لا شكّ أنّ الدّولة الموريتانيّة لم تبذل مجهودا كبيرا؛ في سبيل تطوير وتمكين اللّغات الوطنيّة كما ينبغي، ولكنّ تقاعس أصحاب تلك اللّغات أيضا لعب دورا كبيرا في تهميشها وعدم تطويرها، إذ قلّ ما تجد مِن المسئولين في الدّولة من النّاطقين بتلك اللّغات (أقصد البولاريّة، السوننكيّة والولوفيّة)
مَن يهتمّ بلغته الأمّ وخاصّة الفرنكوفونيّين منهم إلا نادرا جدّا، وحتّى الإعلاميّين الذين يشتغلون بتلك اللّغات لا يحسنون كتابتها وقراءتها بشكل احترافي رغم أنّهم يسترزقون بها. فبدلا من أن يستخدموا لغاتهم فيما بينهم أو يكتبوها، تراهم يستخدمون اللّغة الفرنسيّة سواء في الكتابة أم في التّواصل فيما بينهم. لا أدري هل يفسّر هذا التّصرّف بالجهل أو بالشّعور بالنّقص، وإلاّ كيف تعمل إعلاميّا أو صحفيّا في لغة ما، و لا تجيد كتابتها بشكل جيّد وتستخدم غيرها في الإعلان عن موعد برامجك، وفي التواصلك مع مستمعيك! أغلب من ينشطون في مجال تعليم تلك اللّغات أونشرها في الشّابكة الدوليّة والمواقع التّواصل الاجتماعي؛ من الهواة ومن عامّة النّاس، ليسوا متخصّصين أو من الطّبقة المتعلّمة بالتّعليم الحديث وخاصّة الفرنسي. وعند ما تحتجّ عليهم؛ يقولون لك أنّهم يريدون ذلك، لكنّ المستهدَفين المفترَضين من برامجهم لا يجيدون قراءة لغاتهم، لأنّ الدّولة لا تهتمّ بها أو حتّى لا تريد تعليمها وتطويرها. وكيف للدّولة أن تفعل ذلك؛ ولم تجعلوها تفعل ذلك! إذ لا يمكن للدّولة أن تبذل جهودا وتنفق أموالا طائلة على شيء لا ترى أهميّته، إلاّ إذا رأت أنّها إذا لم تفعل ذلك سيفعله غيرها وقد يستغلّه هذا الغير لأغراض أخرى لا تصبّ لصالح الدّولة والمجتمع، أو إذا رأت الإرادة القويّةّ من المعنيّين بالأمر.
قيلَ إنّ أحد قادة السّود الأمريكيّين جاء إلى الرئيس الأمريكي السابق "فرانكلين روزفلت" يشتكي من تهميش شريحته، ويطلب من الرّئيس أن يفعل شيئا بشأنهم. قال له الرّئيس: "سمعت كلّ ما قلتَه، ومن استطاعتي فعله، ولكن اذهب إلى جماعتك واجعلوني أفعل ذلك". هذا يعني أنّ الرّئيس يريد أن يرى منهم الإرادة القويّة والجدّيّة والتنظيم، وحينها إذا أراد استجابة مطالبهم لا يستطيع مَن حوله منعه من ذلك. هذه القصّة تؤكّد أنّ الدّولة في أيّ مكان في العالم؛ لا تقوم بما ينبغي عليها القيام به، إلاّ إذا قام المواطنون بما يجب عليهم القيام به. وهذا الأمر ينطبق على موريتانيا أيضا، لا يَتصوّرْ أحد أنّ الدّولة ستقوم بما ينبغي عليها القيام به تجاهه، إلاّ إذا قام هو بما يجب عليه القيام به، وهو جعْل الدّولة تقوم بدورها كما ينبغي، عن طريق التنظيم وإظهار الجدّية سواء فيما يخصّ تمكين وتطوير اللّغات الوطنيّة أم غيرها. أعتقد أنّ على أصحاب الشّأن إعادة النّظر في الموضوع ومراجعة أنفسهم، والقيام بدورهم بشكل فعّال تجاه لغاتهم باستخدامها في كتاباتهم ومنشوراتهم، وكذلك في خطاباتهم السّياسيّة واجتماعاتهم إلى جانب اللّغة الرّسميّة للدّولة، وأيّ لغة أخرى يريدونها، ولا سيّما الدّولة الآن لا تمانع من تطوير تلك اللغات على ما أظنّ، كما كان يحدث في السّابق. حينها إذا لم تقم الدّولة بواجبها يلومونها، ولكن في الوضع الحالي لا ينبغي عليهم لومها وحدها.
عبدولاّي يريل صو