تكشفت مواقف دول العالم من الحرب الدائرة في الساحة العربية خاصة الدول الكبرى، وحدث فرزاً سياسياً، وإنقساماً للمواقف، وفقا للمصالح الدولية، والأهداف المبنية على زعزعة أمن المنطقة لإستثمار الحروب التي شكلت عامل مهم في تعزيز ركيزة الدولاب الاقتصادي لدى الدول العظمى وفي مقدمتها أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا. فثمة مواقف دولية كانت واضحة في سياساتها تجاه هذا البلد العربي أو ذاك من الحرب الدائرة فيه أو عليه، إن لم تكن داعمة لها بطرق مباشرة أو غير مباشرة، وهذا الأمر جعل الدول العربية المتُخذ منها ساحة صراع دولي تعرف من حليفها وعدوها في آن وحتى تتمكن من ضبط سياستها ووزنها تجاه الحليف وترتب وضعها الإستراتيجي العميق عسكرياً وسياسياً لمواجهة العدو المحتمل، لكن في اليمن هناك دول كبرى ظلت ولاتزال تداهن في مواقفها مع الأطراف اليمنية وتلعب سياسة متناقضة، إلى درجة الإستخفاف بعقول الساسة اليمنيين المتصارعين أكانوا في صنعاء أو في الرياض. روسيا الإتحادية التي تعد أحد الأقطاب الدولية الرئيسة والداخلة في الحرب الواقعة في المنطقة لاسيما سوريا كان دورها السياسي والعسكري من نظام الرئيس بشار الأسد واضح ومباشر في مواجهة خصوم الأخير كون المعارضة السورية كيانات إرهابية متطرفة تقف خلفها أنظمة عربية، مبادئ نهجها في الحكم “الإسلام السياسي” والتي تعمل على تغذية عصب الإرهاب في سوريا لإسقاط النظام الأسد.
في اليمن تُظهر روسيا سياسة مختلفة تماماً عما في سوريا فهي تلعب على التناقضات؛ فنجدها تقف تارة مع طرف صنعاء ممثلاً بـ(صالح الحوثي) وتارة أخرى مع (شرعية هادي وحكومته)، والكفة تُرجح غالباً للأخير.!
لا يزال الموقف الروسي من الحرب على اليمن يدور في إطار الإستثمار السياسي للأزمة اليمنية لصالحها فهي توهم أطراف صنعاء أنهم الحلفاء الجدد لديها مستقبلاً في حين يبدي الموهومون بهذا التحالف إستعدادهم لتوفير فرصة ذهبية لروسيا بأن تجد لها موطئ قدم في اليمن بغرض منافسة أمريكا.. وهكذا الحال وبنفس الوتيرة والأسلوب تتعامل روسيا مع أطراف الرياض ممثلاً بـ(هادي وحكومته) والعكس من ذلك. والحقيقة أن روسيا لا يهما أياً منهما بقدر ما تنتظر لمن ستكون له الغلبة سياسياً وعسكرياً ومن ثم ستفتح مع المنتصر علاقة تحالفية ودبلوماسية قائمة على المصالح.
روسيا تتبع أسلوب برجماتي، من الأزمة اليمنية خاصة مع أطراف صنعاء فقد مر عامين من الحرب في اليمن لم نجد موقفاً صريحاً يعبر بقوة ضد هذه الدمار والخراب والقتل الحاصل بالمجان على اليمنيين من قبل التحالف الذي تقوده السعودية حتى على مستوى إعلامها الذي وإن تحدث عن مأساة اليمن يظهر عادة بصورة خجولة ليس فيه إدانة تنم عن موقف يرفض إرتكاب الجرائم البشعة بحق الشعب اليمني.! وهكذا الحال مع جمهورية إيران التي تستغل غباء السعودية وتحاول إيهامها إعلاميا بان العاصمة صنعاء صارت قريبة منها وأن أذرعها باتت تلامس مؤخرتها الجغرافية من شمال اليمن.
روسيا وإيران خذلتا اليمن واستغلتا معاناته ولا تزالا من أجل مغازي بعيدة؛ فلا التي وقفتا إلى جانبه ولا أنهما تركتاه يواجه مصيره دون مخاتلة ومراوغة. فرغم الوضع الإنساني الكارثي الذي تعيشه اليمن يومياً جراء الحرب الظالمة، والذي بات يدركه العالم أجمع، لم تقدم “إيران الإسلامية” أي مساعدات أو إغاثات إنسانية سوى مرة واحدة أرسلت بـ400 طن من الماء الذي أكتشف بعد ذلك أنه ملوث وغير صالح للشرب وكأن مشكلتنا في اليمن هو الجفاف.!
وكذلك روسيا التي التزمت الصمت حيال قرار مجلس الأمن 2216، لكي تساوم به الخليج بموضوع إنخفض أسعار النفط من جهة، وحتى لا يكون موقفها واضح من هذا وذاك لأنه ليس لها مصلحة في اليمن أساساً من جهة أخرى، وبالتالي كان صمتها علامة لرضاها بالقرار ليس إلا. الأمر الآخر والقريب، رفضت روسيا إرسال 400 مليار ريال إلى البنك المركزي في صنعاء، الذي أبرم عقداً مع إحدى شركاتها لطباعتها، وبرَّرت قراراها بأنها تلتزم بالقرار 2216 الذي يعتبر حكومة عبدربه منصور هادي هي الشرعية.
اليوم، الشركة الطابعة أرسلت الى عدن نصف المبلغ المتفق عليه، كدفعة أولى ستليها دفعة ثانية قريبا، بينما أطراف صنعاء يعقدون لقاءات تكاد تكون شبه إسبوعية مع القائم بأعمال السفارة الروسية بصنعاء “اندريه تشرنوفول” ولم تثمر شيء لصالحها عدا تحميل رسائل من صالح والحوثي الى بوتن والعكس لا نعرف ما مضمونها ولم نجد لها أثر يلامس الواقع المُعاش.
عاصم السادة