قد يكتشف العالم الغربى، و”اسرائيل” أن ما جرى ويجرى فى سوريا, سوفيقود الى معادلات سياسية معقدة, ولكنها من النوع التاريخى الاستراتيجى, اى تلك التى سوف تقرر مصير منطقة باكملها.
طالما أن النظام السورى وحلفائه استطاعوا أن يحققوا خرقاً استراتيجياًّ فى جبهة “اعدائهم”, كيف يمكن لهذا الخرق أن يتحول الى نصر, وثم الى انتاج دولة سورية ديمقراطية تعددية وحداثوية؟
بالمنطق الكلاسيكى, الامر غير وارد على الاطلاق. فقد انتهت المعادلة التى وضعها حافظ الاسد, وحملها خَلَفَهُ بشار, التى تقوم على التوازن الاستراتيجى مع العدو الصهيونى, ودور محورى فى قلب النظام العربى, وتنمية تستند على الريف والصناعة الصغيرة بما يحقق استقلال عن منظومة التمويلات والقروض الاجنبية, والمحافظة على موقف من المقاومة يتراوح بين تكتيكى واستراتيجى.
فى عام 2006 تَوّجَت المقاومة اللبناينة انتصاراتها المتتابعة على العدو الصهيونى, فمنح ذلك كتلة المقاومة والتحرر من المشروع الصهيونى وزناً استراتيجياًّ, فأصبح التحالف بين الدولة السورية وكتلة المقاومة (لبنان وفلسطين) استراتيجيا (بين مبدئى وبراغماتى),وليس تكتيكيا مُؤقتاً.
فى عام 2011 على اثر ثورة الشعب السورى, ومن ثم تحولها الى حرب أهلية, تساقطت عناصر المعادلة التى وضعها حافظ الاسد. وأصبح السؤال الملح, عن أى دولة سورية نتكلم, وماهى معادلاتها البنيوية الجديدة؟
لاشك بأن النظام السورى لايرى اليوم أية امكانية من بناء الدولة من خلال دور معترف له فى النظام العربى الرسمى, كما أنه يواجه انهيار فى البنى الاقتصادية مما سيضطره الى القروض والتمويلات الاجنبية, وأن معادلة التوازن الاستراتيجى التقليدية سقطت لاسباب أقلها ان الكيان الصهيونى استطاع تجاوز اى توازن عسكرى مع الدول حتى فى المدى المتوسط.
فالآفاق مسدودة أمام الدولة السورية, ما يمكن أن يُفْرِحْ العدو الصهوينى, أن النظام السورى, والمعارضة, أصبحا عاجزين عن الانتقال الى مرحلة سياسية, الى سوريا المستقبل. فالانقسام كبير, والتداعيات عميقة وخطيرة, والثأر والانتقام فى تصاعد.
هناك أحتمالين أمام الدولة والمعارضة, فالمعارضة بحاجة الى ثورة مجتمعية حقيقية من أجل أن تستعيد شرعيتها, والدولة بحاجة الى مشروع وطنى وقومى يؤسس لشرعية جديدة, تنطلق منها فى بناء الدولة السورية.
لانعتقد أن أمام المعارضة أفقاً ثوريا حقيقيا, أو أن لديها الفكر والنظرية والقدرة والارادة, فهى وصلت الى مرحلة العقم الثورى, وبحاجة الى اعادة هندسة تاريخية واستراتيجية, ولايوجد مايلوح بالافق أن هذا وارداً الآن. بلاشك أن هناك مكونات من الشعب السورى تسعى الى ثورة حقيقية وهى جادة, ولكنهاتتواجه مع خذلان القيادة السياسية الحالية لها.
فى جانب الدولة السورية, نجد فى المشهد استدخال عميق لبنية حزب الله فى الداخل السورى. يجب قراءة هذا الامر من منطلق أنه يتحول من ضرورة ظرفية بسبب المعارك الاهلية, الى ضرورة استراتيجية وتاريخية, أى أنه يؤسس لمشروع الدولة السورية. وهذا فى رأينا المفصل الجديد فى المنطقة.
ماهى الظروف الموضوعية التى تجعل من العلاقة مع حزب الله استراتيجية تاريخية؟
ما تقوم به “أسرائيل” من توجيه اهانة الى الدولة السورية, وكان آخرها الضربة الجوية, باستخدام طائرات اف 35, يؤدى الى تراكم وتعاظم فى الاهانة الوطنية والقومية والدينية, وعندما يغيب الرد, يشير الامر الى الخنوع والهزيمة, حسب ماتراه الاغلبية.لذلك تريد “اسرائيل” أن يكون لاعمالها العدائية فعلا استراتيجيا, وهو تحطيم العقل العربى المقاوم, والحالة النفسية للصمود فى وجه الاحتلال.
تقدم هذه الغارات “الاسرائيلية” نموذجا عن مستقبل سوريا, ففى ظل هزيمة المعارضة, تقدم “اسرائيل” نفسها على أنها المنتصر الوحيد على النظام. وانها أيضا تنتقم من حزب الله نيابة عن أعدائه, فهى يمكن أن تكون وكيل لهم. ولن يستطيع أحد أن يردعها, كما يتم ردع المعارضة. !
تسعى “أسرائيل” الى اثبات تعاظم دورها العسكرى والامنى, والتأكيد على أن الخلاص فى سوريا, لابد أن يمر من تل أبيب, وأن كافة أعمالها بغطاء امريكى روسى غربى عربى, وهى مفتاح لاميركا ترمب وروسيا والغرب فى المسألة السورية, وهناك من يسمع بشغف, ويستدخل ذلك الى المعادلات السياسة الداخلية العربية.
بذلك تريد “اسرائيل” تعزيز ودعم دور تيار عربى وسورى فى المعارضة, يدعو الى التفاهم والتصالح مع الاحتلال الاسرائيلى (وعفا الله عما سلف).
ماتقوم به “أسرائيل” ومن خلفها الدول الغربية, هو اعطاء مبررات لقيام شرعية تاريخية واستراتجية للتحالف بين حزب الله والنظام السورى, بل فى أن يصبح علاقة عضوية, تتشارك فى وحدة المصير.
هل يدرك الاسرائيليون ذلك أم ماذا؟!
يتواجه التيار الذى تريد له “اسرائيل” أن يتحالف معها, مع كتلة سياسية فى سوريا ولها امتداداتها فى الوطن العربى, وصلت الى مرحلة, أن التفاهم مع المشروع الصهوينى غير وارد من الناحية التاريخية, وما تقوم به “اسرائيل” يعيد انتاج لمفهوم أن المشكلة مع هذا الكيان هى وجود وليس حدود؟. فلن يقبل أى عربى شريف أى دور للكيان الصهيونى فى الداخل العربى والفلسطينىى.
لايوجد أمام الدولة السورية اذا أرادت ان تستعيد شرعيتها وتطرح مشروع الدولة السورية الحديثة, الا فى تقديم حل جذرى تاريخى مع الكيان الصهوينى. أنه الخيار الاوحد والوحيد, وغير ذلك, اذا حاولت الدولة اعادة انتاج ذاتها من خلال مقاييس “من عهد حافظ الاسد”, تهدمت وغير قائمة الآن, سوف تقود نفسها والشعب السورى الى الهاوية السحيقة.
نعتقد أن العلاقة مع العدو الاسرائيلى وصلت الى مرحلة اللاعودة الى توازنات العهد القديم. نحن أمام منعطف تاريخى استراتيجى فى عام 2017.