لي آراء غير شعبوية جدا في توزيع القطع الأرضية على النواب، وقانون النوع، ودموع النواب، وتكذيب الوزراء. سأنشرها تباعا، بحول الله.
أنا مع تكذيب الوزراء، ولو كانوا ذوي هيئات، أو أبناء عائلات؛ الأسماء الكبيرة يحملها البعض على أكتافهم، ومحل الميلاد، ليست بطاقات خضراء تسمح بالمرور دون تفتيش.
لا ينبغي أن تكون حصانة من النقد، والتوبيخ، حين يتعلق الأمر بقيم الصدق والوفاء، ودماء البشر، وأجسادهم. يجب أن نحتكم فيها إلى ثلاث خلال: الأولى أن تحوز حامليها عن مواطن الشُّبَه، فتعقِلَ ألسنتنا عنهم، أي أن تحمي، أيها الوزير أو الصحفي، الاسمَ الذي تحمله بالفعَال فيتحاماه الناس، لأنك زدت السياج النفسي حوله طبقة أسلاك جديدة، ويمكن أن تكون مكهربة.
الثانية، والثالثة، أن تتبرأ منها، بالقوة أو بالفعل، أي أن تنتهكها، وتجعلها نهبا، للمال الفاسد، أو لسطوة السلطان. فحينئذ لا تكون أهلا لأن يُنتَصَر لك باسمها، ولا يشرفك ذلك؛ كما لا يشرفها. داداه الرئيس أحمد والرئيس المختار، وداداه الشيخ عبد الله، والشيخ سيدي محمد، غير داداه معالي وزير العدل في حكومة ولد عبد العزيز؛ هذا داداه لمن يدافع عنه، وذاك داده لمن يدافعون عنه. رحم الله محمد ولد أبنو، كم يحلو لي إنشاده، حين يترنم على ذات الريع.
داده أحمد والمختار، هو داداه موريتانيا الذي يتربع على القلوب؛ إنه لا يحمي غير البررة من أبنائه، ولا يمنحهم الهالة التي تظلل رؤوس حروفه.
التكذيب وصف حال. ليس سبا، وكذبة الأمير على المنبر بلقاء. لقد كذب وزير العدل، وكذب الرئيس، وهو كذوب، وكذب الوزير الأول، وكذَبَهُم مستشاروهم، وكذبت كل الوزارات على الناس. كذبوا على المواطن البسيط، كذبوا على النخبة، كذبوا.. إنهم يكذبون دائما. شخصيا لم أعد أحصي كذبهم. أحصي فقط عدد المرات التي يصدقون فيها. طبعا، لا أعني بالكذب وعدا لم ينجز، أو برنامجا لم يطبق؛ هذا كذب نظيف، كثلج السماء. أعني الكذب الأحمر، الذي يقف صاحبه ويقول فعلت، ثم يقول غدا لم أفعل. تأصيل الدفاع عن الكذب بالاسم العائلي ومحل الميلاد، خُلُق بدوي عصبي، وإلباسه ثوب "النقد الأصولي" والثقافي محاولة غير أصيلةِ الذكاء.
لا يحمل النائب محمد غلام، في حدود علمي، ومعرفتي به التي جازت العقد والنصف، موقفا مناهضا ثقافيا لأي جهة. بل يحاول دائما، وأحيانا لا يوفق، أن يسترشد بثقافة مناطق موريتانيا الجنوب - غربية، في سلوكه الشخصي، وبعض علاقاته، وبعض تعبيرات، لكنه رجل لا يكذب.
إفناء النخبة كان دائما أهم الأسباب للتحكم في المجتمعات، أو القضاء على وجوها. هذا ما رصده ميكافللي في تاريخ الأمم والإمارات الأوروبية، وهو ما طبقته كل الدول، والإمبراطوريات، على مر التاريخ؛ إذا أردت إنهاء عصبية فاقضِ على نخبتها.
الديكتاوريات الحديثة ابتدعت وسيلة للإفناء غير إبادة الأسرة الحاكمة، أو طبقة النبلاء، بالسيف، كما كان دأب السابقين. ابتكرت إغداق المال، و"الإسقاط" بكل تلاوينه؛ تعمد المنظومة الفاسدة، إلى الاسم العائلي الكبير أو المدينة المناضلة، فتورط عَلَما من أبنائها، ثم تحشره في مواقف السوء، فينهض البعض للدفاع عنه، عصبية غير واعية، وهي تعتقد أنها تدافع عن الاسم أو المدينة أو الجهة، أو المنحى الثقافي، فيما هي تنخرط في الدعاية لمنظومة الفساد.
بمرور الوقت ستصبح هذه النخبة جزءً من آلة الدعاية الدائمة، لأن سير الأحداث لا يتوقف، وفي كل مرة ستبرز المنظومة شخصية جديدة بحكم سنة التداول، وتبديل أعواد الكبريت. وتفنى النخبة بالسرقة. إنها تسرق واحدا واحدا، بفعل مراصد المنظومة التي تعمل بشكل تلقائي هي الأخرى. من أخطر أسلحة المنظومة آلية التقاعد النضالي، التي يرفضها غلام. لهذا تجدهم يتهمونه بالشعبوية.
لا تعني المنظومة بيوت خبرة، ومجموعات عمل تدبر وتسهر على التنفيذ؛ إنما يكفيها، الأساس ثم تبدأ المنظومة تعمل بتلقائية، ويكفي قليل من التدخل لزيادة الاشتعال، أو إطلاق الشرارة كلما كان ذلك ضروريا. لأن المنظومة صممت هكذا في الأصل، فلا يهم إن كان الفاعلون الوقتيون واعين بآليات عمل المنظومة، أو مقتنعون بها. مع قليل من الوقت سيجدون أنها تخدمهم، وأن أساليبها سهلة التعلم، هي تعليم مهني، رغم أنها نسل تزاوج بين التقنية، وعلوم الإنسان؛ الشعر والقانون، والفلسفة، والتاريخ سيادة الرئيس. وتعمل بكفاءة عالية.
لقد كان بافلوف رجلا من أهل لخيام، إذن. إنه لعين لقد أعان على صناعة المدافعين عن الكذب، وكثير جدا من محامي الشيطان. إن الوزير يكذب. لقد كذب وزير العدل. لكن بافلوف وفر له محامين، انطلاقا من مبدأ التضامن المهني. المنظومة زبون وفيٌّ لبافلوف.
محمد عبد الله لحبيب