتان 1 و5 من الدستور" ، واللاحق هو إحالة أغلب التشريعات في نهايتها إلى الشريعة الإسلامية أو المذهب المالكي فيما لم يذكر فيها، ومنح الزوج حق القوامة على الزوجة مما يمكنه من تقييد حريتها على أساس النصوص الشرعية الكثيرة مثل منع سفرها بدن محرم ومنع الاختلاط والخلوة مع الرجال الأجانب... وقد لخص هذه الطاعة ما في الحديث الشريف (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) والحديث الآخر (إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت الجنة) وهما صحيحان .ومقتضى هذه المادة - مع مخالفتها للشرع والدستور- هو إلقاء الحبل على الغارب للمرأة للركض في ميادين الانحلال والتعري والفجور بل حماية انحرافها وتوفير الشرعية له بما جاء في المادة 20 منه من معاقبة من لا يحترم قراراته بغرامة تصل إلى 300 ألف أوقية .
المادة 38:
يفترض صدق شهادة امرأة وقعت ضحية اعتداء جنسي حتى يثبت العكس.
- تعارض هذه المادة بشكل صريح قواعد الإثبات حسب مركز المدعي والمدعى عليه وهو ما لا خلاف فيه بين المسلمين طبقا للحديث الشريف : «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه» والحديث الآخر : «البينة على المدعى , واليمين على المدعى عليه».
- تسمية هذا النوع شهادة قلبٌ لحقيقة الشهادة بل هو دعوى، وقصارى ما تصل إليه دعوى المرأة الاغتصاب على رجل أن تكون شبهة تدرأ عنها حد الزنا بشرط أن تقرر أن تفضح نفسها فتأتي متعلقة بأذيال المدعى عليه بقرب الواقعة، لكن حد القذف يظل لها بالمرصاد في صور كثيرة تنظر عند قول خليل: "وإن ادعت استكراها على غير لائق بلا تعلق حدت له".
- الأخذ بهذه الوسيلة يفتح الباب على مفسدتين لا يمكن تلافيهما: الأولى إمكانية الانتقام من كل شخص بريء وتلويث سمعته بادعاء الاغتصاب عليه، والثانية إتاحة الفرصة لكل امرأة منحرفة أن تمارس الزنا كما شاءت ثم تأتي مدعية الاغتصاب .
ووراء ما ذكرنا فائض من الاختلالات والعيوب في الشكل والمضمون تحتاج إلى قراءة متأنية ما يجعلنا نستنكره وندعو كل الهيئات الرسمية وغير الرسمية من فقهاء وقانونيين ومصلحين للوقوف في وجهه وإظهار معارضته ما دام في الأمر فسحة.
محمد المصطفى زين