ترمز مرحلة "الرجل المريض" في التاريخ المعاصر، للحقبة الأخيرة التي عاشتها الدولة العثمانية من مشوارها السلطوي، حيث أصبحت مرحلة التداعي والزوال واضحة بمواصفات وأوضاع مختلفة، وبعض من ذلك يعيشه نظام ولد عبد العزيز منذ حادثة السبت 13 أكتوبر 2012، التي تعرض لها رأس النظام، ودلت في حساب المطلعين العارفين بطيات الحادثة، على استغراق الرجل في الهوى والمجون، وتلك وحدها على قياس الحالة الأندلسية، تكفي للعصف بالإمبراطوريات الثقيلة أولى دولة ضعيفة، مثل موريتانيا.
ومنذ وقت غير قصير يبالغ رئيس الأركان وولد عبد العزيز نفسه في صنوف اتباع الهوى واستغلال النفوذ.
وعندما ساهم ولد عبد العزيز في خلق حالة النظام الموازي على الطريقة التركية، منذ سنة 2008 عبر لقائه ببيرام وسماحه لاحقا بترشحه للرئاسيات 2014، أضحى ولد عبد العزيز بسبب سياسة الحشر في الزاوية الناجحة إلى حد ما، والتي تمارسها ضده المعارضة الراديكالية، يتنفس الصعداء بصعوبة ويهتز ويترنح نظامه بوضوح وجلاء.
وجاء الإفراج عن بيرام والتعامل مع أحداث ساحة ولد بوعماتو بتساهل، وتذبذب موقفه من المأمورية الثالثة المثيرة، وتأجيل الحكم على المسيء كلها مؤشرات مرحلة "الرجل المريض" لدينا، مما يؤكد عمليا انتهاء نظام ول عبد العزيز ودخوله في مرحلة الغرغرة، أي ما قبل منية النظام وانقضائه كليا على يد انقلاب وشيك، بات يلوح في الأفق بسبب صعوبة التناوب السلمي على السلطة عندنا.
وإن لم تتحرك المعارضة الراديكالية ومختلف القوى الوطنية النابهة الساهرة على الشأن العام بأسلوب سلمي مدروس صارم يقظ، فستؤول الأمور من جديد لدورة عبثية سيزيفية، من الحكم العسكري الانقلابي المزمن.
كما أن أسلوب التعامل مع التوتر العابر مع المغرب الشقيق أكد ضعف رأس النظام شخصيا وعدم مسؤوليته بوجه خاص، على رأي البعض، حيث لم يكترث "رئيسنا" لمأساتنا، فالعلاقة مع الحزام أو الجوار رغم ضرورة الاحترام المتبادل، لا يحرص عليها إلى حاكم حاذق ونظام وطني مسؤول.
فلقد أديرت الأزمة من تحت الخيمة ولم يكلف نفسه، كبرا و بطرا، هذا الحارس السابق والعسكري غير الكفوء والانقلابي بامتياز والخطر الأول على المال العام، التنقل إلى ازويرات إلا في اللحظات الأخيرة عند اقتراب اقلاع طائرة رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران، حيث كان من الانسب لمن يدعي أنه رئيس موريتانيا التنقل إلى العاصمة نواكشوط وقطع عطلته، بمجرد نشوب هذه الأزمة.
إن كل تصرفاته رغم ضعف حكمه تؤكد الاستخفاف بموريتانيا والموريتانيين، وعدم إدراكه لحجم المسؤولية التي أغتصبها مرتين أو أكثر، رئاسة موريتانيا.
ورغم ذلك كان المغاربة أشد تعقلا ومسؤولية، فأتصل مليكهم هاتفيا، وسافر رئيس حكومتهم، وأعلنوا شبه حالة طواري، بينما لم تتكلف موريتانيا المعتدى عليها لفظيا فعلا، سوى إصدار بيان لم يخل من الطيش وتزوير الحقائق، وقع باسم الحزب الحاكم.
تزوير للحقائق ضمن البيان، يؤكد استغلال ولد محم لضعف مستوى ولد عبد العزيز وطمعه في عقله، "فنحن من بنى مراكش"، "يبره"!.
وتتالى مؤشرات الترهل ومؤشرات مرحلة "الرجل المريض" في موريتانيا تباعا حتى يكاد يقول بلسان حاله أنا الرجل المريض أزيحوني قبل أن أشعل النار مع دولة أخرى وأبيح لكم الردة ضمنيا عبر التوقيع على قانون النوع الذي يعترض ضمنيا على زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة قبل بلوغها.
فبعض متصفحي هذا القانون الغريب المثير حكوا منعه لزواج الفتاة قبل بلوغها, وهذا يحيل إلى الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل أضحى وزير العدل والحكومة برمتها وولد حدمين وولد عبد العزيز على رأسها، وأعضاء مجلس الشيوخ الحالي، الذين لم يتكلفوا عناء النظر في تفاصيل مشروع القرار، في نفس الصف مع ولد أمخيطير؟، ضمن سياق الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو بصورة غير مباشرة.
قانون مستورد تافه، من آخر ابتكارات ولد داداه الوزير، المشكوك في صحة نسبه على رواية البعض، ولا نستغرب أن يسئ بعض لقطاء موريتانيا، لهويتها الحضارية الأولى الإسلام الخالد.
وللتذكير نحن محكومون بحثالة ما بين الكأس والمجون وضعف النسب وضبابية الرؤية وهلع النفس وخوفها الزائد من المخلوق، وتفريطها وتهاونها بخصلة الخوف من الخالق المرغوبة عند الأذكياء الأتقياء (ولمن خاف مقام ربه جنتان ذواتا أفنان).
وعلى كل حال باختصار لا داعي للقلق الزائد، ما يتخبط فيه القوم المتغلبون حتى الآن، يتراوح بين الضعف والتلاعب وعدم الوعي الموصل أحيانا للخروج من الملة، وإن زادوا وجب النظر في أمرهم من الناحية الشرعية بصرامة وحزم. حتى لا يصبح الخروج على الدين والمصالح العليا للبلد مسألة نظر فحسب تحت قبة البرلمان، بعد إعداد مشروع مجنون من قبل وزير مشحون بالعقد ورجل مريض، يترنح، وأوشك إما على الهروب أو التسليم بالعجز أو مغامرة غير محسوبة لا يستبعدها العارفون به، لغرابة أطواره وحرصه الشديد على المقعد والنفوذ والتلاعب بالمال العمومي.
إننا بحاجة لوقفة حازمة مع هويتنا الحضارية ووجودنا التاريخي حتى لا يقال يوما، كانت هنا دولة أو مشروع دولة، عبثت بها العواصف والزوابع المتنوعة الهدامة، التي تجاهلها رأيها العام ولم يفلح النذير الصادق في التحذير منها.
لقد باتت المؤشرات أيضا على الصعيد الأمني والاجتماعي وموضة القتل والرمي في "أفونص"وغيرها من السلب والنهب وإزهاق الأرواح في المدن الكبرى، والعاصمة بوجه خاص، تدل على مرحلة "الرجل المريض" في خانة الأمن والاستقرار الهش والمجتمع الخائف المترقب، حتى المساجد بات بعضها مثل جامع "البقيع" بلكصر بجوار المستشفى العسكري، وكرا للشحناء والخلافات والرياء، للأسف البالغ.
ولا غرابة فكيف ما تكونوا يول عليكم.
لقد أولى ولد عبد العزيز الأمر لغير أهله وأكثر ذويه في القرعة والحظوة إلى حد التخمة، وطفف الميزان وجانب الحكم الرشيد، بأعلى مستويات المحسوبية والقبلية والانقلابية والتلاعب بكل وجه تقريبا.
سألت اليوم أحد النابهين العارفين، وهو عائد للتو من السنغال، كيف الحال هناك؟، قال بخير حكومة تعمل، وأردف على خلاف أوضاعنا المتؤثرة سلبيا بالظاهرة الانقلابية المزمنة، بالدرجة الأولي.
فكل زعيم جديد يبدأ تاريخ موريتانيا من يوم وصوله للسلطة!، متجاهلا ما قبله، ممجدا كل حاله، متغاضيا عن كل عيبه.
وفي الختام أنبه إلى خطورة الوضع الراهن وإمكانية تأثيره على الاستقرار بشكل بالغ ووجود الدولة وتماسك المجتمع والحوزة الترابية والهوية الحضارية.
ونحن بصراحة بحاجة لاحترام الجميع والحرص على علاقات متوازنة مع الجميع، وخصوصا دول الجوار الشقيقة، السنغال مالي المغرب الجزائر والصحراويين، إلا أننا ننبه أنفسنا قبل غيرنا، لخطورة وضعنا الحالي وهشاشة النظام القائم واحتمال انقضائه الظاهر المرجح، مما يدعو للحزم، على هوية الأمة الموريتانية (الإسلام) وأمنها وحوزتها الترابية.
فالدول الاستعمارية وقتها عندما ضعفت الإمبراطورية العثمانية المترهلة لم يكن لها من كبير حظ في حسابها التوسعي، إلا الانقضاض وتقاسم التركة، ومازال ما بقي منها "تركيا الحالية" مستهدفا بامتياز بسبب جاذبية الموقع الجغرافي والهوية الإسلامية السنية، والتجربة المثيرة للحسد والغبطة، لدى أوردوغان حفظه الله وصحبه الأخيار هداهم الله أجمعين، وحفظ دولتنا من آثار مرحلة "الرجل المريض" التي تستحق أكثر من مقال وبحوث وتحركات علنية وسرية، حسب المقام، حازمة استعجالية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
بقلم عبد الفتاح اعبيدن