مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 18) | صحيفة السفير

مذكرات السجين السابق لدى البوليساريو محمد فال ولد أكًاه (الحلقة 18)

جمعة, 13/01/2017 - 18:37

كانت تلك السنة الدراسية (1979-1980) ناجحة بكل المقاييس بالرغم من كونها أول تجربة تحاكي المدارس الحديثة بمعايير ذلك التاريخ وبالرغم من فقر البيئة التربوية التي كان يعمل فيها طاقم التدريس من انعدام شبه كامل لوسائل الايضاح وغياب دور الأسرة لكون تلك المدرسة كانت داخلية تقع في حيز جغرافي بعيد عن المخيمات ورغم ذلك كانت النتائج فوق كل التوقعات مما خلق ارتياحا وثقة بالنفس لدى الجميع من أنه إذا استمر المناخ الملائم يمكن خلق نواة حقيقية لتعليم ناجح بالاعتماد على الامكانيات المادية والبشرية المتاحة وهو ما ستثبته السنوات اللاحقة قبل أن تسند المهمة لغير أصحابها ممن لا يجيدون غير تكرار الشعارات التي لا يتجاوز مضمونها حناجرهم ولم تكن لهم حتى أدنى صلة بتلك التجربة الجميلة التي لا يمكن وصفها بأي وصف سوى أنها كانت معجزة تحولت على أيديهم إلى كارثة .

بعد اختتام السنة الدراسية كانت إدارة المدرسة والتي هي في الوقت نفسه عبارة عن الوزارة قد أعدت لائحة لبعض المعلمين الذين سيرافقون مجموعات  الأطفال في عطل صيفية نحو بعض الدول الاوروبية كتشجيع لهم على المجهودات التي بذلوها خلال السنة الدراسية وكنت من ضمنهم وفي اليوم الذي كان يفترض أن أذهب فيه إلى مركز الرابوني للتصوير من أجل إعداد وثائق السفر تم استدعائي إلى الإدارة فوجدت في انتظاري محمد الأمين أحمد الذي كان يومها رئيسا لمجلس الوزراء في حكومة البوليساريو وبعد سلام مقتضب وأسئلة عن الصعوبات التي لاقيناها خلال السنة الدراسية أخبرني بأنهم قرروا تشكيل لجنة لإعداد مناهج دراسية تراعي الخصوصية الثقافية والحضارية للصحراويين وستباشر عملها في العطلة الصيفية وأنه تم اختياري عضوا فيها وقال بأنه علم أن المدرسة  قد كافأتني على مثابرتي خلال السنة الدراسية بعطلة في فرنسا مع بعض الأطفال وأنه يريد أن أبيعه عطلتي لأن كل الوسائل قد جهزت لتبدأ اللجنة المشكلة عملها ، وبالرغم من أن عطلة في فرنسا مدفوعة المصاريف كانت تعني لي كما لغيري الكثير إلا أن الأسلوب اللطيف والمزاح الذي اتبعه معي بدل أن يعطي أمرا بإلغاء "مكافأتي " كان وقعه في نفسي أقوى من وقع فرحتي بأيام كنت سأقضيها في فرنسا التي لو كنت أعلم أنني سأتهم زورا بعد ذلك بسنين بالعمالة لها لكان الوقع أشد ، لذلك كان ردي على عرض "البيع " ذلك هو أني بعتكم نفسي فكيف لا أبيعكم مكافأة فما كان منه إلا أن صافحني من جديد قائلا " برافو " وينتهي بذلك أول لقاء لي مع الرجل الذي أدين له بعد الله تعالى بأن بقيت على قيد الحياة وخرجت من تلك الحفرة التي أوشكت على الهلاك فيها ، وأعتب عليه في كلام لا يليق به قاله لي شخصيا ذات يوم عن موريتانيا التي هي بلد أخواله حينما كنت أسخن في مدرسة 12 أكتوبر تمهيدا للالتحاق بمن رحلوا قبلي إلى المجهول حتى وإن كان ما أدين به له يجب ما قاله على الأقل بالنسبة لي ، وسأتحدث عن الموضوع حين أكتب عن ذكرياتي مع بعض قادة ومسؤولي البوليساريو.

بدأت العمل في تلك اللجنة وكان محمد الأمين أحمد نفسه يرأسها وكانت تضم إلى جانب كل المدرسين تقريبا إطارات جيء بهم مما يعرف بالعلاقات الخارجية بالإضافة إلى عدد من الكتاب للعمل على آلات الطباعة وكان العمل يبدأ من الساعة الثامنة صباحا حتى السادسة مساء دون انقطاع سوى للوقت الذي نتناول فيه وجبة الغداء واستمر الحال على هذا المنوال طيلة أشهر العطلة الصيفية الثلاثة ، وأذكر أنه في اليوم الذي أنهيت فيه العمل الذي كان مسندا لي كنت على موعد مع نبإ غير سار إذ أنه طبقا للأوامر وجدت نفسي في مساء ذلك اليوم مرميا فوق شحنة من العدس في مؤخرة انموك (Unimog) متوجهة بي إلى معسكر 12 أكتوبر الذي كنت أظن أن مغادرتي له قبل سنة كانت نهائية ، ولست أذكر وأنا في الطريق إن كنت فكرت في زميل الدراسة (الدولة) هو و أ.ب.ت.ث.ج وخندود .

 

    يتواصل ........