في الطريق إلى أستانة | صحيفة السفير

في الطريق إلى أستانة

ثلاثاء, 17/01/2017 - 12:04

عندما قال وزير الدفاع الروسي إن دمشق هي مَن يُقرّر الخطوة العسكرية التالية لما بعد حلب، فإنه لم يكن يعني ما يقول، إلا إذا كان وقف إطلاق النار وعملية أستانة استمراراً للعمل العسكري لكن بوسائل أخرى.

 

وقد كشف الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار والاتفاقات الأخرى عن اختلاف في تقدير الأمور بين روسيا وإيران، وبين إيران وتركيا، وخاصة أن جزءاً من المداولات والترتيبات الخاصة بالجماعات المسلّحة كان يتم بين روسيا وتركيا مباشرة، ولا يبدو أن إيران كانت راضية تماماً عن الكيفية التي كانت تجري بها ولا عن مخرجاتها الأولية، وخاصةً أن تركيا قدّمت قراءة للاتفاقات المذكورة، عدّتها إيران تأويلاً غير مشروع وخروجاً عن التفاهمات التي أنتجتها، وجاء قرار مجلس الأمن (2336) تاريخ (31 كانون الأول/ ديسمبر 2016) الذي "رحّب بالجهود التي تبذلها روسيا وتركيا من أجل وضع حدٍ للعنف في سوريا وبدء عملية سياسية"، وحيّا الدولتين المذكورتين أكثر من مرة، لم يذكر  إيران بالمعيّة. 

ويبدو أن روسيا وتركيا لم تقوما بما يلزم من أجل إدراج إسم شريكهما في "إعلان موسكو" في القرار المذكور وخصّه بالتحية أيضاً، وفي هذا خذلان واضح لإيران.

 

إيران رصدت اجتماعات ضبّاط مخابرات أتراك مع قادة المجموعات المسلّحة في ريف حلب وإدلب، ولاحظت عمليات تحشيد وتموضع وتحصينات وإمدادات بالسلاح ربما تهيئةً لإشعال جبهات عديدة وفي مقدّمها حلب نفسها، كما لاحظت محاولة تركيا وضع صياغات عدائية في متون الاتفاقات والمداولات حول وقف إطلاق النار والإعداد لمؤتمر الأستانة من قبيل: إدراج حزب الله في قائمة "المجموعات المسلّحة" التي يجب إخراجها من سوريا، وإعطاء الجماعات المسلّحة صفة "مقاومة"، ومحاولة رسم ملامح مناطق نفوذ لتركيا تحت عنوان الرعاية والإشراف مقابل روسيا، وهذا ما لا ترضاه إيران ولا سوريا بطبيعة الحال.
 

 

وهكذا أكّدت إيران على رفض المخاتلة التركية في الإعداد لمؤتمر أستانة، ورفض إشراك الجماعة الإرهابية في المؤتمر المذكور مهما كانت الصفة أو التسمية، وقدَّرت أن تركيز تركيا على العملية السياسية وعلى مواجهة "داعش" في مدينة الباب هو لإخفاء ما تقوم به من دعم وتنسيق وتهيئة للجماعات المسلّحة في محيط حلب وإدلب وغير مكان من سوريا. 
صحيح أن التعاون كبير بين الجانبين ولكن الثقة ضعيفة (!) ولا ننسى أن تركيا تُعوّل على "جبهة النصرة" بوصفها معادلاً موضوعياً لـ "حزب الله" في سوريا.

 

لا شك أن موسكو ترى تجاوزات أنقرة للتفاهمات حول سوريا، من قبيل سماح تركيا للتنظيمات المسلّحة الموالية لها بالمشاغبة على اتفاق إخراج المسلّحين من أحياء شرق مدينة حلب بإعاقة تطبيق الجانب المتعلّق بإخراج الحالات الإنسانية من بلدتي كفرية والفوعة، ومثل ذلك بالنسبة إلى إجهاض توسّط روسيا في موضوع وادي بردى قرب دمشق، والعالم يعرف أن تركيا "تمون" على "جبهة النصرة" التي تقطع مياه الشرب عن مدينة دمشق.

 

لكن موقف موسكو لم يكن حاسماً بالقدر الكافي تجاه تجاوزات تركيا على الأرض، وربما كانت مدفوعة بالرغبة في إنجاح عقد مؤتمر أستانة وفي احتواء أي نكوص محتمل في التفاهمات مع تركيا، حتى لو أدّى ذلك إلى بعض الانزعاج لدى دمشق وطهران. وهذا بالذات ما يُقلق سوريا وحلفاءها، إذ كيف يمكن تمكين تركيا من أن تحصل بالسياسة على ما لم تحصّله بالعسكرة، ومن بوابة روسيا هذه المرة، ومن دون أن تلتزم جدياً بخيار التسوية السياسية ووقف دعم الجماعات المسلّحة، بل مع استمرار دعمها لتلك الجماعات التي رفضت اتفاق إطلاق النار، وعلى رأسها "جبهة النصرة"؟

 

الاختلاف في التقديرات بين موسكو وطهران أظهر أن ثمة افتراقاً في الأولويات، وأن روسيا وتركيا تحاولان الانفراد في إدارة المفاوضات على حساب إيران، هذا على الأقل ما حاولت وسائل إعلام وتحليلات سياسية تركية وخليجية وغربية الترويج له، ربما من باب القراءة المتسرّعة والأمنيات لا من باب التقديرات الواقعية.

 

إن حماس روسيا للاتفاق مع تركيا لا يعني أن تغفل عما تفعله الأخيرة، كما أن شكوك وتحفّظات إيران على موقف تركيا لا يعني أنها تقلّل من أهمية استدراج الأخيرة إلى خانة السياسة أو أنها بصدد المواجهة معها. وما يبدو افتراقاً في القراءات بين حليفي سوريا الرئيسين (روسيا وإيران) لا يجب أن يغفل عما بينهما من تمفصل عميق في تقدير المصالح والتحديات على الجبهة السورية.

 

يبقى أن تحفّظات إيران على الموقف بين تركيا وروسيا، ما ظهر منها وما بطن، يستجيب للهواجس العميقة لدى سوريا تجاه تركيا، وقد ظهر ذلك من خلال الاتصالات والزيارات المتبادلة والمكثّفة على خط دمشق – طهران. وهو ما يمثّل ضمانةً لمؤتمر أكثر توازناً في أستانة.