تسود أوساط المعارضة السورية هذه الأيام حالة من انتظار شكل مفاوضات الحل السياسي بناءا على اتفاق الأطراف الثلاثة (موسكو أنقرة وطهران ) والجهود تجري لعقدها كما بات معروفا في استانا عاصمة كازخستان.
في جوهر تلك المحادثات التي انخرطت بها تركيا بشكل جاد هذه المرة ثمة مفتاح جديد سيكون له فاعليته في طريق ابرام الحل السياسي المنشود . إنهم الأخوان المسلمون ، هم حلفاء تركيا الحقيقيون في صفوف المعارضة السورية هم حلفاء قطر أيضا ومن أجلهم تسخر آلة الإعلام القطرية وغيرها ، هم سبب عداء قوى مثل حماس أو النهضة في تونس للقيادة السورية هم سبب استنفار المشايخ وزحمة الفتواى للجهاد في سوريا ، وهم أصحاب السلاح والمقاتلين على الأرض فقط دونا عن كل هياكل المعارضة التي تشكلت في خارج البلاد . إذ لا يملك أي تشكيل معارض سواء من العلمانيين الديمقراطيين أو الائتلاف المعارض وحده دون الإخوان في صفوفه أو منصات القاهرة وموسكو واستانا أو هيئة التنسيق المعارضة في الداخل والخارج أو تيار سوريا الغد جناحا عسكريا يأتمر بأمرتهم، وحدهم الإخوان المسلمون يملكون ذلك والكرد كذلك .
وبناءا على ذلك وبكل ثقة نقول لا يوجد مقاتل واحد آلان في سوريا لا يحمل أيديولوجيا اسلامية ، كل الفصائل على الاطلاق كما تنظيم داعش لديهم قضاة شرعيين وأمراء ، ويرفعون رايات ذات صبغة اسلامية ، وبالتالي لايوجد على الأرض السورية مقاتل واحد ضد الجيش السوري علماني أو قومي أو يساري أو ديمقراطي .
لا ينتمي جميع المقاتلين الإسلاميين إلى حركة الإخوان المسلمين ويميل أغلبهم إلى السلفية الجهادية القريبة من فكر تنظيم القاعدة ، وحتى أكثر المقربين من حركة الإخوان المسلمين كحركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وغيرهم ، تبدو في سلوكها المتشدد واحكام شرعييها متماثلة مع جبهة النصرة . وهذا ليس بعيدا عن النهج الجديد في جسم الحركة السياسي الذي اقترب من أكثر التيارات المتطرفة في العالم الإسلامي حتى بات كثيرون يصفون فكر الإخوان وممارساتهم الراهنة أن بينها وبين فكر القاعدة شعره . هذا السلوك صدم بعض أصدقاء الحركة التاريخيين . دهشت طهران التي قربت قيادات الحركة منذ انتصار الثورة الاسلامية عام 79 ، وهي ترى الرئيس المصري السابق القيادي في الإخوان محمد مرسي يصفهم بالرافضة ويدعو إلى الجهاد ضدهم ، كذلك حزب الله الذي اصبح قادة الإخوان وإعلامهم منخرطين في حملة محمومه لشيطنته وإسقاط شعبيته لدى الجماهير العربية .
بالعودة إلى بداية الأزمة في سوريا حيث كانت تركيا تبذل جهود مع القيادة السورية والرئيس الأسد تنصب على إدخال حركة الإخوان إلى الحياة السياسية وكذلك فعلت القطر التي كانت تربطها وتركيا مع القيادة السورية علاقة ممتازة . استغل الطرفان حالة الاهتزاز السياسي والأمني التي مرت بها سوريا ووضعوا عودة الإخوان إلى الحياة السياسية السورية من باب الإصلاح السياسي شرطا للوقوف إلى جانب حليفهم الأسد . رفض الأسد العرض وأخذ الطرفان خيار إسقاطه بالقوة العسكرية على الطريقة الليبية .
الآن يعيد الأتراك إنتاج العرض عبر روسيا ، والتزم الإخوان بما تعهدت به أنقرة ، وهذا يفسر ترحيب الإخوان المسلمين ببيان منفصل عن كل تشكيلات المعارضة السورية بالاتفاق الروسي التركي ، ويفسر حالة الاضطراب السائدة الآن في حركة أحرار الشام وفصائل الجيش الحر حول التعامل مع الهدنة و الاندماج مع جبهة النصرة .
إعادة حركة الإخوان قبل شهور التواصل مع إيران وحزب الله عبر حوار غير رسمي يتناول قضايا اسلامية وفقهيه وسياسية مختلف عليها على الساحه ، وكنا قد كتبنا ذلك في مقال منشور قبل شهور هنا . وإذا كانت حركة الإخوان جادة فعلا في تغيير مقارباتها وخياراتها التي تبنتها كخيارات استراتيجية بعد ما سمي بالربيع العربي ، والتي ظنت من خلالها أنها يمكن أن تتمكن من بناء مشروعها في كامل العالم العربي بوصولها إلى السلطة بأي طريقة بالانتخابات كما في مصر وتونس أو بالسلاح كما ليبيا ومحاولة تكرارها في سوريا ، فإن المؤشر على المراجعة سيكون بمدى انخراطها بالاقتراح الروسي التركي .
تراهن تركيا على التزام حركة الإخوان بالمسار لتكون الحركة قاطرة باقي أطر المعارضة السورية ، وتراهن روسيا على انخراط تركيا والإخوان لأن التقديرات الروسية تتحدث عن فعالية ذلك في وقف السلاح إلى سوريا وانخفاض حملات التحريض في وسائل الإعلام المساندة وعزل المقاتلين التابعين للإخوان وتركيا وقطر عن باقي الفصائل التابعة للقاعدة مثل التصرة وجند الأقصى وغيرهم . مما يسهل على موسكو حربها في سوريا.
الإخوان المسلمون في جوهر التعاطي السياسي التركي مع روسيا وايران وهم ورقة تركيا الفاعلة في الحل والميدان ، ولكن لن يكون تسويقهم للقيادة السورية بالأمر السهل ، إذ تدرك القيادة السورية أن غريمها في الحرب الإخوان ومن يقف وراءهم ، وأن مشروع الإخوان ليس الاندماج في سلطة مدنية وان فعلوا فإنهم يندمجون مؤقتا إلى حين الوصول الى السلطة لتنفيذ مشروعهم . هل سيدخلون الحل أفرادا ضمن تشكيلات المعارضة أم وحدهم أولا ؟ السؤال سيكون أمام الأطراف الراعية للحوار .
كمال خلف