لا أعتقد أنه يوجد ثائر مناهض للحكومة والجيش والدولة، على مر الأيام، وخصوصا التاريخ الحديث الذي انتشر فيه بعض المجانين ممن حملوا شعلة التحرر، تحرر الشعوب مما يعتقدون هم أنفسهم – بمناظيرهم الخاصة – أنها جرائم فادحة للدكتاتوريين والحكام الكفار !
كلهم جربوا طعم السجن، وتأثروا بظلامه والحقد الناجم عن عذابه (إن وقع عليهم)، وكانوا في الوقت الذي يتمتع في الوحش الدكتاتوري الحاكم الكافر - عدوهم اللدود - بما طاب من الأكل والدفء والمجد والنساء، يعانون من سياط غلاظ الأكباد والجوع والبرد والناموس والوحدة !
لكنهم لم يكلفوا نفسهم يوما عناء التفكير في الجملة التالية: "من أراد الكراسي لعق الصبرا "! أو تحميل أنفسهم الطامحة المسؤولية !
أعتقد، وهذا مجرد رأي أن الحكومات العربية ترتكب خطأ فادحا بزج أهل الرأي من الإسلاميين والسياسيين وأشباههم في السجون (ولا بديل في الوقت الحالي لأن أكثرهم وخصوصا في هذا العصر يرتكب الجنح التي يعاقب عليها القانون وأولها جنحة التحريض)، لكن بادئ ذي بدء لنحدد المراد بمصطلح الإسلاميين ومصطلح السياسيين.
المصطلح الأول يطلق على الجماعات المشتقة أو المنحرفة عن الصراط المستقيم الذي يهدي للتي هي أقوم، وطبعا السجن مكان للمنحرفين وإن لم يخل منه الأبرياء (الذين لا أقصدهم هنا). ومن أجل فهم أصول هذه الجماعات وكيف ابتلي بها الإسلام الرائع، علينا مراجعة التاريخ، وبمنظار ورثة الدين الحقيقيين، وهم ما يسمى ب"السلفية"، ولا تفكر للحظة في أنها ما يسمونه "السلفية الجهادية"!، هؤلاء لا يمثلون السلفية رغم كونهم الأقرب إلى أصولها لولا الخروج، كنبذ البدع والتقيد بضوابط الدين المظهرية، وكثرة تلاوة القرآن، لكنهم للأسف "خوارج"، وعندما تعود إلى تعريف الخوارج ستدرك أنه كان من بينهم من تعجب الصحابة (وهم السلف، ويطلق على أتباعهم لفظ السلفية) من تلاوته وعبادته، ولكنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" !، وبهم – إضافة إلى إخوتهم الشيعة المجوس – بدأ التفرق في الأمة، أما السلفية فأسسها واضحة مبنية على الإلتزامبالسنة والجماعة (التزاما كاملا وليس بالبعض فقط)، فهم في مجال الإلتزام بالجماعة مثلا لا يخرجون على حاكم المسلمين، ولا يكفرون من يعاونه من أبناء المسلمين كأفراد الجيش والشرطة !، تأمل في حال خوارج هذا الزمان تجدهم يكفرون حكام المسلمين وكل جيوشهم !
انظر إلى رأيهم في حاكم مصر، تجد أن كبار علمائهم يكفرونه رغم أنه يشهد ألا إله إلا الله ويصلى ويصوم ! وإذا كان هذا ظاهره كما يزعمون، فهل يعلمون بباطنه ؟!
أما السلفية الحقة فابحث عن عالم واحد منسوب إليها عبر العالم كله، يكفر حاكم مصر أو أي حاكم غيره، ولن تجد !
لقد ظهر من هذه الجماعات المسماة إسلامية من يستحق السجن بل الإعدام بسبب تعرضه للسلطة الحاكمة وسعيه إلى الكرسي ودعمه لنظرية التغيير بالقوة مما تسبب في قتل الأبرياء، وهي نظرية غبية جرت على المسلمين الكثير من الويلات اليوم.
إن الحكام قديما وحديثا لا يسجنون إلا من يتعرض لهم، ولا يظلمون إلا من ينافسهم في ملكهم المقدر عليهم إلى حين، ولا يمكنهم بطبيعة الحال السكوت عن بوق مفوه مبثوث في الشوارع والمنابر يحرض الناس على النزول إلى الشوارع واحراق الأخضر واليابس، وقلب كراسيهم الجميلة على رؤوسهم !
من أجل ذلك رموهم في السجن لأنهم سلكوا سلوك المجرمين، بل إجرامهم أشد لأنه تترتب عليه أكبر فتنة، فكان من نتائج ذلك ازدياد حنقهم على الطغاة والظلمة – كما يسمونهم -، وحسدهم لهم، وذلك هو المنتظر من تربية السجن المعهودة !
لقد كان الأب الروحي لجماعة الإخوان ضمن أول فوج من فتيان الثانوية يتم سجنه في مصر عام 1949 م، حسب شهادته في قناة الخنزيرة القطرية التي لا هم لها إلا دعم المظاهرات واحراقبلدان المسلمين، أنجانا الله من شرها !
وأتذكر هنا عندما كان الفهم مشوشا في بداية هذه الثورات الغبية، كان أكثرنا يرى في إغلاق مكاتب الجزيرة في نواكشوط والقاهرة أكبر ضربة للحرية والحق والإسلام ! لكن تبين فيما بعد أن الرئيس معاوية ومبارك كان أعقل وأكثر إدراكا للخطر من الشعوب الغافلة، وهذا يدلك على بركة طاعة حاكم !ٍ
لقد كانت كلمة الطغاة والظلمة والجهاد ضد المستبدين والشهادة في سبيل الكرسي هي الكلمات التي تأصل وقعها في النفوس، وكذلك حدث لصاحبنا الذي سجنه الرئيس معاوية، والذي لا يعرف الواحد هل هو سلفي ام خارجي أم صوفي أشعري أم إخواني ! أو هو مزيج من هذه الطوائف كلها !
لقد كان السجن أحد أسباب تمسك هؤلاء الثوار بتلك الثورية الجهادية التي جرت على المسلمين الويلات، حتى اليوم رغم بيان زيفها وسوء طريقها !
أما إخوتهمالدواعش فهم أكثر صراحة ووضوحا في مجال الخروج، ولو رسخوا حماسهم الشبابي ورغبة أبريائهم الحقيقية في نصرة الإسلام الذي يتعرض لكيد الشرق والغرب (وأسوأ شيء عليه أبناؤه للأسف ممثلين في أهل البدع وأهل الإلحاد والرفض)، لكان ذلك أكثر مردودية عليهم وعلى الأمة لأن أكثرهم منابذ للبدع وأهلها، ويملك الشجاعة في مواجهة أهلها بالدليل على عكس أكثر العلماء المتقاعسين الذين سيسألهم ربهم عن سكوتهم عن هذه البدع المتفشية، وخشية الناس أكثر من خشيته !
إن السجن مدرسة خطيرة جدا، أعاذنا الله وإياكم منها. ولابد من البحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها تجنب نتائج التخرج منه، وإخراجالناس منه صالحين بدل إعادة إرسالهم على الناس كوحوش كاسرة.
أما السياسيون وأشباههم من الجهلة بالدين – على الأقل -، فهم أمة من إنتاج المستعمر (النصارى)، حملوا رايته وحفظوا لغته وسنوا سننه وساروا على خطاه، وحققوا له الآمال التي لم يكن يحلم بها وهو محتللبلدان المسلمين !
ولكي أوضح وجهة نري، أقول: أيعقل أن يكون الإعلام في أكبر بلد عربي (مصر) محتكرا من طرف هؤلاء الذين أعرفهم جيدا من خلال مناظرة بعض أشباههم في بعض البرامج، هؤلاء الملحدين، والمعترضين على السنة والقرآن، والممجدين لخصال الغرب كلها حتى أسوأها !
مثال: الزنى ممثلا في فعل الشخص لما يشاء متى شاء (هذه حرية عندهم، وقد بدأت دول في أوروبا في الحد منها من خلال معاقبة الذاهب إلى الزانيات، آخرها فرنسا)، فالزنى أفضل في نظرهم القاصر من الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربعة ! وقد يسخر الواحد منهم من ذلك، ويسكت عنه !
كذلك ولاية الزوج على زوجته، خير منها عندهم تساويهما، أو حتى علوها عليه ! وأنى لها ذلك ! المسكينة، كيف تعلو عليها بهذه الأرداف؟!
والإعتراض على قانون النوع عندنا من أسبابه مثل هذه التجاوزات التي تعطي لقانون بشري الأفضلية على توجيهات رب العالمين، وليس القانون سيئا في مجمله بل أكثر نقاطع حافظة لحق هذه المخلوقة المسكينة المسماة المرأة والتي أصبحت فريسة بما تعنيه الكلمة في هذا الزمن ! وما دام التطبيق الفعلي للحدود غير موجود فلن توجد الراحة من الجرائم، لكن لحين تحقيق ذلك لم لا يسنون ما ينفع الناس دون التعرض لما أقره الشرع، أي بإختصار هل وصلتنا موجة الرفض العارمة التي تجتاح النخبة المثقفة التي تتحكم في بلدان المسلمين من أكبر رأس فيها إلى أصغره !
تلك النخبة التي يسمونها سياسيين ومثقفين وأدباء وفلاسفة وغيرهم، وهم من في مراكز التحكم في دول المسلمين، أبعد الله منهم الطالحين.
ففي مصر مثلا يتحكم الملاحدة والعلمانيون في كل شيء، وعلى سبيل المثال خذ مجال الثقافة والإعلام، وصناعة السينما تجدها عنهم مرتكزة على قضايا الدعارة والخمور والمجرمين، فالفيلم الذي لا يناقش قصة داعرة تصارع المجتمع لتنجو بامتهان الدعارة أو بلطجي يسعى لتحقيق مآربه ونفع أسرته أوعالم مسلم يغوص في أوحال السياسة، وهي رواية للعلماني المعروف إبراهيم عيسى، ذلك التنويري الثائر على أسس الإسلام الجاهل به المغرد بالشبهات التي سبقه المستشرقون إليها ! أصدر رواية تتضمن فكره الأسود فاحتفتبه السينما،ونشرتها في فيلم جديد 2016 !
أما مقال مثل هذا، فقد لا يرى النور إلا في موقعي الشخصي (وقد حدث ذلك لمقالات مشابهة سبقته رغم أن الإخوة المخالفين يزعمون أنهم يكفلون حرية الرأي الآخر)! ونفس الشيء حصل للقناتين الإسلاميتين الوحيدتين اللتين تتعرضان للفرق والطوائف وتفضحان فكرهما (قناة البصيرة وقناة منهاج النبوة المباركتين)، فوجئت اليوم بانهما محجوبتين، في نفس اليوم الذي تحتفي به الجزيرة بالزعيم الروحي لجماعة الإخوان في برنامج "مقابلة" !
فهل أصبح صوت الحق خافتا إلى هذه الدرجة بسبب تحكم هذه الشرذمة من أهل الجهلوالضلال والإستعمارفي العالم الإسلامي ؟!
إن الأمة الإسلامية ستظل بخير لسبب بسيط، وهو أن العوام مؤيدين من طرف خالقهم جل وعلا يعينهم بالبصيرة والدعاء، أما الشياطين المتمكنين (رؤساء الضلال) فتوغلهم في مجالالإعتراض يحجبهم عن الوصول، ولا شيء يعجز الله تعالى، فقد رأينا مقدمين في البدع ورؤساء يعودون إلى الحق رغبة وتوبة، رغم ندرة ذلك، أما الإنسان البسيط الذي لا زال في أول الطريق، فهذا الذي لا يريدونه أن يرى قناة البصيرة، ولا حتى مثل هذا المقال المتواضع جدا مقارنة بكلام العلماء !
وعلى كل حال أرى أنب بلدنا ولله الحمد لا يزال متمسكا بدينه بدليل قلة أمثال هؤلاء المنحرفين فينا، وضعف انحراف المنحرفين إن وجدوا، فلن ترى من بينهم ولله الحمد من يعترض على ربه أو يرفض دينه من أساسه بل بالعكس هو أو المدافعين عنه رغم سيره في طريق التحرر بسبب إحاطته بعالم من الملحدين وأهل الشبهات يجرونه نحو الهاوية وهو يقاوم ويقاوم، يعرف ذلك كل من ترك بينه وبينهم، خصوصا بعد انفتاح العالم على بعضه البعض من خلال هذا الإنترنت الرهيب، والذي أنصح كل مسؤول عن منزل (يستخدم روتر لبث الوايفاي) أن يضع الآيبياتIP الخاصة بحجب المواقع الإباحية في الروتر (علبة الإنترنت، وذلك من خلال برمجتها) لكي يحفظ كل من يتصل بالإنترنت في منزله من دخولها، ولن يستطيع أي طفل أو بالغ دخول موقع إباحي عبر الهاتف المتصل بتلك الوايفاي.
أما على مستوى حاسوبه الشخصي فيمكن لأي مضاد للفيروسات أن يحجب المواقع الإباحية، فهذه البرامج تحدث نفسها دوريا بإضافة كل جديد في مجال الرذيلة إلى قائمة الحجب لديها (وطرق فعل ذلك متوفرة على الإنترنت، يكفي فقط البحثفي جوجل).
لقد خرج "مساجين الرأي" إلى الشارع وهم متشبثون بآرائهم المنحرفة، وأكثر بغضا وكرها لوجه الحاكموللجيش والشرطة، فما الذي ننتظره منهم ؟ وكيف نتجنب ذلك الشحن الرهيب الذي يتعرضون له في سجنهم من خلال إعادة برمجتهم، فنأتي للعالم بعالم أكبر منه (ومعه الجاهل)، نخصص له راتبا مقابل الحوار والمناظرة الدائمين طيلة فترة مكوثه في السجن بشرط أن يكون من أهل العقيدة الصحيحة(ولو قبل أهل البدع بالمناظرات لعاد أكثرهم إلى الحق، لكن يأبى الشيطان إلا أن يحول بينهم وبين ذلك محولا القضية إلى ثأر بينهم وبين مخالفهم المسكين، كما لو كان قاتلالأحد شيوخهم !).
فيؤثر ذلك المتخصص الناصح على أولئك الخوارج والحقوقيينطيلة فترة سجنهم، ويبين لهمالدين ويصححلهم ويدعوهم إلى معاني الإسلام الأصيلة (السلام، الإنقياد، حب الخير لكل الناس لأننا دعاة للجميع، الإنطلاق من كون الدنيا ليست بدار البقاء وأن الرئاسة قدر من أقدار الله لا تنال بالعنف والإقتحام)، وستؤتي المحاولة أكلها على المدى الطويل بعون الله، إضافة إلى الطرق والوسائل الأخرى التي نقضي بها تماما على ذلك الشر الكامن والمتفاقم في تلك النفوس !
سيد محمد ولد أخليل
[email protected]