هل يستفيد النظام الجزائري من دروس سوريا؟ | صحيفة السفير

هل يستفيد النظام الجزائري من دروس سوريا؟

جمعة, 13/01/2017 - 17:45

كمواطن عربي يعتصر الألم قلبه من عنوان المقال ذاته، ما خلت يوما أني سأعيش الحالة المأساوية و الدموية التي تعصف بأغلب شعوب عالمنا العربي، و أنا كأغلب أبناء هذه الأمة، كان همّه الوحيد هو فلسطين و ليس غيرها؛ نعم سجلت عام 2010 في مقالين بصحيفة القدس العربي تخوفي من “تسونامي الشعوب” العربية كما وصفته حينها، و عبّرت عن خوفي ما لم تستبق النخب الحاكمة و المثقفة تأطير هذا الإعصار و توجيهه، من الخصم الذي سيتلقف إدارة أشرعته نحو مصالحه؛ لكن ليس التوقع المسبق كالمعاينة، و ليس التخوف كما الخوف نفسه. و كيف لا يعتصر القلب الألم و نحن نرى حالة الضياع في تونس و مصر و السودان و البحرين و الصومال، و حالة الانهيار و الفشل المدوي و الخراب و الدماء في اليمن و ليبيا و العراق و سوريا، تسعة دول عربية دخلت دائرة الاستهداف المباشر، و تدفع كلفة باهظة نتيجة عوامل كثيرة، على رأسها اختلال ميزان العدل و احيانا طيشه كليا، و عدم التنبه لقراءة القادم و عواقبه، و ما تبقى من دول عربية بين محميات أمريكو بريطانية بكل ما تعنيه العبارة، و بين من هي على صفيح يغلي، في مرمى العدو في أي لحظة.

قال حسني مبارك يوما: مصر ليست كتونس، و ثنّى بعده معمر القذافي بالقول: ليبيا ليست كتونس و مصر، و أعقبهما بشار الأسد مثنيا: سوريا ليست كغيرها؛ و لكل هؤلاء الحق نسبيا، غير أنه فاتهم بأن العدو المتربص لعب على واقع مشترك في كل البلاد العربية، تتجرعه الشعوب ضغينة و كراهية متصاعدة، العامل المشترك هو “الظلم”، الذي لا يستقيم معه منطقا و فطرة استقرار الحكم و سكينة الشعب، و الذي بطبيعته يفرز فسادا يوخز الضمير البشري بعنف؛ و ها نحن بحرقة نعيش واقع تلكم الشعوب و اولئكم الحكام؛ و من ينكر مقدمات واقع اليوم “الظلم و الفساد”، و يحسر الأمر فقط في المؤامرة الخارجية تبريرا أو مكابرة، مثله مثل الذي ينكر علينا كذلك تحذيرنا مما يدبره العدو الخارجي، كليهما على درجة واحدة من المكابرة، و لا يتسع عقله للجمع بينهما، فلا إقامة العدل و محاربة الفساد يمكنها أن تلغي وجود عدو متربص، و إنما تقلل من فرص هجومه و تضيق عليه منافذ تسلله، و لا تربص العدو الخارجي ينفي و يعدم وجود الظلم داخلنا و تفشي الفساد في جسدنا.

لم تستفق بعد تلكم الأنظمة لتقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض. بل المظالم في مصر زادت بشكل مروع، و تفلّتت الأحكام القضائية بصورة غير مسبوقة، و أما في سوريا فحدث و لا حرج، و لعل مهزلة استدعاء المعارض فاتح جاموس (و الذي سأعود لحالة في مقال آخر) للوقوف أمام المحكمة، في قضية تعود لأحد عشر عاما، حكم فيها عليه، و طوي ملفها 2006 ثم فتح ثانية دون أي جديد قانوني يستدعي ذلك، ثم طوي مرة أخرى، ليفتح منذ أسبوع، قلت لعل في ذلك مؤشر على حالة الغيبوبة العميقة عن أهم المسببات و أخطر الثغور التي تحصن “الانتماء الوطني”.

و حين أقول دروس سوريا، فليس لأن الجزائر اقرب لسوريا موقعا في التقدير الاستراتيجي من حيث المواقف التي استثارت العدو بشدة فحسب، فضلا عن التشابه في حالة غياب العدالة و انتشار الفساد بشكل يقوض كل دعائم الانتماء، و يفكك عرى جميع القيم و المبادئ، و إنما للتصريحات الواضحة و العلنية و المباشرة، سواء للمنظّر الصهيوني هنري برنار ليفي عام 2013، و التي عبرّ فيها عن أسفه لتأخر الربيع العربي عن الجزائر، و أنه يعمل على وصوله إليها، و عززها بشكل رسمي رئيسه و قائد الحملات التخريبية على ليبيا و سوريا نيكولا ساركوزي، الذي بيّن بأن المخطط يعني الجزائر مباشرة بعد ليبيا و سوريا.

إذن نفي وجود هذا المخطط هو مكابرة، و نفي وجود الظلم و الفساد مكابرة أخرى لا تقل عن الأولى؛ و الجزائر أمام واقع مواجهة القادم لا مفر من ذلك، و الإنكار دليل عجز و ليس دليل قوة، و الحكمة و البصيرة تقتضيان النظر و العمل بجدية على الاستعداد؛ و هنا لست بصدد قراءة النتائج، كما يقفز البعض في استعراض بهلواني للعضلات بالقول: سيهزمون. نعم سيهزم العدو و لكن بأي كلفة؟ هذا هو السؤال.

أختصر القول: الكلفة يتحكم فيها أمران: العدالة و محاربة الفساد. كلما ارتفع العمل الجاد عليهما، كلما قلّت الكلفة بشريا و ماديا و زمنيا، و كلما كابرنا و تجاهلناهما، كلما ارتفعت الكلفة بقدر ذلك، و هذا هو الواقع المعاين لدى شعوب أخرى، لم أكتشف هنا العجلة، و إنما هي سُنن كونية ليس لأحد أن يغير موازينها وفق هواه و مكابرته.

و بكل صدق و صراحة، لست أرى إلى غاية الساعة، النظام الجزائري جادا في بسط العدالة، و لا في حرب فاعلة على الفساد، و إنما الواقع المعاين هو العكس تماما، فالعدالة ترهلت أعصابها حتى باتت شبه مشلولة، يعبث بها مسؤولون نخر ضمائرهم مال السحت، و فساد طمّ الطبقات السياسية و الفكرية و الإعلامية و نخب المجتمع، حتى أصبح سلوكا دارجا لدى الشعب، يرقى أحيانا لدرجة العُرف الذي يتوجب العمل به بل مدعاة للفخر؛ و أما شعار نحن لسنا كسوريا كما يجتره بعض المسؤولين، ليس أكثر من مكابرة حمقاء سبقهم إليها آخرون. فضلا عن قول: الربيع العربي لا يعرفنا و لا نعرفه. كدليل على حالة الانفصام الكلي عن الواقع.

الله نسأل أن يهيأ للجزائر رجالا عقلاء و خبراء و متبصرين يجنبون شعبها الكارثة.

 

اسماعيل القاسمي الحسني