مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 14) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 14)

اثنين, 09/01/2017 - 17:29

من متدرب إلى طباخ فاشل: بعد أيام من التدريب المكثف بدأ المشرفون يبعدون من الصفوف كل العناصر التي لم تستطع بعد مواكبة الحركات العسكرية المنسقة مخافة التأثير على جودة العرض الذي أصبح على الأبواب وبعد حصرهم وبطبيعة الحال كنت ضمنهم تم توزيعنا على الأعمال الخدمية كالنظافة والطبخ وإعداد الخيام التي سيتم نقلها إلى مخيم الداخلة الذي تقرر أن تقام فيه الاحتفالات ، وقد تم اختياري ضمن مجموعة من المساعدين للطباخ الوحيد الموجود في ذلك المعسكر الذي يضم ما يقرب من ألفي شخص ، وفي اليوم الأول تم طردي من العمل بعد أن أثبت فشلي كطباخ وليس ذلك لكوني لا أجيد إعداد الوجبة المقررة في ذلك اليوم والتي كانت مقتصرة على الأرز والماء والملح فقط ، إنما طردني قائدي بسبب الطريقة التي أنظف بها أواني الطبخ التي كنت أجد صعوبة في الوصول إلى قاعها كي أزيل بقايا الطعام منها فقد كانت طويلة و واسعة مما اضطرني للدخول فيها كما لو كنت أدخل قاع بئر وهو الأمر الذي لم يعجب الطباخ القائد فطردني . وأذكر أن هذا القائد كان "مناضلا" متعصبا حد العمى الفكري فقد هدد بالإبلاغ عن شاب بعد أن رآه يدون مبادئ الجبهة الستة عشر على هوامش عدد قديم من جريدة " الصحراء الحرة" التي كانت تصدرها البوليساريو، و عندما حاول هذا الشاب المسكين إفهامه بأنه يريد أن يحفظ هذه المبادئ ولم يجد ورقة يدونها عليها رد عليه بلغة حادة بأن ذلك ليس مبررا للكتابة على الجريدة التي تمثل " دماء الشهداء" فاضطر المسكين إلى استجدائه بأن يسمح له وبأنه لن يكرر هذا الخطأ الخطير .

بعد ذلك الطرد التعسفي الذي كنت "ضحية" له قبل أن أمارس وظيفتي الجديدة ولو ليوم واحد تم إلحاقي بالمجموعة المكلفة بالخيام والتي كانت جاهزة للانطلاق في اليوم الموالي نحو مقر الاحتفالات ، وفي كل الأحوال كنت أعتبر نفسي رابحا فسأحظى بأيام أستريح فيها من التدريب العسكري الذي كان شاقا والذي لم يكن يشمل التدريب على السلاح الذي كان الجميع متحمسا ومتشوقا لحمله .

بعد أربعة أيام في مخيم الداخلة قضيتها ضمن مجموعتي في نصب الخيام وحراستها عاد الجميع إلى المعسكر لتبدأ مرحلة جديدة من العذاب الذي لا ينقطع ليلا ولا نهارا من أجل تحويل ذلك المنبسط بناءات من الطين يبدأ العمل فيها بحفر الأرض وخلطها بالماء إلى تشكيل العجين الناتج عن عملية الخلط في قوالب خشبية كي يصبح لبنات بناء وأحيانا يتم تشكيلها لتصبح حائطا حتى قبل أن تجف ، وكان بعض المشرفين على العملية يتعامل معنا وكأننا أسرى فلم يكن أحد يستطيع أن يجلس دقائق للراحة إلا خلسة وإلا تعرض للتعنيف اللفظي وللعقوبة في بعض الأحيان بالرغم من التعب الشديد الناتج عن العمل الشاق المستمر وسوء التغذية الذي سبب في انتشار رهيب للقمل في صفوف المتدربين إلى درجة أن تمريرة واحدة لليد على الملابس من الداخل تكفي الشخص ليصطاد عدة قملات دفعة واحدة ، وكان يشترك معنا في العمل مجموعة من أسرى الحرب الموريتانيين الذين لا زالوا يومها في قبضة البوليساريو رغم مضي أكثر من سنة على إعلان موريتانيا خروجها من الحرب وقد حذرنا من الحديث معهم وكانوا يعاملون بقسوة لا نظير لها فلن أنسى أسيرا موريتانيا يدعى (الشيخ الناجي) وأعتقد أنه كان ضابطا ، ولأنه كان قوي البنية أوقفته ذات يوم مجموعة أذكر منهم المسمى محمد العتيق (الروبيو) والذي كان مدربا في نفس المعسكر ثم بدؤوا يتنافسون في من يسقطه بضربة واحدة على عنقه ويقهقهون .

كان مشهدا مؤلما والأكثر إيلاما منه هو كون من شاهده لا يستطيع إلا أن يبتلع ألمه فالكل كان خائفا .

 

يتواصل .......