بِسْم الله الرحمن الرحيم . ” الان حصحص الحق “. صدق الله العظيم.
اذا كنا جادين في حل مشاكل الوطن والمواطنين فلابد ان نسمي الاشياء بأسمائها الحقيقية. اما اللف والدوران حول الحقائق حلوها ومرها فلن يزيدنا الا طغيانا وكفرا.
ماهي حقيقة المشهد الليبي الحالي. !
ثلاث حكومات لا تحكم. مجلس رئاسي لحكومة وفاق وطني لا توافق عليها ولا توافق بين أعضائها . مجلس نواب عاجز ومصاب بالشلل وبكل الامراض المستعصية . مجلس اعلى للدولة بدون دولة. مؤتمر وطني ميت لا يقدر على شيئ. مليشيات وعصابات ودواعش تنهب وتخطف وتقتل. شعب يعاني من انقطاع الكهرباء والماء والبنزين وانعدام السيولة في المصارف وانعدام الدواء والعلاج وغلاء الأسعار. أصبح هم الجميع هو فقط البحث عن المال والمناصب. وبين الرئاسي والكراسي ضاع الوطن. !!
هل من اجل هذا الهم والغم قامت ثورة ١٧ فبراير.!؟
لابد اذن ان نعترف في البداية بفشل ثورة ١٧ فبراير بكل مخرجاتها حتى الان. وان نبحث عن البديل المناسب والمقبول والمنطقي للخروج من الأزمة المستعصية الحالية التي لم يعد يطيقها احد من الليبيين والليبيات. هذا البديل قد يكون الوصاية الدولية مادمنا عاجزين عن حل مشاكلنا بانفسنا. وقد يكون هذا البديل هو الجيش الليبي ان كان بمقدور ضباطه وجنوده وقف مهازل المليشيات والدواعش وأمراء الحرب. وقد يكون البديل هو انتفاضة شعبية عارمة تفرض واقعا جديدا في ليبيا يعيد ايام ليبيا المجيدة في عهدها الملكي الزاهر.!!
اجل . ان التغيير كان ضروريا والانتفاضة كانت حتمية. وكل تغيير او انتفاضة لابد ان يكون لديها البديل المناسب.
ولكن ثورة ١٧ فبراير لم يكن لديها البديل المناسب. أخذتنا العاطفة والفرحة ونسينا المنطق والعقل. أعدنا العلم الوطني ونشيد الاستقلال و نسينا الدستور والنظام الملكي الدستوري الذي كان وما يزال هو النظام الوحيد الذي يناسبنا كوطن وكشعب.
ومع احترامنا وتقديرنا لكل من انضم الى الثورة مبكرا من رجال النظام السابق فربما كان من الخطا ان اخترنا لقيادة الثورة وزير عدل النظام الذي ثرنا عليه. واخترنا لقيادةً قوات الثورة وزير داخلية النظام الذي ثرنا عليه. وهما كانا ركنين أساسيين من أركان ذلكً النظام دون ان نفكر في حساسية وخطورة مثل هذا الاختيار. وربما كان اغتيال رئيس اركان قوات الثورة المرحوم اللواء عبدالفتاح يونس العبيدي من نتائج ذلك.
وقد ثبت الان وبعد مرور ست سنوات على الثورة ان كل المصائب والمتاعب التي يعانيها الوطن والمواطنون سببها تلك الأخطاء القاتلة التي ارتكبناها في تلك الايام والأسابيع والشهورالاولى للثورة.
يكفي ان نلقي نظرة واحدة على الأجسام التي صنعتها الثورة لندرك حجم وآثار تلك الأخطاء.
فالانتقالي وكل مجالسه التنفيذية. والمؤتمر الوطني العام من قبل ومن بعد التمديد غير الشرعي له. وجميع الحكومات المؤقتة وغير المؤقتة. ومجلس النواب العاجز والمعطل. واتفاقية الصخيرات العرجاء المشبوهة . والمجلس الرئاسي المشلول . وجميع الاحزاب الورقية التي اعلن عنها. وجميع المليشيات والعصابات المسلحة المؤدلجة وغير المؤدلجة. لابد من الاعتراف بفشل كل اؤلئك و هؤلاء واستبعادهم من المشهد السياسي الليبي اذا اردنا حقاً ان نبحث عن حلول حقيقية ومجدية وقابلة للتنفيذ لمشاكل الوطن التي صنعتها كل تلك الاجسام المهترئة. ثم نبدا في البحث عن الحلول الملائمة والقابلة للتنفيذ وكيفية القيام بذلك.
لا يمكن ان يستتب الامن والاستقرار في اي بلد في غياب جيش وطني يحمي الحدود وشرطة وطنية تنفذ القانون.
ولكن يبدو انه بعد فبراير لم يعد في ليبيا جيش ولم تعد في ليبيا شرطة.
فالخطوة الاولى اذن هي ضرورة اعادة تفعيل الجيش والشرطة . لابد ان يعود للعمل جميع ضباط و جنود الجيش وضباط وأفراد الشرطة باستثناء من ثبت ارتكابهم لجرائم يعاقب عليها القانون خلال خدمتهم في العهد السابق وهؤلاء معروفون باسمائهم ورتبهم. اما باقي الرتب في الجيش والشرطة فليسوا ازلاما وليسوا ضد الثورة بل ان العديد منهم شاركوا في الثورة وانضموا الى الثوار. لابد من الاعتراف بهذه الحقيقة وقبولها.
لابد من إقرار مبدأ المصالحة الوطنية حتى تصفو القلوب والنوايا عند جميع الليبيين والليبيات. ولن يتم بناء الدولة الليبية المنشودة دون هذه المصالحة الوطنية الشاملة.
لابد ونحن نمر بهذه الظروف الصعبة ان نختار أفضل وأقرب الحلول الممكنة لإنقاذ الوطن من الانهيار ووقف حمامات الدم في جميع المدن الليبية.
لدينا الدستور ولدينا تراث الآباء والاجداد. هذان هما الحبل المتين الذي يجب ان نتمسك به جميعا خلال هذه المرحلة الاولى على الأقل من حياتنا السياسية الجديدة بعد ١٧ فبراير. وعلى شبابنا الذين كانوا ضحايا عملية كبرى لتزوير التاريخ خلال العهد الانقلابي ان يعيدوا قراءة تاريخ الوطن من الوثائق المتوفرة في كتب التاريخ الليبي الحقيقي غير المزور حتى يعلموا كيف تم تأسيس الدولة الليبية وكيف استطاع اباء الاستقلال ان يحققوا خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثمانية عشر عاما دولة ليبية نامية و قوية كان اساسها التعليم والتنمية وبناء الانسان الليبي بناءا صحيحا على أسس سليمة رغم قلة الموارد او انعدامها في السنوات الاولى للاستقلال.
مالذي يمنعنا من البنّاء على ما تركه لنا اباء الاستقلال من القيم والاخلاق ومن مشاريع التنمية . لماذا لانحمل جميعا هذه الدعوة التي من شانها ان تعيد الوطن الى أمجاده السابقة التي كان عليها غداة الانقلاب العسكري الذي حطم ودمر كل تلك الامجاد وكل تلك القيم العليا التي تربينا عليها وأوصل بلادنا العزيزة الى ما نشاهده اليوم من الدمار والانقسام ما يهدد وحدة الوطن واستقلاله. لماذا لا نبادر الى اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادة الدولة الليبية الى ماكانت عليه قبل الانقلاب العسكري المجنون في الاول من سبتمبر عام ١٩٦٩. لماذا لا نعيد قراءة الأحداث التي مرت بالوطن منذ ١٧ فبراير ٢٠١١ ونستخلص منها العبر والدروس التي تعيننا على الانطلاق نحو الغد الأفضل كما هو حلم فبراير. ؟؟
القذافي كان ظاهرة شاذة ولن تتكرر. ولا يستطيع احد لا من الذين كانوا معه او من الذين انشقوا عنه او انقلبوا عليه ان يقوم بدوره لا الان ولا في المستقبل. لقد تغيرت الظروف وتغير الناس. والحكم العسكري كان مرحلة وانتهت ولم يعد يجرؤ اي ضابط او مجموعة ضباط على تكرارها. مهمة الجيش بعد فبراير ستكون المحافظة على حدود الوطن وأمنه. الجيش كمؤسسة لاعلاقة له بالسياسة. ولكن اذا كان الحل الوحيد المتاح أمامنا الان هو قيام الجيش بإعادة الأمن والنظام وحكم القانون والدستور الى البلاد فما الضرر في ذلك. !؟
ولا يزعمن احد انني ادعوا الى عودة حكم العسكر او الى تشجيع الجيش للاستيلاء على السلطة في ليبيا مرة اخرى فتلك دعوة جاهلية لا يقولها من هم مثلي ولكننا نواجه حالة غير مسبوقة في بلادنا من الفوضى وانتشار السلاح وغياب الامن وغياب القضاء وغياب الحكومة المسؤولة عن تنفيذالقانون وتغول المليشيات المسلحة وانتشار عمليات النهب والخطف والسرقة الى ان بلغ الياس مداه عند المواطنين الامنين المغلوبين على امرهم وغير القادرين على مواجهة هؤلاء المجرمين. فاذا كان الجيش هو الملجأ الأخير فعليه ان يلبي نداء الوطن ويخلص البلادوالعباد من هذا الشر المستطير وان لم يفعل فان النتيجة ستكون كارثية علينا جميعا مدنيين وعسكريين. وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم . وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون .
حفظ الله ليبيا واهلها من كل مكروه .
والله وصالح الوطن دائماً من وراء القصد.
ابراهيم محمد الهنقاري/ كاتب ليبي